أوروبا تتجه للبحث عن حياة على المريخ.
بعد ثلاثة عشر عامًا من المحاولة الأولى الفاشلة لوضع متجول على سطح المريخ؛ وصلت أوروبا إلى مرحلة حاسمة في المهمة «ExoMars» التي تهدف للبحث عن الحياة على الكوكب الأحمر، ولكن بالتعاون مع روسيا هذه المرة.
سيتم توجيه المركبة الفضائية على بعد 175 مليون كيلومتر من الأرض، حيث ستطلق وتقود مسبار ضخم نحو سطح الكوكب الأحمر الجاف والبارد، هدفه الوحيد بأن يجهز الطريق للمتجول اللاحق الذي سيحفر على الكوكب بحثًا عن حياة برية أعمق.
يقول مارك مكريان (Mark McCoughran) المستشار العلمي لوكالة الفضاء الأوروبية، قبل مناورات إطلاق المسبار التابع للمهمة صانداي:
هدفنا هنا هو إثبات أن باستطاعتنا الوصول لسطح الكوكب والقيام بأبحاث علمية والحصول على المعلومات
مراحل المشروع:
سينفصل المسبار المسمى ب(شاباريلي-Schiaparelli) والذي يزن 600 كيلوجرام عن المركبة الأم(Trace Gas Orbitor(TGO)) بعد سبعة أشهر ومسار يبلغ 496 مليون كيلومتر من الأرض. المسبار والسفينة الأم سيدخلان مدار الكوكب لاستكشاف المناخ بحثًا عن غازات ناتجة من الكائنات الحية؛ والذي يشكل المرحلة الأولى من المشروع الأوروبي الروسي (ExoMars).
أما المرحلة الثانية والمتوقع انطلاقها في عام 2020م، بعد تأخير عامين بسبب التمويل، هي المتجول والتي سيختبر شاباريلي من أجلها مناطق الدخول وطرق الهبوط السهلة.
أكثر من نصف المحاولات الأوروبية والأمريكية والروسية لإرساء وتشغيل المركبات الفضائية على سطح المريخ منذ الستينات باءت بالفشل، وفي آخر محاولة لأوروبا اختفى (Beagle 2) المبني بواسطة بريطانيا دون أثر، بعد انفصاله عن المركبة الأم (Mars Express) في ديسمبر 2003م، وتم رصده أخيرًا في يناير 2015 بواسطة صور ناسا للمريخ، والتي أظهرت أنَّه رغم فشل (Beagle 2) في إقامة اتصال إلَّا أنَّه هبط بنجاح. الولايات المتحدة الأمريكية هي الوحيدة التي استطاعت تشغيل متجوِّلات على المريخ حتى الآن.
إذا وُجدت حياة على المريخ فمن غير المحتمل أن تكون على السطح الحافل بالأشعة الكونية والفوق بنفسجية، لكن يعتقد العلماء أنَّ آثار الميثان في غلاف المريخ الرقيق هو علامة على نشاط تحت الأرض، يشرح مكريان: «لكن الميثان أيضًا لا يستطيع التواجد تحت أشعة الشمس الفوق بنفسجية لفترة طويلة، ولذلك فإنَّ وجوده في غلاف المريخ يدل على أنَّه يأتي من مكان ما؛ شيئًا ما يصنع هذا الميثان». أحد الأسباب المُحتملة لوجود الميثان، هي وجود براكين تحت الأرض، أمَّا الاحتمال الآخر هو وجود الحياة حيث أنَّ مولدات الميثان وهي ميكروبات وحيدة الخلية تعيش في أماكن لا يتواجد فيها الأكسجين مثل مَعِدات الحيوانات تحول ثاني أكسيد الكربون إلى ميثان. نأمل أنَّ المتجول (ExoMars) والمُعَد لحفر مترين تحت سطح المريخ سيعطينا بعض الأدلة عن مصدر الميثان.
إنَّ أجهزة شاباريلي حاسمة في تصميم مُعدَّات هبوط المتجول؛ على بُعد حوالي مليون كيلومتر من الكوكب الأحمر سيدخل إلى الغلاف الجوي على ارتفاع 121 كيلومتر وسرعة تصل إلى 21000 كم/ساعة. وتستغرق الرحلة الحارة والمليئة بالمطبَّات خلال غلاف المريخ حوالي ست دقائق؛ ولحماية المسبار فهو مُحاط بقشرة تمتص وتشتت الحرارة المُتولِدة من الاحتكاك لأول ثلاث أو أربع دقائق.
أعلنت وكالة الفضاء الأوروبية: «عندما يصل المسبار إلى ارتفاع 11 كم ويبطئ إلى 1700 كم/ساعة فستنطلق مظلة تفوق سرعتها سرعة الصوت»، بعد أن يبطئ المسبار أكثر ويتخلص من المظلة والقشرة، شاباريلي ستُفَعِّل تسع دفاعات مُتحكم في سرعتها، وستتجول لفترة على ارتفاع مترين قبل أن تفصل محركاتها وتسقط على السطح، ومن المقرر أن يتم امتصاص الصدمة بجزء خاص قابل للكسر في بطن المسبار، وهو مماثل لمنطقة السحق في السيارات.
يقول تييري بلانكويرت(Thierry Blancquaert)، مدير شاباريلي في وكالة الفضاء الأوروبية: «إنَّها مهمة معقدة؛ الهبوط على المريخ يحتاج الكثير من التكنولوجيا».
مع تأخير عشر دقائق وهو الوقت الذي تستغرقه الرسالة لتصل إلى الأرض، شاباريلي سترسل معلومات عن الحرارة والرطوبة والكثافة والخصائص الكهربائية. اعتمادًا على البطاريات وعدم وجود ألواح شمسية سيصمد المسبار لمدة يومين أو ثلاثة. يقول مايكل دنيس(Michel Denis) مدير رحلة (ExoMars): «حتى إن لم يعمل فسوف نحصل على الكثير من المعلومات، وإذا حدث خطأ فسنعرف أين حدث».
بعد تحرير المسبار فإنَّ المركبة الأم (TGO) ستغير مسارها لتجنب الاصطدام بالكوكب، وستبدأ عملية تُدعى «Aerobraking» تدوم لمدة 12 شهرًا تقوم فيها المركبة بالدوران حول غلاف المريخ حتى تخسر بعض طاقتها لتحول مسارها إلى مسار دائري. في بداية 2018 ستبدأ بتحليل مناخ المريخ من على ارتفاع 400 كم، وإذا لم ينجح الانفصال فسيحاول متحمكي المهمة ثانيًا في اليوم التالي. سترسل أوروبا وروسيا المسبار التجريبي في رحلة ذهاب فقط إلى سطح المريخ، وهي خطوة أساسية في مشروعهما المشترك (ExoMars) للبحث عن الحياة على المريخ.
بعض الحقائق عن المهمة:
جاءت تسمية (ExoMars) من كلمة (Exobiology)؛ وهو علم الأحياء الخارجية، والذي يختص بتحليل احتمالية وفرص وجود حياة على الكواكب الأخرى؛ أمَّا المسبار شاباريلى فقد سُمي على اسم فلكي القرن العشرين الإيطالي الذي لاحظ وجود خطوط على المريخ من خلال التلسكوب الذي أسماه (كانالي-Canali)، والذي تمت ترجمته خطأ إلى قناة مياه بدلًا من قناة تلفزيونية مما جعل الكثير يتخيلون شبكات ريّ واسعة مبنية بواسطة كائنات ذكية.
• بالأرقام: المركبة الفضائية (TGO) التي ستحلل غلاف الكوكب، تقيس 3.5x2x2 مترًا مكعبًا. وتمتد أجنحتها الشمسية إلى 17.5 من الطرف للطرف. ومع وجود المسبار شاباريلي على سطحها سافرت 496 مليون كم للوصول إلى المريخ وستُطلق المسبار يوم الأحد من على مسافة مليون كيلومتر؛ أمَّا المسبار الضخم الذي يصل عرضه إلى 1.6 متر فسيختبر الدخول ومعدَّات الهبوط للمتجول اللاحق الذي سيُطلق في 2020م. لماذا؟ لأنَّ العلماء يعتقدون أنَّ الكوكب احتوى يومًا ما على المياه وهي مفتاح الحياة كما نعرفها؛ في حين أنَّ سطح المريخ جاف جدًا و بارد و مليء بالإشعاعات لدرجة أنَّه لا يتحمل الحياة اليوم، ولكن هذا قد يكون غير صحيح منذ حوالي 3.5 مليون عام عندما كان مناخ الكوكب أدفأ وأكثر رطوبة. ولكن الحياة إن وُجدت ستكون تحت الأرض، بعيدة عن الأشعة فوق البنفسجية والكونية الضارة، وستكون في صورة ميكروبات وحيدة الخلية؛ حياة بدائية أم لا، ستكون تلك أول مرة في تاريخ البشرية إيجاد حياة على كوكب غير الأرض. ستهدف المهمة أيضًا إلى معرفة المزيد عن العملية الجيولوجية على المريخ وعن العواصف الرملية التي تغيِّر شكل السطح بعنفها الموسمي. كيف؟ ستحلل (TGO) الغازات المريخية باحثةً عن الميثان خصيصًا، والذي بدوره مهم لأنَّه من الممكن أن يكون إنذارًا للحياة لأنه ينتج عن عمليات بيولوجية على الأرض. التقطت المهمات السابقة آثارًا للميثان في مناخ المريخ، و لكن (TGO) لديها أجهزة أكثر تعقيدًا والتي يأمل العلماء أن تحدد إذا كان الميثان ناتج بيولوجي أم جيولوجي؛ فنظريًا يمكن أن يكون الميثان ناتج عن البراكين الموجودة تحت الأرض، كما سيحفر المتجول على سطح المريخ للبحث عن أدلة لوجود حياة مدفونة أو منقرضة أو حتى نشاط ميكروبي.
في حين أن الروابط الدبلوماسية بين أوروبا وروسيا مشدودة، إلَّا أنَّهم يتعاونون سويًا على مشروع (ExoMars)، وهو مشروع مشترك بين وكالة الفضاء الأوروبية و(روسكوموز-Roscosmos)، حيث ساهمت أوروبا بحوالي 1.3 بليون يورو (1.4 بليون دولار) لتلك المهمة؛ ناسا الأمريكية انسحبت في عام 2012م بسبب قلَّة التمويل مما دفع أوروبا للتعامل مع روسيا، ووافقت موسكو على توفير صواريخ الإطلاق في مقابل إرسال أجهزة فضاء علمية على سطح السفينة. كلا المسبار والمتجول أوروبيان، أمَّا المنصة التي سيتواجد عليها المتجول والمعمل روسية.
ترجمة وتصميم: Nada Ahmed
تدقيق لُغَويّ: أمنية أحمد عبد العليم
المصدر: http://sc.egyres.com/UgPau