أكبر مجرة في الكون IC 1101
لقد أخذت حجوم الأشياء اهتمام البشر منذ بداية الخليقة، وربطها البشر عن طريق وهبها خواص وقدرات خاصة، فإذا زاد حجم الشيء زادت أهميته وهيبته وأخذ مكانة خاصة دون غيره. وإذا ظهر ما هو أكبر منه حجمًا قلت أهميته وسُلطت الأضواء على هذا الشيء الجديد الأكبر حجمًا حتى وإن كانوا من نفس التكوين. لذلك حديثنا اليوم عن أكبر مجرة مكتشفة في الكون وهي مجرة (IC 1101).
هنالك حوالي من 100 إلى 200 مليار مجرة في هذا الكون المرصود حتى الآن، حيث أنهم تدفقوا حول بعضهم البعض واصطدموا واندمجوا ببعضهم خلال ما يقارب الـ13 مليار سنة. ومرت هذه المجرات بالعديد من الأطوار وعانت من فترات الجفاف التي منعتها من ولادة نجوم جديدة.
تتراوح هذه المجرات في أحجامها وأشكالها من المجرات القزمة الصغيرة إلى المجرات متوسطة المدى إلى المجرات الحلزونية الجميلة والرشيقة الضخمة والأهليجية القديمة، وأما أصغرهم هي المجرات القزمية التي من الممكن عبورها خلال 200 سنة ضوئية فقط وحجمها لا يتعدى حجم مجموعة نجمية صغيرة.
تحتوي المجرات على مئات الملايين من النجوم، ولكن أكبر هذه المجرات في هذا الكون هي المجرات الأهليجية، هذه المجرات الأهليجية هي عبارة عن مجموعات من النجوم العادية القديمة جدًا، حيث تتراوح أشكالها من كروية تقريبًا لمسطحة جدًا وتحتوي على ما يصل الي تريليون نجم تقريبًا.
ولكن السؤال الذي يلح على أذهاننا الآن، من بين كل هذه المجرات بأشكالها المتعددة، أي واحدة منهم هي الأكبر حجمًا في هذا الكون المرصود؟ والإجابة على هذا السؤال هي (مجرة IC 1101).
تقع مجرة IC 1101 على بعد بليون سنة ضوئية عن الأرض في (كوكبة الأثعبانية – Constellation Serpens)، فهذه هي فعلًا أكبر مجرة اكتشفت في هذا الكون حتى الآن، إنها عملاقة ويساوي قطرها حوالي 6 مليون سنة ضوئية لعبورها، وكتلتها تساوي كتلة 100 ترليون نجم، ولكن معظم هذه الكتلة الهائلة تتجسد في شكل المادة المظلمة صعبة المنال. «هذا أكبر الأشكال حجمًا بين جميع الأشكال التي رصدناها لأول 4 بليون سنة لهذا الكون الضخم». يقول عالم الفلك (مارك برودوين – Mark Brodwin).
إن حجم مجرة IC 1101 يعادل حجم مجرتنا درب التبانة 50 مرة ولكن ضعّفنَها 2000 مرة في الضخامة. ولو وضعت في مكان مجرتنا، لابتلعت (سحابة مجلان الكبيرة والصغيرة – Large and small magellanic cloud) و(مجرة أندروميدا – Andromeda galaxy) و(مجرة تريانجلم – Triangulum galaxy).
لقد قضت IC 1101 معظم حياتها تتصادم مع المجرات الأخرى لتكتسب هذا الحجم المهول، وعلى مدى مليارات السنين، ابتلعت IC 1101 العديد من المجرات بنفس حجوم مجرة درب التبانة ومجرة أندروميدا واندمجوا معها مما أدى إلى نحت وتشكيل عملاقة الكون التي نراها الآن وهي IC 1101.
هذه المجرة IC 1101 مجردة من النجوم التي تنتج غازات؛ لذلك التشكل السريع للنجوم داخل المجرة قد توقف منذ زمن بعيد بسبب عدم وجود غازات وغبار كافيين لولادة هذه الأعداد الكبيرة من النجوم الجديدة، ومع ذلك يولد عدد قليل جدًا من النجوم. ومن الناحية الأخرى، النجوم القديمة المتبقية توفر المصدر الوحيد للوقود للحفاظ على نسلها وللتحول إلى نجم قزم أو غيره.
تلتهم IC 1101 نفسها ببطئ حتى الموت. باستخدام التلسكوب، فإن لون IC 1101 أحمر وأصفر على عكس المجرات الزرقاء الحلزونية، فإن لون المجرة يكشف الكثير عن أحوالها، فالمجرات الزرقاء تنبض بالحياة وممتلئة بالنجوم الجديدة حديثة الولادة، ولكن على عكس ذلك، فالمجرات الأهليجية التي تمزج بين اللون الأحمر والأصفر توشك على الموت ويؤكد هذا أن مجرة IC 1101 بور ولا يبشر هذا المجرة بالخير.
تحتوي IC 1101 والمجرات الأهليجية الأخرى على ثقب أسود هائل في منتصفهم، ومن المعروف أن كتلة هذا الثقب الأسود في المنتصف يعتمد على حجم المجرة المحتوية على هذا الثقب، مما يجعل IC 1101 تحتوي على أكبر ثقب أسود هائل معروف حتى الآن.
تموت مجرة IC 1101 ببطيء، في حين أنها لا تخلوا تمامًا من النجوم الجديدة، ولكن هذا لن يدوم طويلًا إذا اندمجت IC 1101 مع مجرات جديدة شابة، ففي هذه الحالة سوف تتلاشى وتفنى المجرة نهائيًا. اصطدام واندماج المجرات ببعضها هم نبض الكون الذي يمنح الكون البذور لتشكيل النجوم الجديدة وابقائها نابضة بالحياة والشباب. وبهذا تتحول مجرة IC 1101 العملاقة إلى وقود للمجرات الجديدة الشابة والنجوم حديثة الولادة.
وعندما يحين وقت موت هذه المجرة بعد مرور الوقت لاستنزاف طاقتها بعد عدت اصطدامات، تلتهم الثقوب السوداء الهائلة المركزية كل ما تصادف من نجوم وكواكب بمختلف الأعمار التي توجد بهذه المجرة وما يوجد بمجرات أخرى حولها.
نحن نعيش في عالم يعج بالنشاط، تسبح المجرات حول بعضها البعض في سيمفونية من الاحتمالات، كل تصادم او تفاعل يخلق حياة وطاقة جديدة ويدمر حياة ويدمر طاقة أخرى كي يصبح الكون في توازن تام ولا يخالف القوانين التي على أساسها يعمل هذا الكون الغريب. ولقد سادت بعض النظريات التي تقول أنه يتبقى لكوننا 2 بليون سنة حتى يصل إلي منتصف عمره.
كما تشارك مجرتنا درب التبانة في هذه الرقصة الكونية من اصطدامات واندماجات، وتتحول من الشكل الحلزوني إلى الشكل الأهليجي وتواجه بنهاية المطاف نفس مصير مجرة IC 1101. ويعتبر هذا الحدث باعتبار مجرة درب التبانة الدولة المحتوية لنا، الوفاة المبكرة لهذا الكون العظيم.
إعداد/ترجمة: محمد مسعود
مراجعة وتدقيق: Nada N. Elmeligy
تحرير: ندى المليجي
المصادر:
http://hubblesite.org/explore_astronomy/deep_astronomy/episodes/2