الهجرات السامية

بواسطة زهرة المنصوري
26/08/2017

لن يكون من الغريب إذا تطرَّق إلى ذهنِ القارئ حين يقرأ كلمة «الساميّة» الكثيرَ من الأفكار المتعلقة باليهود ومعاداة الساميّة وهتلر حتى إذا أراد، لكن في حقيقة الأمر، بالرغم من أن مصطلح معاداة الساميّة، الذي قدمه إلينا لأول مرة المُحرِّض الألماني ويلهلم مار في عام 1879م⁽¹⁾، يشير إلى معاداة اليهوديّة كمجموعة عرقيّة ودينيّة وإثنيّة، إلا إن الساميّة لا تقتصر فقط على اليهود، بل إنها تتشعب وتتفرع لتشمل شعوبًا هائلةً وحضارات عظيمة ظل عبقها باقٍ في أقطار الدول العربية كافةً حتى الآن.

أبناء نوح وبدء سلالات الإنسان

إن القبائل والشعوب التي نراها اليوم تسكن شرق الأرض وغربها تكوّنت من سلالات أبناء نوح، وهم سام وحام ويافث، فكما ورد في الإصحاح العاشر من سفر التكوين:

«وهذه مواليد بني نوح : سام وحام ويافث. وولد لهم بنون بعد الطوفان. وسام أبو كل بني عابر، أخو يافث الكبير، وُلِدَ له أيضًا بنون. بنو سام: عيلام وأشور وأرفكشاد ولود وأرام، ولعابر وُلِدَ ابنان: اسمُ الواحد فالج لأن في أيامه قُسِّمت الأرض. واسم أخيه يقطان، ويقطان ولد: ألموداد وشالف وحضرموت ويارح، وهدورام وأوزال ودقلة، وعوبال وأبيمايل وشبا، وأوفير وحويلة ويوباب. جميع هؤلاء بنو يقطان، وكان مسكنهم من ميشا حينما تجيء نحو سفار جبل المشرق، هؤلاء بنو سام حسب قبائلهم كألسنتهم بأراضيهم حسب أممهم، هؤلاء قبائل بني نوح حسب مواليدهم بأممهم. ومن هؤلاء تفرقت الأمم في الأرض بعد الطوفان» ⁽²⁾

وأيضًا في الحديث الشريف:

قَالَ : أَخْبَرَنَا عبد الوهاب بن عطاء (ع َ ب ْ د ُ ال ْ و َ ه َّ اب ِ ب ْ ن ُ ع َ ط َ اء ٍ ال ْ ع ِ ج ْ ل ِ ي،) عَنْ سعيد (س َ ع ِ يد)، عَنْ قتادة (ق َ ت َ اد َ ة،) عَنِ الحسن ( ال ْ ح َ س َ ن،) عَنْسمرة( س َ م ُ ر َ ة،) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «سَامٌ أَبُو الْعَرَبِ، وَحَامٌ أَبُو الْحَبَشِ، وَيَافِثُ أَبُو الرُّومِ »⁽³⁾

من هم الساميون؟

الساميون هم قاطنو بلاد آسيا الدنيا الأوائل والذين كوّنوا وحدةً دمويّةً ولغويّةً مستقلّة، فجاء علماء اليهود في القرون الوسطى والمستشرقون من بعدهم يبحثون في هذا الشأن، فساقهم تضافر هذه السلالات وتشابه لغاتهم إلى الفرضية القائلة بأن لهم أصلًا واحدًا.⁽⁵⁾⁽⁴⁾

تعتبر كلٌّ من الإمبراطوريات الأكاديّة، والبابليّة القديمة والحديثة، والآشوريّة، والعربيّة والكلدانيّة، وكذلك الشعوب الآراميّة، والفينيقيّة، والعبريّة واليمنيَّة من الساميّين.⁽⁶⁾في أواخر القرن الثامن عشر، وبالتحديد في العام 1781 م، ظهر لقب السامييّن لأوّل مرة وكان أول من أطلقه على تلك الشعوب هو العلَّامة الألماني شلوتسر (Schlözer)، كما ورد في أبحاثه وتحقيقاته في تاريخ الأمم الغابرة.⁽⁵⁾

المهد الأول للساميّة

في الحقيقة، إن هذه النقطة على وجه الخصوص تباينت فيها آراء العلماء، فإلى جانب الفرضية الأكثر شيوعًا عـﻦ أﺻﻞ الساميّين -أن مهدهم الأصلي هو أرض الجزﻳﺮة اﻟﻌﺮﺑﻴّة- هنالك العديد من النظريّات المختلفة حيال هذا الأمر، فمثلًا ﻳﺰﻋﻢ البعض أن الموطن الأصلي للساميّين هو أرض أرﻣﻴﻨﻴا (منطقة القوقاز)، بل إن ﻟﻠﺘـﻮراةِ النظريّة الخاصة بها ﻋـﻦ أﻗـﺪم ﻧﺎﺣﻴﺔ عَمَّرها الساميّون وﻫﻲ أرض ﺑﺎﺑﻞ. ومن مؤيدي تلك اﻟﻨﻈﺮﻳّة اﻟﻌﺎﻟﻢ (ﺟﻮﻳﺪي) حيث ﻳﻘﻮل إن المهد اﻷﺻﻠﻲ ﻟﻸمم اﻟﺴﺎﻣﻴّة ﻛﺎن ﻓﻲ ﻧﻮاحٍ ﻣﻦ ﺟﻨﻮب اﻟﻌﺮاق ﻋﻠﻰ ﻧﻬﺮ اﻟﻔﺮات، وﻗﺪ أيّد قوله هذا من خلال تفنيد ومقارنة ﻋﺪدٍ ﻣﻦ اﻟﻜﻠﻤﺎت المألوفة ﻓـﻲ مختلف اللغات التي استخدمتها شعوب تلك الحضارات. وهنا وجد جويدي أن أول ﻣـﻦ اﺳـﺘﻌﻤﻠﻬﺎ ﻫﻢ أﻫـﻞ منطقة بابل ﺛﻢ أﺧﺬﻫـﺎ ﻋﻨﻬﻢ باقي اﻟﺴﺎﻣﻴين.⁽⁷⁾ ولكن عارض نولدكه (Noeldeke) هذا الطرح قائلًا: «إن من العبث أن نعتمد في إثبات حقيقة كهذه على جملة كلمات ليس هنالك ما يثبت لنا أن جميع الساميين أخذوها عن أهل العراق».⁽⁵⁾

أﻣـﺎ عن اﻟﺒﺎﺣـﺚ اﻟﺴـﻮري ﻓـﺮاس اﻟﺴـﻮاح ﻓﻴﺮى أن ﻧﻈﺮﻳﺔ الأﺻـﻞ الجزيري ﻟﻠﺴـﺎﻣﻴة ﻗﺪ «ﻏﺪت ﺑﺎﻟﻴﺔً وﺑﺤﺎﺟـﺔٍ اﻟﻰ إﻋﺎدة ﻧﻈـﺮ، وإن أﻛﺜـﺮ المدافعين ﻋﻨﻬﺎ ﺑـﺪأ ﻳﺘﺨﻠـﻰ ﻋﻨﻬﺎ».⁽⁷⁾

على غرار السواح، يقول اﻟﺒﺎﺣﺚُ اﻟﻔﺮﻧﺴـﻲ ﺟـﻮرج رو: «إن ﻫـﺬه اﻟﻨﻈﺮﻳﺔ أﺻﺒﺤﺖ ﻣﻠﻐﻴﺔً ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ لجميع المختصين».⁽⁷⁾ فكما نرى أنه بالرغم من شيوع فكرة نشر الحضارات في أقطار الهلال الخصيب* إثر الهجرات السامية من جزيرة العرب إلى بلاد الرافدين بعد الجفاف الذي حل بالمنطقة بعد الدورة الجليدية الرابعة ⁽⁶⁾، إلَّا أن الأﺑﺤﺎث في اﻟﺴﻨﻮات اﻻﺧﻴـﺮة دﻟَّﺖ على أن الجزيرة العربية ﻛﺎﻧـﺖ ﻣﻨﺬ اﻟﻘﺪم ﻣُﺘﺼﺤـِّﺮة، وأن الأماكن اﻟﻮﺣﻴﺪة اﻟﺘﻲ ﻇﻠﺖ ﻗﺎﺑﻠﺔً ﻟﺴﻜﻦِ اﻟﺒﺸﺮ ﻫﻲ المحاذية ﻟﻠﺒﺤﺎر وﺳﻮاﺣﻞ الخليج واﻟﺒﺤﺮ الأﺣﻤﺮ واﻟﻴﻤﻦ.⁽⁷⁾

الهجرات و نشوء الحضارات السامية

كما سبق أن ذكرنا، إن نظرية الأصل الجزيري للسامية هي ما اتفق عليه غالبيةُ الباحثين. فعلى سبيل المثال، يرى العلامة صموئيل كريمر أن تاريخ شبه الجزيرة العربية تاريخٌ موغلٌ في القدم. وعليه، يؤكد أن الهجرات العربية الأولى التي حدثت سبعة آلاف سنة قبل الميلاد -أي في عصور ما قبل التاريخ- خَلَّفت إثرها تحصيناتٍ حجرية في المسالك التي سلكتها الجماعات المهاجرة إلى بلاد الرافدين فبات ذلك دليلًا لا يدع مجالًا للشك على حركات الهجرة في تلك الأزمان السحيقة.

تكوّن شعب بابل العظيم الذي أثرى الإنسانية بميراثٍ ثقافيٍّ سخي من إحدى حركات الهجرة التي هاجر فيها الأكاديون نحو العراق القديم، فامتزجوا بالسومريين في الألف الرابع قبل الميلاد. بينما في الألف الثالث قبل الميلاد، تبعهم الآشوريون ثم العموريون الذين كانت قوافلهم تنقسم لتستقر جماعةٌ منهم في وادي الرافدين وقسمٌ منهم يعرج شرقًا باتجاه مدن تدمر، البتراء ودمشق والقسم الآخر يتجه غربًا ويدخل مصر عن طريق شبه جزيرة سيناء فكانت أولى الهجرات إلى مصر من الشمال، أما عن الهجرات عن طريق الجنوب فكانت خلال الألف الأول ق. م.

أما في الألف الثاني قبل الميلاد، فقد هاجر الآراميون صوب حوض نهر الفرات الجنوبي وسهل البقاع، وكذلك الكنعانيون الذين بدأت هجرتهم إلى أرض كنعان (فلسطين) منذ الألف الثالث ق. م واستقروا فيها إلى يومنا هذا وكان قسمًا منهم يسكن السواحل الشرقية للبحر المتوسط وعُرِفُوا بالفينيقيين.

كانت تلك الأسفار شاقةً وطويلة تُقطع فيها الصحاري القاحلة لمدة طويلة قد تصل لشهور، يتناقل المسافرين فيها أخبار آلهتهم المخلصة ولغاتهم القديمة في جوٍ واقدٍ وتحت أشعة الشمس الملتهبة، فتمازجت الثقافات واللغات السامية، وقامت حضاراتٌ بين الجبالِ والصحاري تتألق بعلمٍ وافر وأصالة نمى على إثرها إنسانٌ مفعمٌ بالصلابةِ والعبقرية.⁽⁸⁾

^{*الهلال الخصيب: مصطلح جغرافي أطلقه عالم الآثار الأمريكي جيمس هنري برستد على حوض نهري دجلة والفرات، والجزء الساحلي من بلاد الشام.}

#الباحثون_المصريون

مراجع علمية وتصميم : Omar Bakr

تدقيق لغوي : Mohamed Sayed El Gohary

مصادر المقال :

1. anti-Semitism | Britannica.com [Internet]. [cited 2017 Aug 22]. Available from: https://www.britannica.com/topic/anti-Semitism
2. الإصحاح العاشر من سفر التكوين [Internet]. [cited 2017 Aug 22]. Available from: http://st-takla.org/pub_oldtest/Arabic-Old-Testament-Books/01-Genesis/Sefr-Al-Takween_Chapter-10.html

3.الكتب – محمد بن عبد الله بن عمرو بن المنتجع أبو عمرو المروزي – محمد بن عبد الله بن عمرو بن المنتجع أبو عمرو المروزي [Internet]. [cited 2017 Aug 22]. Available from: http://library.islamweb.net/hadith/display_hbook.php?bk_no=82&pid=353065&hid=75

4.مصطلح السامية، وأصل الهجرات العربية السامية لفلسطين [Internet]. مدونتي. 2011. Available from: https://goo.gl/YQG6SB