في الثالث من سبتمبر/أيلول عام (2017م)، وتحديدًا في السابعة والنصف مساءًا، استقبلت كوريا الجنوبية زلزال قَدَّرته وزارة الدفاع -التابعة لها- بمقدار (5.6) على مقياس ريختر (أو (6.3) على مقياس ريختر وفقًا لما ذكرته هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية)، وكالة الحرائق في كوريا الشمالية تَلقَّت أكثر من (31) مكالمة من المواطنين تفيد بشعورهم بزلزال قوي على نحو غير مسبوق في البلاد، وتأتي بعدها المفاجئة؛ حيث تعلن جارتها الشمالية إجراء تجربة ناجحة لتفجير قنبلة هيدروجينية على أراضيها، لترتعد بعده قلوب العالم أجمع، فلماذا كل ذلك الخوف؟
1- لنقابل الوحش:
(القنبلة النووية الحرارية – Thermonuclear bomb)، أو كما تُعرف بالقنبلة الهيدروجينية ( H-bomb)، بمنتهى البساطة عبارة عن سلاح ذو قوة تفجيرية هائلة، ينتج هذا التفجير من سلسة تفاعلات إندماجية تحت درجات حرارة ضخمة، تتجمع فيها نظائر لعنصر الهيدروجين لتكوين ذرة العنصر الأثقل مباشرة: الهيليوم.
أ- من أين أتت الفكرة؟
تعتمد فكرة عمل القنبلة الهيدروجينية على ما يسمى بـ ( الإندماج النووي – Nuclear fusion)، وهو عبارة عن تفاعل بين أنوية العناصر ذات العدد الذري الصغير واندماجها تحت درجات حرارة ضخمة لتكوين عنصر ذو عدد ذري أكبر؛ ينتج عن هذا الإندماج فقدان جزء من كتلة الأنوية المتفاعلة، يقابله إنتاج كمية من الطاقة يمكن تعينيها من قانون أينيشتاين الشهير: (E=mc^2)، ووفقًا لهذا القانون؛ فإن كمية الطاقة المنبعثة تساوي كمية الكتلة المفقودة مضروبة في مربع سرعة الضوء.
ب- ولكن ما الذي يحدث بالداخل تحديدًا؟
تتألف عملية انفجار تلك القنبلة من مرحلتين:
1- مرحلة ابتدائية: هي عبارة عن تفاعل نووي تقليدي؛ حيث يحتوي الجزء المسؤول عن تلك المرحلة داخل القنبلة على وقود نووي انشطاري (يورانيوم)، وتبدأ هذه المرحلة بانفجار تقليدي مُولدًا كمية من الحرارة كافية لتنشيط اليورانيوم وبدأ سلسلة من التفاعلات الانشطارية؛ والتي بدورها تولد كمية ضخمة من الحرارة تصل لملايين الدرجات.
2- مرحلة ثانوية: يحتوي الجزء المسؤول عن تلك المرحلة في القنبلة على وعاء من اليورانيوم بداخله وقود للاندماج النووي مثل (ليثيوم -6 دوتيريد – lithium-6 deuteride)، (والدوتيريد أو ما يسمى بالهيدروجين الثقيل هو جزيء ثنائي الذرة يتكون من ذرة هيدروجين وذرة من نظير الهيدروجين الديتريوم)، ونتيجة للحرارة والقوة الهائلتين الناتجتين من المرحلة الإبتدائية؛ ينضغط الوقود الاندماجي داخل الوعاء، بالإضافة إلى دخول الوعاء نفسه في سلسة من التفاعلات الانشطارية و الذي ينتج عنها زيادة الضغط على الوقود الاندماجي أكثر وأكثر، وبمساعدة النيوترونات المنبعثة من سلسلة التفاعلات الانشطارية؛ فإن جزيئات الوقود الاندماجي تندمج مكونة عنصر الهيليوم مع فقدان جزء من كتلتها (حوالي 0.063% من الكتلة الكلية) في صورة طاقة مسببة انفجار هائل.
ج- ما يَنجم عنها:
ينتج عن انفجار مثل هذه القنابل العديد من الأضرار، أشهرها:
1- موجات تصادمية مركزها نقطة الانفجار، تتحرك بسرعة الصوت.
2- تدمير أي مبنى داخل دائرة نصف قطرها، يُقدَّر بأميال من مركز الانفجار.
3- الضوء الأبيض الكثيف الناتج من الانفجار يتسبب في العمى الدائم عند النظر إليه من مسافة عشرة أميال.
4- الحرارة الناجمة عن الانفجار تسبب العديد من الحرائق الضخمة على مسافة أميال من مركز الانفجار.
5- الإشعاع الناتج من هذا التفاعل يُحدث تلويث للتربة والمياه والهواء، والذي بإمكانه الاستمرار لسنوات.
2- ما الفرق إذًا؟
منذ الحرب العالمية الثانية، تتسابق دول العالم على امتلاك وتحديث قنابل ذرية خاصة بها وتجريبها، ولكن ما الفرق بينها وبين القنابل الهيدروجينية حتى يفزع العالم مع كل تجربة جديدة لها؟
قبل أن نعرف الفرق بينهما، يجب أولًا أن نتعرف على القنبلة الذرية.
أ- الأخ الأصغر:
تعتمد فكرة عمل القنبلة الذرية على انشطار أنوية بعض العناصر المشعة مثل البلوتونيوم واليورانيوم، حيث يتم قذف أنوية ذرات هذه العناصر بالنيوترونات؛ مما يتسبب في انشطار تلك الأنوية، وتنبعث على أثرها كميات هائلة من الطاقة، وعند حد معين من تلك الطاقة المنبعثة، فإن القنبلة تولد حينها نيوتروناتها الخاصة محققة اكتفاء ذاتي، وعند اصطدام النيوترونات المنبعثة بالمزيد من أنوية العناصر المشعة؛ تتولد كميات أخرى ضخمة من الطاقة مسببة انفجار القنبلة، ويطلق على هذه العملية (سلسلة التفاعلات الانشطاريه).
(للمزيد عن القنبلة الذرية تابع هذا المقال: http://sc.egyres.com/ybFOT)
ب- أين التميز اذًا؟
لعل أبرز الفروق بين القنبلة الهيدروجينية والقنبلة الذرية هي:
1- تعتمد القنبلة الذرية -لتحفيزها- على انفجار كيميائي عادي، بينما تعتمد القنبلة الهيدروجينية -لتحفيزها- على انفجار نووي.
2- تقوم فكرة عمل القنبلة الذرية على انشطار أنوية العناصر المشعة، بينما تعتمد فكرة عمل القنبلة الهيدروجينية على دمج أنوية بعض العناصر الخفيفة.
3- تُقاس القوة التدميرية للقنابل الذرية بالكيلو طن من مادة تي إن تي ( kilotons of TNT)، بينما تقاس القوة التدميرية للقنابل الهيدروجينية بالميجا طن تي أن تي ( megatons of TNT).
4- تركيب القنبلة الهيدروجينية أكثر تعقيدًا من تركيب القنبلة الذرية.
3- من أين بدأت تلك اللعنة؟
في نوفمبر/تشرين الثاني عام (1952م)، قام كلًا من (إدوارد تيلر – Edward Teller) و(ستانيسلو أولام – Stanislaw M. Ulan) وعلماء أمريكين آخريين بصنع أول قنبلة هيدروجينية في التاريخ، وقد نجحت تجربة تفجيرها في جزيرة (إينويتاك المرجانية – Enewetak atoll )؛ لحق بها الاتحاد السوفيتي في أغسطس/آب عام (1953م)، تلتها بريطانيا في مايو/أيار عام (1957م)، والصين عام (1967م) ثم فرنسا عام (1968م)، وفي عام (1998م) أجرت الهند تجربة ما أطلقت عليها «جهاز نووي حراري» يعتقد أنها قنبلة هيدروجينية، وبحلول أواخر الثمانينيات؛ وصل عدد القنابل الهيدروجينية في الترسانات النووية لدى الدول التي تملكها إلى حوالي (40) قنبلة، ويعتقد أن هذا الرقم قد انخفض في التسعينيات.
4- الخاتمة:
بينما أنت مطمئن في بيتك، تذكر دائمًا أن البشر لا يكفون عن إنتاج مايهدد ذلك الأمان، وأن لا سقف للخطر الذي يمكن أن تصنعه أيادي تلك الكائنات.
إعداد وتصميم: Ahmed Fahmy
مراجعة: Amira Esmail
المصادر:
http://sc.egyres.com/yIKJt
http://sc.egyres.com/6H8iD
http://sc.egyres.com/EFtho
http://sc.egyres.com/XuslK
http://sc.egyres.com/radoI
http://sc.egyres.com/8Wu2q