مجرة أندروميدا (المرأة المسلسلة)، أو كما تسمى في الفهرس العام الجديد NGC 224، تعتبر أقرب جارة كبيرة لمجرتنا، وهي تبعد بحوالي 2.5 مليون سنة ضوئية، وبقطر يصل إلى 150,000 سنة ضوئية. والحقيقة المدهشة أن تلك المجرة هي أكثر الأشياء البعيدة في السماء الممكن رؤيتها بالعين المجردة -ولكن فقط في ليلة صافية من موقع من السماء المظلمة جدًا-.
تقع المجرة في شمال كوكبة أندروميدا (Andromeda constellation)، والواقعة في الربع الأول من نصف الكرة الشمالي محتلة مساحة 722 درجة مربعة. والتي تقع في المرتبة الـ19 في ترتيب أكبر الكوكبات في السماء.
وتظهر كلطخة ضبابية طويلة في السماء يمتد طولها إلى طول عرض القمر المكتمل، وعرضها كنصفه، وفقط مع التكبير الشديد يمكن القول أنه يمتد إلى ستة أضعاف هذا الطول.
إن مجرة أندروميدا مجرة حلزونية من فئة SA-b مثل درب التبانة، وهي تحتوي على انتفاخ من المادة المركزة في وسطها، ويحيط بها قرص من الغازِ والغبارِ والنجوم.
وعلى الرغم من أنها تحتوي على ما يقرب من مليار نجمٍ في حين احتواء درب التبانة على (1/4 – 1/2) مليار نجم، لكن تعتبر مجرتنا هي الأكثر في الكتلة لاعتقاد العلماء أنها تحتوي على كمية أكبر من المادة المظلمة.
أصل الاسم
إن أصل اسم أندروميدا يعود إلى أسطورة يونانية كعادة أغلب النجوم والكواكب، والتي تروي أن (كاسيوبيا) زوجة ملك إثيوبيا تفاخرت يومًا بأن ابنتها أجمل من جميع حوريات الماء بنات إله البحر (بوسيدون)، فشعرن بالغضب الشديد من الإهانة التي لحقت بهن من كلام (كاسيوبيا) وطلبت زوجة إله البحر منه أن يعاقب (كاسيوبيا) على تبجحها وغرورها.
فأرسل (بوسايدون) وحشًا من وحوش البحر ليهاجم شواطئ المملكة، وعندما اشتد الأمر على الناس لجأ الملك إلى عراف أخبره أنه عليه أن يضحي بابنته الأميرة أندروميدا ويتركها قربانًا للوحش.
قبل الملك ذلك على مضض بعد ترددٍ كبير وربط الأميرة أندروميدا على صخرة وتركت ليلتهما الوحش، ولكن حدثت المعجزة وتم انقاذها في اللحظة الأخيرة على يد حبيبها بيرسيوس الذي قتل وحش البحر وخلصها.
وقد قدم بيرسيوس رأس (ميدوسا) إلى (بوسيدون) كقربان ليعفو عن أندروميدا وعن المملكة، فقبل (بوسيدون) الهدية، وتزوج البطل من الأميرة وأنجبا ستة أطفال. وبعد وفاة الأميرة قامت إلهة أثينا بوضع صورة أندروميدا في السماء الشمالية بين النجوم وتسمية مجرة كاملة باسمها.
أول اكتشاف لها
في عام 964، وصف المجرة عالم الفلك الفارسي (عبد الرحمن الصوفي) بأنها “سحابة صغيرة” في كتابه (النجوم الثابتة)، ويعد ذلك أول تعريف واكتشاف لأقرب جارة لنا.
ثم في عام 1746 قام (تشارلز ميسييه) بتسميتها بـ(M31) والذي نسب -وبشكل خاطئ- الفضل لنفسه بالاكتشاف، وكان يعتقد أنه سديم نسبة إلى عالم الفلك الألماني (سيمون ماريوس-Simon Marius) والذي كان قد قدم أول مشاهدة تلسكوبية للجسم.
نشأتها وتاريخها
لقد تشكلت مجرة أندروميدا قبل ما يقرب من 10 مليار سنة من اصطدام واندماج مجرتين. تقع درب التبانة في منطقة معروفة للعلماء الفلكيين باسم (المجموعة المحلية)، والتي تتكون من ما يقرب من 40 مجرة بما في ذلك أندروميدا ودرب التبانة، واللتان يعتبران مجرات حلزونية ضخمة ومن أكبر المجرات في تلك المجموعة.
وقد رأى علماء الفلك أن المجرة أندروميدا تشكلت من خلال اندماج مجرتين أصغر حجمًا أو مزيج من العديد من عمليات الدمج الصغيرة، ولكن تلك الأفكار لم يتم اختبارها أو تأريخها من قبل، لذلك قرر فريق من الباحثين في فرنسا والصين أن يحددوا كيف يمكن أن تكون المجرة قد تطورت.
ولمعرفة ذلك، تم إجراء محاكاة عالية الأداء على أجهزة الكمبيوتر، واستُخدِم لها حوالي ثمانية ملايين جسيم لمحاكاة الغاز والمادة المظلمة والنجوم. وكانت نتيجة المحاكاة أنهم وجدوا أنه يمكن تشكيل أندروميدا إذا اندمجت مجرتان، إحداهما أكبر قليلاً من درب التبانة، والأخرى في ثلث حجمها تقريبًا.
تمكن العلماء أيضًا من إنتاج معظم خصائص أندروميدا، مثل انتفاخ مركزي ضخم، قرص كبير رقيق، حلقة ضخمة من الغبار والغاز، وتيار ضخم من النجوم، وكان ذلك بقيادة الدكتور (فرانسوا هامر) من مرصد باريس.
ولقد أظهرت المحاكاة الحاسوبية أن المجرتين بدأتا في الاندماج في تصادم عنيف بدأ منذ حوالي 8.75 مليار سنة مضت مع اندماج بلغ حوالي 3.5 مليار سنة في وقت لاحق، وذلك يؤيد أيضًا النتائج الفرضية القائلة بأن المجرات الحلزونية عامة يتشكل معظمها من اصطدام المجرات.
أهم النجوم والكواكب بالمجرة
أكثر النجوم لمعانًا:
-
Alpha Andromedae
إن ألمع نجم في كوكبة أندروميدا يسمى “Alpha Andromedae”، أو المعروف باسمه التقليدي ” Alpheratz “، وهو نجم ثنائي يقع على بعد 97 سنة ضوئية من الأرض.
يتكون النجم من مستويات عالية من الزئبق والمنجنيز بشكل أساسي، ويصل حجمه إلى 3،6 كتلة شمسية، ويعد لامعًا أكثر من الشمس بمائتي مرة.
-
Beta Andromedae
يعرف هذا النجم باسمٍ آخر وهو (mirach – ميراش)، وهو نجم متغير شبه منتظم يبعد عن الأرض بحوالي 200 سنة ضوئية، ويصل حجمه إلى 3-4 مرات من حجم الشمس، ويلمع أكثر منها بـ1900 مرة.
- أما النجم الثالث فهو “Gamma Andromedae” أو كما يعرف بـ”ألماش”. وهو ثالث ألمع نجم في الكوكبة. يعد هذا النجم ثائيًا أيضًا، ويبعد عن الأرض بحوالي 350 سنة ضوئية، يتكون من نجمين إحداهما لامع مثل الشمس بـ2000 مرة، وهو الطرف الأكثر إشراقًا فيه، أما الآخر نجم ثنائي في حد ذاته!.
لكن رغم كل تلك المسافات بعدًا يوجد واحدًا من النجوم الأكثر قربًا يعرف باسم (روس 248) والمعروف أيضًا باسم ” HH Andromedae” والذي وُجد أنه يبعد عن الأرض بحوالي 10.3 سنة ضوئية فقط.
أما الكواكب المرافقة لنجومها فتحتوي المجرة على الكثير منها، فمثلًا نجوم (Titawin-Upsilon-Andromedae) يحتوي كلًا منها على أربعة كواكب في مدارها. ويحوي النظام النجمي الثلاثي (Kappa Andromedae) على كوكبٍ واحد كتلته ككوكب المشترى بـ13 مرة، وقد تم اكتشافه في تشرين الثاني/ نوفمبر 2012.
اصطدامها مع مجرة درب التبانة
إن مجرة أندروميدا ودرب التبانة تحركان نحو بعضهما البعض بسرعة تصل إلى حوالي 70 ميلًا في الثانية (112 كيلومترًا بالثانية)، وسيكون هذا التحرك قاتلًا لمجرتنا لأن في حوالي 5 مليار سنة ستصطدم أندروميدا بنا، وبعد الاصطدام، ستندمج مجرتي أندروميدا ودرب التبانة لتتحولان إلى مجرة إهليجية كبيرة.
لكن بحلول ذلك الوقت، سيكون على الأرض أشياء أخرى للقلق لأنها حينها ستكون لشمس تحولت لعملاقٍ أحمر، والذي سيبتلع بدوره الكواكب الصخرية.
إن تصادم المجرات هو جزء طبيعي من تطور الكون، وفي الواقع، فإن كلًا من أندروميدا ودرب التبانة تحملان علامات على اصطدامهما بالفعل بمجراتٍ أخرى. فمثلًا يعتقد علماء الفلك بأن المادة المركزة من الغبار في وسط مجرة أندروميدا قد تكونت عندما ابتلعت مجرة أخرى.
صورة بانورامية
لقد استخدم العلماء مجرة أندروميدا ليفهموا المزيد عن العملية التي تولد بها مختلف النجوم. وباستخدام صورة فسيفساء مذهلة من مجرة أندروميدا، والتي صدرت في أوائل عام 2015، وجد فريق يتألف من الفلكيين أن مجرة درب التبانة ومجرة أندروميدا لديهم نسبة مماثلة من النجوم حديثة الولادة.
إعداد: دينا الخطيب
مراجعة: محمد المصري
المصادر