الدلافين والحيتان:
تلك (الثدييات) التي تَبيَّن أنها تعيش في مجموعاتٍ مترابطة، داخل مُجتمعاتٍ شبيهةٍ بتلك التي نسكنها ـنحن البشرـ حتى أنَّ لديهم لهجات للتواصل مع بعضهم بعضًا!
في يوم الإثنين 16 أكتوبر، نُشِرَت دراسةٌ مهمة في مجلة (Nature Ecology & Evolution)، التي بدورها تربط بين التصرفات المعقدة للثدييات البحرية (cetacean)، وحجم دماغهم. وهذا البحث كان نتيجةً للتعاون بين عُلماءِ كلٍّ من: جامعة مانشيستر، وجامعة كولومبيا البريطانية، وجامعة لندن لعلوم السياسة والاقتصاد (LSE)، وجامعة ستانفورد بالولايات المتحدة.
تعتبر هذه الدراسة رائدة في مجالها والأولى من نوعها، لترجمتها العلاقة بين حجم دماغ الثدييات البحرية وتصرفاتها. جمع فريق البحث معلوماته من تسعين نوعًا مختلفًا من الحيتان والدلافين، ووجدت الدراسة أدلة على وجود سماتٍ متطورة اجتماعيًا وسلوكياتٍ تعاونية بين هذه الثدييات البحرية، وبعضها البعض، بما يشبه تلك الموجودة في الثاقافات الإنسانية.
توضح الدراسة أن تلك الصفات الثقافية والاجتماعية مرتبطة بحجم الدماغ، ومقدار تمدده، أو ما يُعرف بـ(التدمغ-encephalisation).
ما يلي هي قائمةٌ بالسمات التصرفية المتشابهة، والتي سنلاحظ اتفاق أغلبها مع تصرفات البشر والرئيسيات:
- التحالفات المعقدة: العمل معًا من أجل منفعةٍ واحدة.
- نقل مهارات الصيد للمجتمع: تعليم كيفية الصيد.
- استخدام ألفاظ ومفردات معقدة: التحدث إلى بعضها البعض.
- التقليد الصوتي وصوت الصفير المميز: مُميِّزة للفرد مثل الأسماء.
- التعاون بينها وبين البشر، أو بقية الأنواع: التعامل مع الأنواع المختلفة.
- التكافل «alloparenting»: الاعتناء بالصغار، حتى التي ليسست من نسلها.
الدور الاجتماعي:
وقالت الدكتورة (سوزان شولتز_Susanne Shult)، عالمة الأحياء التطورية في كلية علوم الأرض والبيئة في مانشستر: «قدرتنا على التفاعل الاجتماعي وتنمية العلاقات سمحت لنا باستعمار كل نظام بيئي تقريبًا على كوكب الأرض. نحن نعرف أن للحيتان والدلافين أيضًا أدمغة كبيرة استثنائية ومعقدة تشريحيًا، لهذا بالتأكيد صنعت هذه الكائنات ثقافة مماثلة لنا داخل الماء»، وتضيف قائلةً: «وهذا يعني أن التطور الواضح في الأدمغة، والبنية الاجتماعية، والثراء السلوكي للثدييات البحرية مُشتركٌ بيننا وبينهم وبين رئيسيات أخرى على الأرض. لسوء الحظ لن تحاكي هذه الكائنات تطورنا في التكنولوجيا وبناء العواصم الكبيرة، لإنها لم تطور إصبع الإبهام».
استخدم الفريق مجموعة البيانات لاختبار (فرضية الدماغ الاجتماعي_the social brain hypothesis SBH)، و (فرضية الدماغ الثقافية_cultural brain hypothesis CBH)، وهن نظريات تطورية، وُضِعَت أصلًا لنستوعب عقول الرئيسيات والثدييات البرية. والجدل قائم حتى الآن عن ما إذا كانت هذه العقول الجبارة تكونت كاستجابةٍ للبيئة المعقدة والمليئة بالمعلومات. على كلٍّ، هذه هي أول مرة تطبق فيها هذه النظريات على الثدييات المائية الذكية.
يقول الدكتور (مايكل موثوكريشنا_Michael Muthukrishna)، المدرس المساعد لعلم الطحالب الاقتصادية في (LSE): «لم نقصد بهذا البحث دراسة الدلافين والحيتان الذكية فحسب، بل معرفة تداعياته الأنثربولوجية أيضًا. إن أردنا تعميق فهمنا لسلوكياتنا، يجب أن نستوعب ما يميز البشر عن بقية الحيوانات».
ويضيف دكتور (كييران فوكس_Kieran Fox)، عالِم الأعصاب في جامعة (ستانفورد) قائلًا: «للثدييات البحرية سلوكيات اجتماعية شبيهة للبشر ولباقي الرئيسيات، ورغم ذلك، تركيب دماغههم مختلف عنا، ومن هنا يبزغ الجدال حول قدرة الحيتان والدلافين على تطوير مهاراتهم الاجتماعية. ما أعتقده أنا، أن هذا البحث ليس للإجابة عن هذا السؤال، بل لطرح سؤال أعمق: كيف أمكن لهذه الكائنات أن تبني سلوكيات ومعارف شبيهة لنا، وهي أصلًا تمتلك بنية دماغية مختلفة عن خاصتنا؟».
ترجمة: أمنية يوسف فرج
المصدر:
https://goo.gl/aX7xQX