الكواكب، تلك العوالم الصغيرة نسبيًا والتي تسبح في الفضاء الشاسع، غالبًا ما تتبع النجوم مثل شمسنا. سنلقي الضوء الآن حول كيفية نشأة تلك العوالم الغريبة في هذا المقال.
على الرغم من وجود الكواكب حول النجوم في المجرة، ولكن يبقى طريقة تشكلها موضعًل للجدال. وبرغم وفرة العوالم في نظامنا الشمسي، إلاّ أنّ العلماء لا يزالون غير متأكدين من كيفية تشكل الكواكب. هناك فرضيتان تتطلعان لتفسير تلك الآلية.
الفرضية الأولى والأكثر قبولًا على نطاق واسع تُسمى (التراكم المركزي-Core Accretion). تعمل النظرية جيدًا في تفسير تشكل الكواكب الأرضية (الصخرية)، ولكن لا تتفق وتشكل الكواكب الضخمة مثل أورانوس. والفرضية الثانية (اضطراب القرص-The Disk Instability) قد تكون المسؤولة عن تشكل الكواكب العملاقة.
كتب الباحثان ريناتا فريلتش (Renata Frelikh) وموراي كلاي (Murray Clay) في ورقة بحثية «ما يميز عمالقة الجليد عن عمالقة الغاز هو تاريخ تكوينهم، أثناء تنامي اللُب، لم يتعدى الأخير الكتلة الحرجة في قرص غاز كامل».
نموذج التراكم المركزي
منذُ ما يقرب من 4.6 مليار سنة، كان النظام الشمسي عبارة عن سحابة من الغبار والغاز معروفة بـ (السديم الشمسي- Solar Nebula)، وعندما بدأت المواد بالدوران انهارت على نفسها بفعل الجاذبية، مكونةً الشمس في مركز السديم.
ومع نشوء الشمس بدأت المادة المُنبقية بالتكتل معًا، حيث اندمجت الجزيئات الصغيرة تحت تأثير الجاذبية مكونةً جزيئات أكبر. وجرفت الرياح الشمسية العناصر الخفيفة مثل الهيدروجين والهيليوم بعيدًا عن الشمس، تاركةً فقط المواد الصخرية الثقيلة لخلق عوالم أرضية. ولكن بعيدًا كانت الرياح الشمسية أقل تأثيرًا على العناصر الخفيفة، مما سمح لها بالاندماج وتكوين العمالقة الغازية مثل أورانوس. بهذه الطريقة، تم تشكل الكويكبات والمذنبات والكواكب والأقمار.
بخلاف معظم عمالقة الغاز، يحتوي أورانوس على قلب صخري وليس غازي. ومن المحتمل أن يكون اللُب قد تشكّل أولًا ثم تجمّع الهيدروجين والهيليوم والميثان مشكلين الغلاف الجوي للكوكب. وتُزيد درجة حرارة اللُب من حارة الكوكب والطقس متغلبةً على الحرارة القادمة من الشمس البعيدة، والتي تبعد حوالي 2 مليار ميل.
تُؤكد بعض عمليات رصد الكواكب الخارجية هيمنة عملية التراكم المركزي في تشكيل الكواكب. تزخر النجوم التي تحوي كمية أكبر من المعادن في مراكزها بعدد أكبر من الكواكب الضخمة عن مثيلاتها من النجوم الفقيرة من المعادن. ووفقًا لناسا، فإن التراكم المركزي يُشير إلى أنّ العوالم الصخرية الصغيرة يجب أن تكون أكثر شيوعًا عن عمالقة الغاز الأكثر ضخامة.
وساعد اكتشاف كوكب ضخم ذو لب هائل يدور حول نجم مشابه للشمس يُدعى HD149026 في تعزيز فرضية التراكم الركزي، وذلك عام 2005. وقال جريجهنري (Greg Henry)، وهو عالم فلك في جامعة ولاية تينيسي ناشفيل، والذي اكتشف بهوت ضوء النجم:
«هذا تأكيد لنظرية التراكم المركزي لتفسير تشكل الكواكب، ودليل على أنّ الكواكب من هذا النوع يجب أنْ تتواجد بكثرة».
في عام 2017، تخطط وكالة الفضاء الاوربية (ESA) لإطلاق القمر الصناعي الخاص بتحديد سمات الكواكب الخارجية (CHEOPS) والذي سيدرس الكواكب الخارجية التي تتراوح أحجامها من الأرض الفائقة (Super-Earth) إلى نبتون. دراسة هذه العوالم البعيدة قد تساعد في تحديد كيفية تكون الكواكب في النظام الشمسي.
وعن طريق دراسة آلية تنامي الكويكبات وكيفية تجميعها للمواد من حولها، سيزودنا CHEOPS بنظرة عن طريقة نمو العوالم وتكونها. حيث أضاف فريق CHEOPS:
«في سيناريو التراكم المركزي، يتعين على لُب الكوكب أنْ يصل إلى الكتلة الحرجة قبل أنْ يتمكن من دمج الغازات بطرية هائمة، وتعتمد هذه الكتلة الحرجة على العديد من المتغيرات الفيزيائية، من أهمها معدل تنامي الكويكبات».
نموذج اضطراب القرص
تُعتبر الحاجة إلى تشكيل سريع لكواكب الغاز العملاقة هي واحدة من المعوقات التي لم يستطع نموذج التراكم المركزي التصدي لها. وطبقًا للنموذج، تستغرق العملية عدة ملايين من السنين وهي مدة أطول من فترة توافر العناصر الخفيفة في النظام الشمسي المُبكر. وفي الوقت ذاته يواجه نموذج التراكم المركزي مشكلة ارتحال، حيث من المحتمل أن تصطدم الكواكب الصغيرة بالشمس في مسار حلزوني بعد فترة زمنية قصيرة.
وقال كيفن والش (Kevin Walsh)، الباحث في معهد الجنوب الغربي للأبحاث في بولدر، كلورادو، لموقع Space.com:
« إنّ الكواكب العملاقة تتشكل بسرعة كبيرة خلال بضعة ملايين من السنين، وهذا يخلق مهلة زمنية محددة لأن قرص الغاز حول الشمس يدور من 4 إلى 5 ملايين سنة فقط».
ووفقًل لفرضية حديثة نسبيًا، فرضية اضطراب القرص، فإن تكتلات الغاز والغبار اندمجت معًا في المراحل المبكرة من عمر نظامنا الشمسي، وبمرور الوقت تندمج هذه التكتلات مكونةً كوكب عملاق. يمكن لهذه الكواكب أنْ تتشكل بشكل أسرع من مثيلاتها المتكونة بفعل التراكم المركزي، وأحيانًا في أقل من 1000 عام، مما يسمح لها بحبس الغازات الخفيفة سريعة التلاشي، كما تصل بسرعة إلى نقطة تستقر عندها في المدار مما يمنعها من التهاوي إلى مصير الموت في الشمس.
بينما يستمر العلماء بدراسة الكواكب داخل النظام الشمسي، وكذلك حول النجوم الأخرى، مما يساعدهم على فهم أفضل لآلية تشكل أورانوس وأشقائه.
نموذج تراكم الحصى
أكبر التحديات التي تواجه فرضية التراكم المركزي هو الوقت، بناء كواكب غازية عملاقة بمعدل زمني سريع بما فيه الكفاية لجمع المكونات الأحق لتكوين أغلفتها الجوية. ويشير بحث جديد إلى كيفية اندماج أجسام صغيرة في حجم الحصى لبناء كواكب عملاقة تصل إل 1000 مرة أسرع مما تُشير إليه الدراسات السابقة.
وقال المؤلف الرئيسي للدراسة هارولد ليفيسون (Harlod Levison)، عالم فلك في معهد الحنوب الغربي للأبحاث، لموقع Space.Com:
«هذا هو أول نموذج نعرفه تبدأ فيه الأمور بنظام بسيط جدًا من السديم الشمسي الذي يتشكَل منه الكواكب، وينتهي المطاف بالنظام الكوكبي الضخم الذي نراه».
وفي عام 2017 اقترح الباحثان ميتشيل لامبريتش (lamberchts Michiel) وأندرس جوهانسن (Andres Johansen) من جامعة لوند في السويد أنّ الحصى الصغيرة تمتلك مفاتيح الإجابة عن كيفية التشكل السريع للكواكب الضخمة. وأضاف ليفيسون:
«ربما يبدو أنّ الحصى المتبقي من عمليات التشكل هذه، والتي كان يُعتقد في السابق أنها ليست ذات أهمية، يمكن أن يكون حلًا لكيفية تشكل الكواكب».
اعتمد ليفيسون وفريقه على هذا البحث في عمل محاكاة ليروا بشكلٍ أكثر دقة كيف يمكن للحصوات الصغيرة من أنْ تشكل الكواكب التي نراها اليوم. وفي عمليات المحاكاة السابقة التهمت الأجسام الكبيرة والمتوسطة أبناء عمومتها من الحصى الأصغر حجمًا بمعدل ثابت نسبيًا. بينما تقترح محاكاة ليفيسون أنّ الأجسام الأكبر حجمًا تنتزع الحصا من الكتل ذات الحجم المتوسط لتنمو بمعدل أسرع بكثير.
تقول كاثريت كريتكي (Katherine Kretke)، المؤلفة المشاركة في الدراسة من المعهد الجنوبي الغربي للأبحاث، لموقع Space.com:
«تميل الأجسام الكبيرة إلى شرزمة الأجسام الأصغر حجمًا، وبالتالي ينتهي بها المطاف بتناثرها خارج قرص الحصى، وبشكلٍ أساسي تتقوى الأجسام الكبيرة على الأجسام الصغيرة لتحصل على جميع الحصى لنفسها فقط، ولتستمر بالنمو لتشكل لب الكواكب العملاقة».
من المُرجح أن يعمل نموذج تراكم الحصى على تشكيل الكواكب العملاقة أكثر من العوالم الأرضية. وفقًا لشون رايموند (Sean Raymond) من جامعة بوردو الفرنسية، وسبب ذلك هو أنّ الحصى أكبر وأيسر بكثير ليندمج في ما وراء خط الثلج وهو الخط الوهمي، حيث يكون الغبار باردًا بما يكفي ليصبح ثلجًا.
وهناك بعض التحديات التي تواحه عمالقة الغاز، وهي أنّ الجسيمات لحجم المليمترات والسنتيمترات تلتحم معًا بكفاءة عالية. وكتب فريليكتش وموراي
«لأن الحصى يلتجم معًا بسرعة كبيرة، وهذا صعب الحدوث بالنسبة للب العمالقة الغازية، كما يجب عليها نموها في وقت محدد وعندما يكون القرص قد نضب جزئيًا وليس كليًا».
نموذج نيس
في الأصل اعتقد العلماءُ أنّ الكواكب قد تشكّلت في نفس الجزء من النظام الشمسي الذي يعيشون فيه اليوم. إنّ اكتشاف الكواكب الخارجية قد أحدث ضجة في الأوساط العلمية، مُشيرًا إلى أن بعضًا من أكثر الأشياء إثارة هو أنه علينا أنْ نُهاجر.
في عام 2005، اقتُرِحت ثلاثة أبحاث نُشِرت في دورية نيتشر أنّ أورانوس والكواكب العملاقة الأُخرى كانت مُقيدة في مدارات شبه دائرية أصغر بكثير مما هي عليه اليوم، وأحاط بهم قرص كبير من الصخور والثلوج، حيث امتد إلى مسافة تصل إلى 35 مرة ضعف المسافة من الأرض للشمس، ما وراء مدار نبتون الحالي. وُصِف هذا النموذج بنموذج نيس (Nice Model) إشارة إلى مدينة نيس الفرنسية، حيثُ نُوقِش ذلك النموذج لأول مرة.
عندما تفاعلت الكواكب مع الأجسام الصغيرة، كانت تنجرف معظمها باتجاه الشمس، تسببت هذه العملية في تبادل الطاقة مع الأشياء، مما أدى إلى إرسال زحل ونبتون إلى أبعد ما يكون في النظام الشمسي. وفي نهاية المطاف انتهت رحلة الأجسام الصغيرة بالمشتري حيث ألقى بها بعيدًا إلى حافة النظام الشمسي أو خرجت منه تمامًا.
قاد التنقل بين كوكبي المشتري وزحل إلى جعل مدارات أورانوس ونبتون أكثر شذوذًا، وتمّ تشكل حزام كوببر (Kuiper Belt) من المواد المتبقية – الثلجية والصخرية – أثناء القصف الأخير.
ومع انتقالهم ببطء إلى الخارج، استقرّ نبتون وأورانوس في نهاية المطاف في مدارات أكثر دائرية على مسافتهم الحالية من الشمس.
وعلى طول الطريق، كان من الممكن أن يتم طرد كوكب أو أكثر من الكواكب العملاقة من النظام، وقام عالم الفلك دافيد نيسفوني (David Nesvony) من معهد الجنوب الغربي في كلورادو، بتنظيم محاكاة للنظام الشمسي في مراحله المبكرة بحثًا عن أدلة يمكن أن تؤدي إلى فهم تاريخه المبكر. وأضاف نيفسون:
«في المراحل الأولى كان النظام الشمسي مختلفًا تمامًا مع وجود العديد من الكواكب، التي ربما تكون ضخمة مثل نبتون والتي تتشكل وتتوزع في أماكن مختلفة».
بداية خطيرة
كان النظام الشمسي المبكر يمر بمرحلة من التصادمات العنيفة ولم يكن أورانوس معفي من ذلك، في حين أنّ سطح القمر وعطارد يظهران دليلًا على قصفهما بالصخور الصغيرة والكويكبات. يبدو أنّ أورانوس قد تعرض لاصطدامات كبيرة مع كوكب أولي بحجم الأرض، ونتيجة لذلك يميل أورانوس بجانبه مع وجود قطب واحد موجه نحو الشمس لنصف السنة. وكان من الممكن أنْ يكون أورانوس هو أكبر العمالقة الغازية إلا أنه فقد بعض كتلته أثناء التصادمات.
ترجمة: أحمد رجب رفعت
مراجعة: محمد المصري
المصدر: