تعتبر الثقوب البيضاء المقابل النظري للثقوب السوداء، والتي تشكل الجزء الرئيسي من المادة المظلمة الغامضة التي تكون معظم المادة في الكون، وقد أوضحت دراسات حديثة أنَّ تلك الثقوب البيضاء الغريبة قد تكون وُجدت قبل الانفجار العظيم فهل هذا ممكن؟
تمتلك الثقوب السوداء جاذبية قوية لا يستطيع الضوء (أكثر الأشياء سرعة) الإفلات منها، ويعرف الحد الدائري الذي يحيط بنواة الثقب الأسود والذي يمثل نقطة اللا عودة بأفق الحدث (بعد معين لا يمكن لأي شيء يتجاوزه ان يفلت من جاذبية الثقب الأسود)، والثقوب السوداء من تنبؤات النظرية النسبية العامة لأينشتاين، فلا يمكن لأي شيء أن يفلت من أفق حدث ثقب أسود، ويوجد على النقيض من ذلك الثقوب البيضاء التي لا يمكن لأي شيء الدخول في أفق الحدث الخاص بها.
وقد أوضحت أبحاث سابقة أنَّه قد يوجد ترابط بين الثقوب السوداء والبيضاء حيث يُعتقد أنَّ المادة والطاقة التي يبتلعها ثقب أسود تنبعث من ثقب أبيض في مكان ما في الكون أو في كون آخر تمامًاو، في عام 2014 أوضح كارلو روفيلي عالم الفيزياء النظرية في جامعة آيكس مرسيليا في فرنسا وفريقه أنَّ الثقوب السوداء والثقوب البيضاء تربطهما صلة بطريقة ما فعندما تنهار الثقوب السوداء تكون ثقوبًا بيضاء.
ففي السبعينيات أشار عالم الفيزياء النظرية ستيفن هوكينج أنَّ الثقوب السوداء تتلاشى عن طريق انبعاث الاشعاع منها حيث تفقد كتلة أكثر مما تكتسب فتتقلص وتتلاشى في النهاية، بينما أوضح روفيلي وزملائه أنَّ تقلص الثقوب السوداء لا يمكن أن يجعلها تتلاشى فبنية الفضاء والزمان هي الكوانتم -تتكون من وحدات افتراضية غير مرئية تعرف بالكوانتا-، ويعتبر دراسة نسيج الزمكان من أهم الأبحاث التي تعمل على تقديم وصف موحد ودمج للنسبية العامة التي تفسر طبيعة الجاذبية مع ميكانيكا الكم التي تصف سلوك الجسيمات المعروفة في نظرية واحدة يمكنها أن تفسر كل القوى في الكون.
أوضحت دراسة أجريت عام 2014 أشار فيها روفيلي وفريقه أنه بمجرد تبخر الثقب الأسود لدرجة لا يمكنه معها أن يتقلص الزمكان أكثر ولا يمكن أن ينضغط لشيء أصغر وبذلك لن يتحول الثقب الأسود بعد أن يفنى إلى ثقب أبيض، ومن هنا يحدث تعارض مع فرضية تحول الثقوب السوداء عندما تتبخر إلى ثقوب بيضاء.
وإلى وقتنا هذا يُعتقد أنَّ الثقوب السوداء نشأت نتيجة موت النجوم الضخمة وحدوث انفجار نجمي هائل فيما يعرف بالمستعر الأعظم، حيث تنضغط كتلة البقايا الناتجة في مناطق صغيرة كثيفة بشكل لانهائي فتكون ما يعرف بالمتفردة (singularity) التي تمثل قلب الثقب الأسود، أشار روفيلي وزملائه سابقًا أنَّ ثقبًا أسود تساوي كتلته كتلة الشمس سوف يستغرق كوادريليون(1000,000,000,000,000) عمرًا من عمر كوننا الحالي ليتحول إلى ثقب أبيض, وأشارت أبحاث سابقة في الستينات والسبعينات أنَّ الثقوب السوداء من المحتمل أن تكون نشأت خلال ثانية من حدوث الانفجار العظيم الذي سرعان ما نتج عنه الكون الوليد نتيجة تغيرات عشوائية للكثافة في درجات الحرارة الهائلة، وتلك التغيرات عملت على تجميع المادة في مناطق معينة مكونة بذلك الثقوب السوداء والتي عرفت بالثقوب السوداء البدائية وهي أقل كثيرًا في الكتلة من الثقوب السوداء النجمية (الناتجة عن موت النجوم العملاقة) ومن الممكن أن تفنى وينشأ عنها ثقوب بيضاء خلال فترة عمر الكون كما أوضح روفيلي وزملائه.
كما تُعد الثقوب البيضاء ذات الأقطار المتناهية في الصغر أكبر حجمًا من الثقوب السوداء والتي تكون أصغر من حبة رمال ولكن كتلتها أكبر من كتلة القمر، وافترض روفيلي وفرانسيسكا فيدوتو من جامعة إقليم الباسك في إسبانيا و المشاركة في الدراسة أنَّ تلك الثقوب البيضاء المتناهية في الصغر ربما قد كونت المادة المظلمة؛ ويفترض أنَّ المادة المظلمة تمثل خمسة أسداس(5\6) مادة الكون ولا يعرف العلماء إلى الآن مما تتكون، وكما يوحي اسمها فالمادة المظلمة غير مرئية ولا يصدر عنها إشعاع أو انعكاس أو أي كمية من الضوء، ونتيجة لذلك يمكن الاستدلال على المادة المظلمة فقط من خلال تأثير جاذبيتها على المادة العادية التي تكون النجوم والمجرات، وتعد المادة المظلمة إلى الآن واحدة من أعظم خفايا العلم.
الكثافة المحلية كما تطرحها حركة النجوم القريبة من الشمس تقدر بنحو 1%من كتلة الشمس لكل فرسخ فلكي مكعب (parsec) والذي يبلغ حوالي 34,7 سنة ضوئية؛ ولتفسير تلك الكثافة بواسطة الثقوب البيضاء يفترض العلماء أنَّ الثقب الأبيض صغير جدًا أصغر من البروتون ويبلغ جزء من المليون من الجرام والذي يساوي كتلة نصف بوصة من شعرة إنسان لكل 2,400 ميل مكعب(10,000 كيلومتر مكعب).
وتلك الثقوب البيضاء لا يصدر عنها أي إشعاع وأصغر بكثير من الطول الموجي للضوء وبالتالي فهي غير مرئية، ولو حدث واصطدم بروتون بواحد من تلك الثقوب البيضاء فسيرتد ذلك الثقب الابيض بعيدًا، ويوضح روفيلي أنَّ تلك الثقوب ليس بإمكانها أن تبتلع شيء ولو حدث واصطدم ثقب اسود بآخر أبيض فسوف ينتج ثقب أسود كبير، وبناءً ذلك فإنَّ فرضية الثقوب البيضاء الغير مرئية والمتناهية في الصغر لم تكن غريبة من بداية الوقت، وأوضح روفيلي وفيدوتو أنَّ بعض الثقوب البيضاء في الكون قد تكون سبقت بالفعل الانفجار العظيم، وسوف تُظهر الأبحاث المستقبلية كيف يمكن للثقوب البيضاء أن تفسر لماذا يسير الزمن للأمام فقط في كوننا هذا وليس العكس.
ترجمة: إيمان خالد
مراجعة: آية غانم
المصدر: https://www.space.com/40422-are-white-holes-dark-matter.html?utm_source=notification