على الرغم من أنَّ الكواكب تدور حول شمسنا، إلا أنَّ كيفية تكونها لا تزال موضوعًا محطًا للجدل حوله؛ فعلى الرغم من ثروة عوالمِ نظامنا الشمسي، ما زال العلماءُ غير متأكدين من كيفية تشكل تلك العوالم.
حاليا، تتواجد نظريات تتنافس لنيلِ لقبِ البطلِ في شرحِ كيفية تكون الكواكب، النظرية الأولى -الأكثر انتشارًا والأكثر تقبلًا بينهم هي (تسارع اللُب_ core accretion)، والتي تُقبل من حيث مفهومها مع تكون الكواكب الأرضية كعطارد، ولكنها لديها مشكلةٌ تتعلق بتفسير نشأة الكواكب الأخرى الضخمة، والنظرية الثانية هي نظرية (عدم استقرار القرص disk instability model )، والتي توضح تكون هذه الكواكب الضخمة، ويستمر العلماء في دراسة كواكب نظامنا الشمسي الداخلية والخارجية بمجهودٍ أكبر لزيادة استيعابهم لتلك النظريات وأيهما الأكثر صحة لفهم تكوين تلك الكواكب.
نظرية (تسارع اللب _ core accretion):
منذ مايقارب 4.6 بليون عام، كان النظام الشمسي عبارة عن سحابة من الغبار والغاز تُعرف بـ (السديم الشمسي)، وبفعل الجاذبية، انهارت المادة على نفسها عنما بدأت في الدوران السريع المحوري، مكونًة الشمس في مركز هذا السديم، وبتكون الشمس، بدأت المادة المتبقية في التجمع والتكتل، والحبيبات الصغيرة الحجم تجمعت معًا، وتحت تأثير الجاذبية أصبحت جسيمات أكبر؛ وكان للرياح الشمسية دورًا في طرد العناصر الأخف وزنًا من تلك المناطق المتجمعة القريبة، تاركةً المواد الصخرية الثقيلة لتصنع الكواكب الأرضية الصغيرة مثل عطارد. أمَّا العناصر الأخف في الوزن انطلقت بعيدًا سامحةً لهم بالتجمع والتكتل لتكون العمالقة الغازية، وبهذه الطريقة، تكونت الكويكبات والمذنبات والكواكب والأقمار.
ومثال لهذا، كوكبنا الأرض، فاللب المعدني في بداية تكونه، تمَّ تجميع العناصر الأخف وزنًا حوله لتكوين القشرة الخارجية والوشاح، وعطارد كغيره من الكواكب، ناتجٌ من تجمع الأجزاء السديمية والتي ستكون الغلاف الجوي الخاص به فيما بعد، وبخلاف أشقائه من الكواكب، يتميز بكتلته الصغيرة فهو أصغر الكواكب حجمًا، وأيضًا بقربه من الشمس مما يحافظ على ثبات الغازات.
ويجرد التفاعل مع الرياح الشمسية بشكلٍ متواصلٍ الكواكب من الغلاف الجوي ذي السمك الخفيف، وذلك في حالة تدفقها، والملاحظات التي تمَّ رصدها تلك المتعلقة بالكواكب الخارجية تؤيد صحة هذه النظرية (تسارع اللب) كنظرية مهيمنة مُرجحة في عملية تشكُّل الكواكب، وتبعًا لناسا، تقترح تلك النظرية أن العوالم الصخرية والصغيرة من المفترض أن تكون هي الأكثر شيوعًا من تلك العمالقة الغازية.
وبحلول عام 2005م، تمَّ اكتشافِ كوكبٍ عملاقٍ ذو لبٍ كبير يدور حول نجمٍ شبيه بالشمس نجم(HD149026)، ورغم أنَّه كوكبٌ خارجي لكنه بذلك قد أثبت أركان تلك النظرية ورجح صحتها في تكوين الكواكب، وعلق (جريج هنري_ Henry) على هذا في (press release):
« هذا تأكيدٌ على نظرية تسارع اللب لتكوين الكواكب، ودليلٌ على أن الكواكب من هذا النوع من المفترض تكونها بوفرة»
وتخطط وكالة الفضاء الأوروبية لإطلاقِ القمر الفضائي المميز للكواكب الخارجية(CHEOPS) والذي سيمكننا من دراسة الكواكب الخارجية المتراوح حجمها من الكواكب العملاقة إلى كوكب نبتون الصغير، وبدراسةِ تلك العوالم البعيدة، سنتمكن من معرفة كيفية تكون كواكب نظامنا الشمسي، وقال فريق CHEOPS:
«في السيناريو الخاص بنظرية تسارع اللب، يجب أن يصل لُب الكوكب إلى كتلة حرجة قبل أن يتمكن من فصل الغاز بطريقة هائمة، هذه الكتلة الحرجة تعتمد على العديد من المتغيرات الفيزيائية، من أهمها هو تسارع النوى، ومن خلال دراسة كيفية التحام المادة أثناء نمو الكواكب، ستقدم CHEOPS فكرة عن كيفية نمو العالم.»
نظرية (عدم استقرار القرص_disk instability method):
على الرغم من أن النظرية السابقة تعمل بشكل جيد بالنسبة للكواكب الأرضية، فعمالقة الغاز بحاجة إلى التطور سريعًا للاستيلاء على الكتلة الهامة من الغازات الأخف التي تحتويها، ولكن المحاكاة لم تكن قادرة على تفسير ذلك التشكل السريع، ووفقًا للنماذج، تستغرق العملية ملايين عديدة من السنين، أطول من تلك الغازات الخفيفة التي كانت متوفرة في النظام الشمسي في البداية، وفي الوقت نفسه تواجه نظرية تسارع اللب مشكلة جوهرية حيث من المحتمل تبعًا للنظرية أن تصطدم الكواكب الصغيرة بالشمس خلال فترة زمنية قصيرة.
ووفقًا لنظريةٍ جديدةٍ نسبيًا وهي عدم استقرارِ القرصِ، فإن تكتلات الغبارِ والغازِ ارتبطت معاً في وقتٍ مبكرٍ من عمرِ النظامِ الشمسي، بمرور الوقت، فإنَّ هذه المجموعات تندمج ببطء لتكون في النهاية كوكبًا عملاقًا، ويمكن لهذه الكواكب أن تتشكل بشكلٍ أسرعٍ، وأحيانًا في أقلِ من ألفِ عام مما يسمح لها بحبسِ الغازاتِ الأخفِ وزنًا سريعة التلاشي. كما يصلون بسرعةٍ إلى كتلةٍ مستقرّةٍ في المدارٍ والتي تكون لهم كواقٍ من الموت بتأثيرِ الشمس.
وفقا لعالم الفلك بول ويلسون، إذا كان عدم استقرار القرص يهيمن على تكوين الكواكب، فإنه يجب أن ينتج عددًا كبيرًا من العوالم نتيجة لذلك، وتوفر الكواكب الأربعة العملاقة التي تدور على مسافاتٍ كبيرةٍ حول النجم (HD 9799) أدلةً ملحوظة الرصد على صحة نظرية (عدم استقرار القرص)، ويمكن أيضًا أن يكون (Fomalhaut b) -كوكب خارجي مع مدار يبلغ 2000 عام حول نجمه- مثالًا لعالمٍ قد تم تشكيله من خلال نظرية (عدم استقرار القرص)، وعلى الرغم من أنه كان من الممكن أيضًا طرد الكوكب بسبب التفاعلات مع جيرانه.
تراكم الحصى:
التحدي الأكبر لنظرية تسارع اللب هو الزمن، فبناء عمالقة الغاز الضخمة بسرعةٍ تكفي لجذب المكونات الأخف وزنًا في غلافهم الجوي يحتاج إلى الوقت وهناك بحثٌ جديدٌ حول كيفية أن أشياء صغيرة في حجم الحصى تندمج معًا لبناء كواكب ضخمة بمائة مرة مقارنة بما كان معروفًا من قبل في الدراسات الأولية، ويقول هارولد ليفسون الباحث الرئيسي:
«هذا هو النموذج الأول الذي نعرفه تبدأ ببناء بسيط جدا للسديم الشمسي الذي تتكون منه الكواكب، وتأتي في نهاية الأمر بنظام الكوكب العملاق الذي نراه»
في عام 2012، اقترح الباحثان ميشيل لامبريخت وأندرس جوهانسن من جامعة لوند في السويد أنَّ الحصى الصغيرة، التي كانت تُطاح، كانت تمتلك مفتاحَ بناءِ الكواكبِ العملاقةِ بهذه السرعةِ، وقال ليفيسون:
«أظهروا أنَّ الحصى المتبقية من عملية التشكيل تلك والتي كان يعتقد في بادئ الأمر أنها ليست ذات أهمية، يمكن أن تكون حلًا ضخمًا لمشكلةِ تشكيل الكوكب.»
بنى ليفيسون وفريقه -اعتمادًا على هذا البحث- نموذجًا أكثر دقة حول كيف يمكن للحصى الصغيرة أن تشكل كواكب في المجرة، أثناء عمليات المحاكاة السابقة استهلكت كل من الأجرام الكبيرة والمتوسطة الحجم أبناء عمومتهم التي تتواجد في حجم الحصى بمعدلٍ ثابتٍ نسبيًا، وتشير عمليات المحاكاة إلى أنَّ الأجرام الأكبر حجما تتصرف بتصرفٍ أشبه بالبلطجة، منتزعةً الحصى من الكتل المتوسطة الحجم لتنمو بسرعة أكبر.
وقالت الكاتبة المشاركة في الدراسة كاثرين كريتكي من موقع سوبري أيضا:
«تميل الأجرام الأكبر الآن إلى تشتيت الأجرام الأصغر منها حجماً بمعدلٍ أكبر من تلك الصغيرة التي تعطي ردَ فعلٍ لذلك، بحيث تنتهي الأصغر منها بالتناثر والتبعثر بعيدًا عن القرص المكون من الحصى».
تغيير السرعة:
تكشف الدراسات التي أجريت على عطارد أن جوهره أكبر بكثير من المتوقع مقارنة ببقية الكوكب، مع نصف قطر يتراوح بين 1.100 إلى 1.200 ميل (1.800 إلى1.900 كيلومتر)، يمتد لُبه المكون معظمه من الحديد إلى 75 بالمائة من قطر الكوكب ويكوّن كمية ملحوظة من حجمه، ومن ناحية أخرى، تبلغ سمك القشرة من 300 إلى 400 ميل (500 إلى 600 كلم).
بعد أن صنعت (مارينر 10) ثلاثَ رحلات حول عطارد في السبعينيات، مما أدى إلى اكتشاف تركيبه الغريب بما في ذلك النواة الحديدية الضخمة، وظهور العديد من النظريات حول كيفية تشكل الكوكب.
وكان من ضمن الاقتراحات أنه إذا كان عطار يتشكل بسرعة كافية، فقد يكون قد تماسك قبل أن تصل الشمس إلى ذروتها. وكان يمكن لدرجات الحرارة المرتفعة من النجم الشاب أن تطهو الكثير من القشرة الخافتة، تاركةً فقط قشرة صغيرة حول الكوكب.
عندما لاحظت بعثة (MESSENGER) التابعة لوكالة NASA لدراسة التركيب السطحي ووجدت أنَّ نسب الثوريوم إلى البوتاسيوم مماثلة للكواكب الأرضية الأخرى، على الرغم من أنَّ الثوريوم عنصر مستقر، إلا أن البوتاسيوم أكثر تقلبًا، ويتم تحضيره بسهولة عن طريق درجات حرارة أعلى، وتشير نتائج (ميسنجر_ MESSENGER) إلى أنَّ الكوكب لم يتعرض للتدفئة القصوى أو التطور المبكر، لكنه كان يشبه كثيراً عوالم الأرض الأخرى.
وبدلا من ذلك عانى عطارد على الأرجح من حدث عنف في وقتٍ مبكرٍ من حياته، يقدم العلماء نظرية تفيد أن الكوكب الأصلي، يمكن أن يصيبه بسهولة جرم كبير في النظام الشمسي المبكر العنيف، وكان من شأن مثل هذا التصادم أن يطيح بالكثير من قشرته إلى الفضاء، تاركًا خلفه قلبًا ضخمًا محاطًا بقشرة رقيقة فقط، وكانت الاصطداماتُ متكررةً في النظامِ الشمسي المبكرِ، كما تشير إحدى النظريات الحديثة إلى أنَّ عطارد ربما كان آخر الرجال الصامدين.
ووفقا لعالمة الكواكب كاثرين فولك، فإنَّ العديد من الكواكب الصغيرة يمكن أن تدور مرة واحدة بالقرب من الشمس، ولكن سلسلةً من الاصطداماتِ دمرت كل شيءٍ باستثناء عطارد.وقالت فولك لمجلة (أستروبيولوجي_ Astrobiology):
«في نظامٍ مُدَمَّرٍ للغاية، نحن نعيش مع أحد الناجين»
ترجمة: أريج أيمن
مراجعة: آية غانم