حيَرت الكائنات الحية المعروفة باسم (الإدياكاران-Ediacaran) علماء الأحياء منذ عقود، وتبدو تلك الكائنات للأعيُّن العادية غير المتمرسة كأنها نباتات متحجرة في شكل الأنبوب أو السعفة بطول يصل إلى مترين. هيمنت تلك الكائنات الغريبة على بحار الأرض منذ نصف مليار عام مضى، وقد كافح العلماء طويلًا لتحديد ما إذا كانت تلك الكائنات تنتمي إلى الطحالب أو الفطريات، أم أنها تمثل مملكة مختلفة تمامًا لم تنجح في البقاء. أما الآن، فيعتقد اثنان من علماء الأحافير أنهما نجحا أخيرًا في التعرف على تلك الكائنات: لقد كانوا حيوانات، استطاع بعضهم الحركة، لكنهم ليسوا كأي كائن آخر على الأرض في يومنا هذا.
اكتشف العلماء كائنات (الإدياكاران) لأول مرة في تلال إدياكارا (بالإنجليزية: Ediacara Hills) جنوب أستراليا وتمكن الباحثون من تحديد حوالي 200 نوعًا مختلفًا في الصخور القديمة في جميع أنحاء العالم حتى الآن، ويبدو أن أغلبهم قد مات قبل 541 مليون سنة، أي قبل ظهور أحافير الحيوانات المألوفة، مثل: الإسفنجيات، وأسلاف السرطانات، وسلطعون البحر، في حدث أُطلق عليه الانفجار الكامبري (بالإنجليزية: Cambrian explosion). أحد الأسباب التي أثبتت صعوبة وضع تلك الكائنات في شجرة الحياة هو أن بعضها له تشريح فريد من نوعه في الطبيعة؛ فتكونت أجسامهم من سعف متفرعة ذات كسور بنائية غريبة (بالإنجليزية: Fractal architecture)، حيث تمثل الوحدات السعفية الصغيرة نسخة مصغرة من السعفة الكبيرة.
في الوقت الحالي، عُثِر على أدلة رئيسية تثبت أن (الإدياكاران) تتبع الحيوانات، وذلك على يد (جينيفرهويل كويل-Jennifer Hoyal Cuthill) في معهد طوكيو للتكنولوجيا وجامعة كامبريدج في المملكة المتحدة، و(جيان هان-Jian Han) من جامعة نورثويست (بالإنجليزية: Northwest University) في (شيان-Xi’an) في الصين؛ حيث قامت الباحثتان بتحليل أكثر من 200 حفرية من فصائل بحرية عمرها 518 مليون عام، تُسمى (ستروماتوفيرس سيموجلينا-Stromatoveris psygmoglena)، وقد توصل علماء الأحافير سابقًا إلى أن تلك الأنواع التي يصل طولها إلى 10 سم تُعد حيوانات بصورة ما، وذلك لأنه تم العثور عليها إلى جانب حيوانات أخرى معروفة تِبعًا لما تقوله (هويال كوتل)، كما حُفِظت تلك الحفريات بنفس الطريقة، ويتضح أيضًا أن (الستروماتوفيرس) كان كائنًا إدياكاريًا نجح بشكل نادر في البقاء والتشبث بالحياة خلال الانفجار الكامبري.
حُفظت حفريات (ستروماتوفيرس) التي اُكْتشفت جميعها في مُقاطعة (يونان-Yunnan) في جنوب غرب الصين، بصورة جميلة وفقًا لما قالته (هويل كويل) حيث ازداد حماسها في الاشتعال كلما فحصت عينة تلو الأخرى، فتقول: «بدأت أفكر: يا إلهي، لقد رأيت هذه الملامح من قبل». وتتكون (الستروماتوفيرس) من عدة سعفات تتفرع مع بنيّة داخلية كسورية.
استخدمت (هويل كويل) و(هان) التحليل الحاسوبي الذي يستخدم صفات تشريحية لإعادة بناء العلاقات التطوّرية، وذلك ليتمكن من معرفة أي نوع من الحيوانات تنتمي إليه (الستروماتوفيرس) والكائنات الإدياكيريَّة الأخرى، واكتشفت الباحثتان أن تلك الكائنات لا تنتمي إلى أي مجموعة أو عائلة على قيد الحياة حاليًا، فبدلًا من ذلك فإنها تتجمع سويًا على فرعها الخاص في شجرة تطور الحيوان بين الإسفنجيات والحيوانات المعقدة ذوات التجويف الهضمي مثل الديدان والرخويَّات والفقاريَّات، وتقول (هويل كويل): «يُمكن لذلك الفرع (بيتالونيميا-Petalonamae) من شجرة تطور الحيوان أن يُمثل عائلة بنفسه، ويبدو أنه يفتقر إلى أي أحفاد مازالوا على قيد الحياة».
أما عالم الحفريات بجامعة كامبريدج (سيمون كونواي موريس-Simon Conway Morris) فيرى أنه من المحتمل جدًّا أن تكون الكائنات الإدياكيريَّة حيوانات. لم يشارك (موريس) في الدراسة الحالية، لكنه عمل مع (هان) على الوصف الأول لكائنات (الستروماتوفيرس) في عام 2006، فعند تلك المرحلة لم يكن هناك غير حفنة من حفريات (الستروماتوفيرس) وتجادل العلماء حول تشابههم مع بعض كائنات (الإدياكاران)، على الرغم من أن آخرين في وقت لاحق شككوا في تلك العلاقة، ويُضيف (موريس) أن الدراسة الجديدة تعزز هذه القصة عن طريق استكشاف الطبيعة الإدياكيريََة في (الستروماتوفيرس) بمزيد من التفاصيل.
عالم الجيوفيزياء (سايمون دارروش-Simon Darroch) من جامعة (فاندربيلت-Vanderbilt) في (ناشفيل-Nashville) يشعر أيضًا بالارتياح لفكرة أن الكائنات الإدياكيريَّة كانت حيوانات ونجح القليل منهم في البقاء على قيد الحياة خلال العصر الكامبري، ومع ذلك فهو لا يعتقد أن (الستروماتوفيرس) أحد هؤلاء الناجين؛ حيث يرى أن كسوره الهيكلية ليست دليلًا كافيًا على أنه كائنًا إدياكاريًا ومع ذلك فهو مستعد للاقتناع بتلك الفكرة.
بالرغم من توصل هذه الدراسة لحل لغزًا ما، فإنها تطرح واحدًا غيره؛ فتمثل كائنات (الإدياكاران) أول ظهور كبير للحياة المعقدة على الأرض، وتطورت لمدة 30 مليون سنة، وارتبط زوالهم بظهور حيوانات الانفجار الكامبري، لكن هذا التفسير البسيط ليس كافيًا إن تم اعتبار (الإدياكاران) حيوانات بحد ذاتها، فقد استمر بعضها على قيد الحياة بعد عشرات الملايين من السنين، وبذلك لم يعد الأمر دقيقًا، كما يصعب معرفة ما الذي أدى إلى انقراضهم في نهاية المطاف.
ترجمة: رنا السعدني
مراجعة علمية: أحمد شلبي
مراجعة لُغويَّة: إسراء عادل
المصدر:
BarrasAug. 8 C, 2018, Am 7:00. These half-billion-year-old creatures were animals—but unlike any known today [Internet]. Science | AAAS. 2018 [cited 2018 Aug 15]. Available from: http://www.sciencemag.org/news/2018/08/these-half-billion-year-old-creatures-were-animals-unlike-any-known-today