هناك احتمالان إما أننا وحدنا في هذا الكون أو أننا لسنا وحدنا فيه وكلا الاحتمالين مخيف. فهل نحنُ الوحيدون فعلًا؟ لنقرأ المقال سويًا فقد نجدُ الإجابة.
تظهر الكواكب الخارجية (Exoplanets) في بعض الأماكن غير المتوقعة. من العالم الصخري الصغير الذي يدور حول Proxima Centauri، أقرب جيراننا، إلى التشكيلة المذهلة للكواكب الصالحة للحياة في نظام TRAPPIST-1 القريب، كلما أوغلنا بصرنا أكثر في النجوم القزمة الحمراء (The Red Dwarf Stars) في مجرتنا كلما وجدنا أماكن مُحتملة أكثر للحياة. وبالتالي فإن السؤال الحتمي: هل هناك أي حياة هناك، مستلقيةً على بعض الشواطئ الغريبة، تكافح للحصول على بشرة سمراء (تان) تحت وهج شمس حمراء قاتمة؟
ماذا عن درجة الحرارة هناك؟
للوهلة الأولى، قد تظن أنّ نجمًا صغيرًا قد يقدم إشعاعًا هادئًا ولطيفًا لإلقاء الضوء على سطح كوكب مجاور، ولكن الحقيقة أكثر عنفًا بكثير. في نجم متوسط الحجم مثل شمسنا، يُحاط فرن النواة النووي بوشاح سميك (لعدم وجود مصطلح أفضل) للبلازما التي يسيطر عليها الإشعاع، حيث يتم تحرير الضوء عالي الكثافة في الأعماق تحته. أي تفاعلات أخرى، تنسف كل ما يقابلها لإيجاد طريقها للخارج.
بعيدًا عن النواة، تنخفض شدة الإشعاع، لكن بلازما الشمس تبقى سميكة وشبيهة بالحساء. وهكذا، فإن الطبقة الخارجية من الشمس تتميز بخاصية الحمل الحراري وتحرك الكتلة بسبب التدرج الكبير في درجات الحرارة من النواة إلى الخارج، تماما مثل وعاء من الماء على موقد ساخن، وعندما تسخن فقاعات الغاز الموجودة في قاع الوعاء، تنتشر لأعلى، وتصبح طافية، ترتفع إلى السطح، تغوص الجزيئات الباردة مرة أخرى إلى أسفل. هذه الحبيبات في حجم الأرض، وهو أمر رائع للتفكير فيه.
لكن في النجم القزم الأحمر، لا تصبح الإشعاعات في موقع المسؤولية. يرتبط القلب الشديد مباشرة بطبقة الحمل الحراري، ويحمل الحرارة من الجحيم (النواة) ويُخرجها إلى الفضاء. هذا الاتصال غير مستقر؛ ويتم تضخيم أي اختلاف طفيف في التفاعلات النووية بواسطة الخلط الفوضوي والحمل الحراري لحجم النجم. وهذا ما يجعل النجم أكثر تنوعًا بكثير، وتُغطي سطح النجم بقعٌ داكنة تُسمى “starspots” -وهو ما يعادل البقع الشمسية (Sunspots) على هذه السطوح الغريبة- التي تغطي أحيانًا نصف وجه النجم.
تشتهر النجومُ القزمة الحمراء بتدفقات مفاجئة وحادة من الإشعاعات التي قد تقتل الحياة، ويمكن أن تختلف في السطوع بنسبة تصل إلى 50٪ عندما تكون في أحسن الحالات. لا يكاد يكون الوضع مستقرًا، حيث تحتاج الحياة إلى موطئ قدم وتزدهر.
ويبقى هناك أمل
الحياة كما نعرفها تتطلب مياه سائلة، والتي لا يمكن أن توجد إلا في نطاق ضيق من المدارات حول نجم معين. وإذا كانت قريبة جدًّا فالماء يتبخر أو بعيدة جدًّا فيتجمد. بالضبط، كما هو الحال في حالة الأرض والمريخ الأولية، حيث تمتلك الحياة على الأقل نقطة الانطلاق.
بسبب إنتاجها المنخفض المستوى من الضوء والحرارة، بالنسبة إلى قزم أحمر، فإن هذه المنطقة المسماة ب(المنطقة القابلة للحياة – The Habitable Zone) تكون قريبة جدًا من النجم، أقرب من عطارد إلى شمسنا. وعندما يتم وضع الأشياء الصغيرة في مدارات قريبة لأجسام أكبر، فإن حصر المد والجزر يتواجد حتما فيه: « جانب واحد من الكوكب في بؤس لاينتهي لأنه دائمًا مقابل لنجمه، بينما الآخر محكوم عليه بكآبة الليل الجامدة الجليدية».
بالإضافة إلى ذلك، فإن طبيعة المنطقة الصالحة للحياة تعني أن أي تغيرات نجمية أو تغييرات في سطوع النجم لا يمكن تجاهلها ببساطة.
ضد كل الصعاب
ومع ذلك، قد تجد الحياة طريقها للوجود -بل وتزدهر- في هذه العوالم التي تدور حول نجوم حمراء صغيرة.حيث النجوم القزمة الحمراء هي أكثر أنواع النجوم في الكون، حيث تُشكل حوالي 75 في المئة من المواطنين النجميين. في ضاحيتنا في مجرة درب التبانة، أكثر من ذلك: ضمن بضعة آلاف من السنوات الضوئية من النجوم المرئية للعين المجردة من الأرض، هناك مليارات أخرى صغيرة جدًا وباهتة جدًا بحيث لا يمكن رؤيتها بدون أدوات رصد.
لذا، حتى وإن كانت الحياة تواجه صعوبة في البدء أو الإذهار، فهناك عدد كبير للغاية من الفرص المتاحة للحياة للحصول على دفعة للانطلاق. حيث إنّ الكواكب الصخرية الصغيرة في المنطقة الصالحة للسكن أكثر شيوعًا حول الأقزام الحمراء من أي نوع آخر من النجوم، بما في ذلك النجوم التي تشبه الشمس.
أملٌ طويل الأجل
لدى الأقزام الحمراء ميزة أخرى في إمكانية احتضانها الحياة؛ ألا وهي طول عمرها. مع معدلات الانصهار المتوسطة نسبيا والخلط الداخلي الثابت، تُعتبر هي السيارات الاقتصادية للكون، وقادرة على الاحتراق بفعالية في احتياطيات الوقود الهيدروجيني لمدة تريليونات من السنين. وعلى النقيض من ذلك، فإن النجوم، مثل شمسنا، هي من الناحية العملية، فهي تستهلك كميات كبيرة الغاز، وعمر الشمس الكلي لا يتخطى 10 مليارات عام، وهو ضئيل مقارنةً بعمر الأقزام الحمراء. أي أنّ هناك تناسب عكسي بين عمر النجم وكمية استهلاكه للوقود.
لذا حتى لو لم تحصل الحياة على فرصة للازدهارعلى الأقزام الحمراء -الكواكب التابعة لها- الآن، فما عليك سوى الانتظار. ومواصلة الانتظار. حتى تتهيأ الظروف المناسبة.
قد يتم تهدئة ثائرة المد والجزر التيارات الجوية (Atmospheric Currents) القادرة على نقل الحرارة. قد يبدو التوهج النجمي سيئ الآن، ولكن مع تقدم النجوم الصغيرة في السن قد تهدأ. وفي المستقبل البعيد والبعيد، ستصبح النجوم الأكبر مثل شمسنا أكثر ندرة مع تقدم كوننا في العمر، وتبدأ احتياطيات الغاز في النفاد.
لذا، قد يبدو -ونحن بعيدون عن أن نتأكد كل التأكيد في هذه المرحلة- أن الحياة على كوكبٍ تدور في مكان ما بعيد نسبيًا عن نجم كبير يشبه الشمس هي نادرة نسبيًا. ولكن حتى بدون أن يكون أي عوالم موطنًا للحياة، فإن هؤلاء النجوم الحمراء الصغيرة هم المواطن الأكثر نجاعة في المجرة ويستحقون المزيد من الدراسة.
ترجمة: أحمد رجب رفعت
مراجعة: آية غانم
تحرير: سامح منصور
المصدر:
Sutter, P. (2018). Small Stars are Awesome — But Can They Support Life?. Retrieved from: https://www.space.com/40411-small-stars-are-awesome.html