أوهام التحكم والسيطرة

أوهام-التحكم

نحن جميعًا معرضون إلى كلٍّ من الاستخفاف والمغالاة في تقدير التحكم أو السيطرة.

يوجد في معظم المصاعد شكلٌ ما من زِر (إغلاق الباب)، حيث يضغط عليه ركاب المصعد غير الصبورين في كافة أنحاء العالم عندما يرغبون أن يتحرك المصعد، يجهلون حقيقة أن جهودهم في الضغط على الزر غير مجدية، لأنَّ الأغلبية العظمى من مديري المباني ومبرمجي المصاعد عطَّلوا عمل الزر بافتراضهم المدة التي ينبغي للباب أن يُغلَق بعدها، مع ذلك يستمر الناس بالضغط عليه على الرغم من أنه بلا فائدة! وهذا أحد الأمثلة التي توضح وهم التحكم: التصرف كما لو أننا نستطيع التحكم في شيء لا نستطيع فعلًا التحكم به.

وتمثل أوهام التحكم واحدًا من «الأوهام الإيجابية» المُوثقة في الأبحاث النفسية لو إنها حثَّت الناس على اتخاذ أفعال واثقة، ودفعتهم لمقاومة الإحباط، لكن عندما يقودنا وهمٌ إلى الإصرار حيث تكون جهودنا مُهدَرة، فإن هذه النتيجة لا تعتبر إيجابية مطلقًا، ومن الممكن أن تتسبب المغالاة في تقدير حجم الأشياء التي نتحكم بها في ارتكابنا أخطاء فاجعة ومكلفة مثل: الاعتقاد الخاطئ بأن السرطان يُمكن معالجته بالأفكار الإيجابية، أو الضحك، ورفض العلاج الطبي في سبيل ذلك! عندما شُخّص (ستيف جوبز -Steve Job) أحد مؤسسي شركة (أبل -Apple) بسرطان البنكرياس عام 2003، كان معارضًا تسليم أطبائه ضِفة التحكم بعلاجه، فقد نصحوه بالجراحة، والعلاج الكيميائي، وحيث إنَّ جوبز شخص واثق في قدراته -بشكل غير مسؤول هنا- فقد تحرَّى عن العلاج بالإبر الصينية، والعلاجات العشبية ونظام غذائي خاص بحالته، وعندما وافق أخيرًا على إجراء الجراحة، كان الورم السرطاني قد تفشى بشكل كبير لدرجة أن اضْطَرَّ الأطباء لاستئصال أجزاء من البنكرياس، والمرارة، والمعدة والقناة الصفراوية والأمعاء الدقيقة، ومات عام 2011.

وتسعى المؤسسات إلى التأثير على مدارك العميل بمنتجاتهم عن طريق الإعلان عنها، على الرغم من ذلك فهناك دليل صغير قيّم عن فاعلية هذه الدعاية، فقد عبَّر رجل الأعمال ذو النفوذ  (John Wanamaker) عن هذا بالانتقاد عندما قال شاكيًا: «نصف مالي الذي أنفقته على الدعاية ضائع، والمشكلة هي أني لا أعرف أي نصف بالتحديد» بدلًا من ذلك، فتتصرف الشركات كما لو كانت قادرة على التحكم في اختيارات العميل من خلال الدعاية بدون اختبار صحة هذه النظرية للتأكد منها حقًا، ولاختبار فاعلية الدعاية والإعلان، فالشركات ستكون بحاجة إلى إجراء بعض التجارب المُحكمة بشكل عشوائي، حيث يتم اختيار بعض العملاء عشوائيًا لمشاهدة الإعلانات والبعض الآخر لا، فكم مرة تدير الشركات اختبارات تجريبية ناجحة؟ تقريبًا لم تنجح مطلقًا!

في الحقيقة إنه لمن النادر لأي أحد منا أن يضع معتقداته عن السيطرة والتحكم موضع الاختبار، وعندما اختبرت الشركات هل دعايتهم ناجحة أم لا، فغالبًا ما يتفاجؤون بالنتيجة مثل: إشهار شركة (إيباي -eBay) الذي قد كان مَردود أو مقابل الاستثمار الدعائي له في الواقع سلبيًا.

توجد فوائد حقيقية عندما تمتلك الشجاعة لكي تكون صادقًا مع نفسك في تحديد مدى كفاءتك، ومدى قدرتك على التحكم وأين تُثمر مجهوداتك، فغالبًا هذا يتطلب ثقة مُستنِدة إلى أدلة ومُحاطة بالحقائق ومُقادة بالانعكاس الذاتي الصادق بدلًا من التفكير المُبتَغي القائم على التمني، وهذا سوف يمثل معيارًا جيدًا لثقتك بنفسك وسيقود إلى فُرص أعظم وإصرار يُؤتي أُكله. ومن اللطيف أن نلخص الموضوع بدعاء (السكينة): «امنحني السكينة لأتقبل الأشياء التي لا أستطيع تغييرها، والشجاعة لتغيير الأشياء التي أستطيع تغييرها، والحكمة لمعرفة الفرق بينهما».

 

ترجمة: إيمان محمود خالد

مراجعة علمية: ماريا عبد المسيح

تدقيق لغوي: محمود محمد خليفة

المصدر:

https://www.psychologytoday.com/us/blog/perfectly-confident/201807/illusions-control

https://www.forbes.com/sites/alicegwalton/2011/10/24/steve-jobs-cancer-treatment-regrets/

 

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي