هناك حوالي (10^4) من أنواع البكتيريا التي تعيش في القناة الهضمية والتي تُعزز التوازن بين البكتيريا الممرضة والبكتيريا المفيدة، فتعزز الاستجابة المناعية نتيجةً لمنافستها للبكتيريا الممرضة في الغذاء وكذلك لإفرازها بعض من المواد والأحماض التي تعمل كمضادات حيوية.
الالتهام الذاتي (البلعمة) يلعب دورًا كبيرًا للتوسط في عملية تعايش الجسم مع البكتيريا، بالرغم من أن غياب دور الالتهام الذاتي يمكن أن يؤدي إلى مقاومة مفيدة للعدوى، ولكنه أيضًا يُعرض الجسم لضررٍ محتملٍ متمثل في صورة اضطرابات المناعة الذاتية.
مع أننا ندرك الآن أنَّ التغيرات في الأمعاء الدقيقة وتواجد الجراثيم بها يمكن أن يكون له تأثيرات كبيرة على كل من أمراض الجهاز الهضمي وبعض الأمراض المركزية، مثل الاضطرابات العصبية التنكسية، إلَّا أنَّ وجود البكتيريا المفيدة توفر مصدرًا ثابتًا للأجسام المناعية بنسب متوازنة وبطرق مختلفة للحد من خطورة البكتيريا الممرضة.
البلعمة أو الالتهام الذاتي
البلعمة أو الالتهام الذاتي مقتبس من المصطلح اليوناني (الأكل الذاتي)، وهو مصطلح عام لانحلال المكونات السيتوبلازمية داخل الجسيمات المُحَلِلة (الليزوزومات) نتيجة الحرمان من المغذيات أو غيره من أنواع الضغط، ويتم ذلك بواسطة عضّيات فريدة تسمى جسيمات الالتهام الذاتي (autophagosomes).
ويتم التبلعم (الالتهام) الذاتي داخل الثدييات من خلال عدة خطوات:
1- يتم إحاطة جزء من السيتوبلازم -بما فيه من عضيات- بغشاء عازل لتشكيل جسيمات البلعمة الذاتية (autophagosome).
2- يندمج الغشاء الخارجي لجسيم الالتهام الذاتي لاحقًا مع جسيم الخلية الداخلي (endosome)، ثم الجسيمات المُحَلِلة (lysosome)، وتبدأ المادة الداخلية «المحتويات السيتوبلازمية» بالتحلل.[2]
ولفهم الأدوار المختلفة للالتهام الذاتي قد يكون من المفيد تصنيفه إلى نوعين: «الالتهام الذاتي المستحث» و«الالتهام الذاتي الأساسي» ويستخدم الأول لإنتاج الأحماض الأمينية في حالات المجاعات، في حين أن الأخير مهم في التدوير الأساسي لمكونات العصارة الخلوية.
وظائف الالتهام الذاتي/ البلعمة
يتكون الالتهام الذاتي/ البلعمة من عدة خطوات متتالية: العزل والانحلال وتوليد الأحماض الأمينية / الببتيد. وتمارس كل خطوة وظائف مختلفة في مجموعة متنوعة من السياقات الخلوية.
وتساعد هذه الخطوات على جعل الالتهام الذاتي متعدد الوظائف وسوف نناقش بعض هذه الوظائف ونحاول تلخيصها فيما يأتي:
استخدام نواتج الانحلال
في الظروف العادية وخلال فترات الجوع القصيرة جدًا فإن الجسم لايعتمد على الالتهام الذاتي في توفير الأحماض الأمينية، ولكن أثناء الجوع الذي يستمر لعدة ساعات يتم إنتاج الأحماض الأمينية الضرورية عن طريق البلعمة الذاتية والتي يتم تنظيمها كرد فعل تكيفي. وقد لوحظ انخفاض مستويات الأحماض الأمينية داخل الخلايا وخارج الخلية في خلايا الخميرة التي تعاني من نقص في البلعمة الذاتية في الفئران عندما يتعرضون للجوع. وبالرغم من عدم وجود تفسير كامل لكيف يتم استخدام الأحماض الأمينية المتولدة من قبل البلعمة، لكن توجد ثلاثة مسارات لتفسير تلك العملية:
- أولًا: في الحيوانات يتم استهلاك مخازن الكربوهيدرات (أي الجليكوجين) في خلال يوم واحد من الجوع، بعد ذلك يبدأ توفير الجلوكوز من خلال عملية تصنيع الجلوكوز في الكبد. تستخدم هذه العملية اللاكتات والأحماض الأمينية. وفي دورة الجلوكوز ألانين المعروفة يتم إفراز الألانين من الأنسجة المحيطة بما في ذلك العضلات، ويتم توصيله إلى الكبد ليتم تحويله إلى الجلوكوز أثناء فترة المجاعة. وقد تكون البلعمة الذاتية مساهمًا رئيسيًا في هذه الدورة.
- ثانيًا: يمكن استخدام الأحماض الأمينية كمصدر للطاقة من خلال دورة الأحماض الكربوكسيلية الثلاثية (TCA). ومن المعتقد بشكلٍ عام أن كل من الجلوكوز والأحماض الأمينية مهمان لتوازن الطاقة وتكاثر الخلايا؛ وقد اقترحت الدراسات الحديثة إمكانية إنتاج الطاقة من خلال البلعمة الذاتية، وأثبتت الدرسات أن الالتهام الذاتي ينظم حالة الطاقة في الجسم الحي.
- ثالثًا: يمكن استخدام الأحماض الأمينية الناتجة عن الالتهام الذاتي في تصنيع البروتينات، التي تعتبر مهمة للتكيف مع بيئة التجويع. وبالرغم من تقليل خلايا الخميرة من تخليق البروتين أثناء التجويع، إلَّا أن العملية تقل بشكلٍ أكثر حدةً في الخلايا المتحولة التي لاتتم فيها عملية البلعمة الذاتية بشكلٍ سليم. بالإضافة إلى ذلك فإن زيادة تنظيم العديد من البروتينات التي تسببها المجاعة مثل (أرجينينوسكسينات بيبتيديز-ASS1) و(بروتين الصدمة الحرارية-26 kDa) و(كاربوكسي بيبتيديز-y CPY) يحدث بشكلٍ طفيف فقط في الخلايا المتحولة بالبلعمة الذاتية أثناء الجوع النيتروجيني. وقد يكون الإنتاج غير الفعَّال لهذه البروتينات التكيفية سببًا أساسيًا لفقدان القدرة على البقاء أثناء التجويع في الخلايا التي تعاني من نقص في البلعمة الذاتية.
ولا يمكن اعتبار هذه المسارات حصرية حيث أن الخلايا أو الكائنات الحية يمكنها الجمع بين أكثر من وظيفة للنجاة من الظروف المعاكسة لها.
بالإضافة إلى نقص المغذيات فقد اقتُرح أن الالتهام الذاتي قد يكون استجابةً لنقص الأكسجين، وكذلك حالات الإجهاد الأيضي في المختبر (حيث تكون نسبة الجلوكوز صفر، 1 ٪ الأكسجين) مثل هذا الإجهاض الأيضي يؤدي عادةً إلى موت الخلايا المبرمجة، لكن الخلايا التي تقاوم موت الخلية المبرمج يمكن أن تبقى في ظروف نقص الأكسجين. ويعتمد بقاؤها في تلك الحالة على البلعمة الذاتية، ولذلك فزيادة إنتاج الأحماض الأمينية أمرٌ مهم في ظروف الإجهاد الأيضي.
يجب التأكيد على أنَّ الإفراط في إنتاج الأحماض الأمينية عن طريق البلعمة الذاتية هو استجابة حادة أو إجراء طارئ، لذا فإنه يتمكن من دعم بقاء الخلية لفترة قصيرة فقط.
القضاء على الجزيئات الكبيرة والعضيات غير الضرورية
الخطوة الثانية في البلعمة الذاتية هي القضاء على المحتويات السيتوبلازمية. أظهرت العديد من الدراسات الحديثة أن الالتهام الذاتي يشارك أيضًا في إزالة محتويات الخلايا، أو التحكم في جودة البروتين (العضية)؛ وأكثر الأدلة المباشرة هو تراكم البروتينات والعضيات غير الطبيعية في الخلايا الكبدية والعصبية، والخلايا العضلية القلبية التي تعاني من نقص في البلعمة الذاتية، حتى في غياب أي بروتين متحور مرتبط بالأمراض، وتتراكم في هذه الخلايا بروتينات قابلة للذوبان وعضيات مشوهة.
تهدف بعض أنواع الالتهام الذاتي المستحث إلى القضاء على العضيات الزائدة أو غير الضرورية. مثل الجسيمات التأكسدية الناتجة عن الأيض (peroxisomes) عندما لم تعد هناك حاجة إليها. وبالمثل يتم التخلص من الميتوكوندريا التالفة بشكل انتقائي من خلال الالتهام الذاتي.
النقل من العصارة الخلوية إلى الجسيمات المُحَلِلَة أو الجسيمات الداخلية
في بعض الأحيان يمكن استخدام البلعمة الذاتية ببساطة كمسار لنقل الإنزيمات من العصارة الخلوية (السيتوبلازم) إلى الجسيمات المُحَلِلَة أو الفجوات.
كما يتم استخدام مسار الالتهام الذاتي أيضًا من قبل الخلايا الغصنية في البلازما للتعرف على الحمض النووي الريبوزي وحيد الخيط (SSRNA). المستقبلات الشبيهة بالأوتار (TLRs) هي جزيئات رئيسية في المناعة الفطرية وتقوم بالتعرف على جزيئات مختلفة مشتقة من الميكروبات، وتوجد بعض مستقبلات (TLR) على غشاء البلازما وبعضها في الجسيمات الداخلية، ومن بين هذه المستقبلات يتعرف (TLR7) على الحمض النووي الريبوزي وحيد الخيط (SSRNA) الفيروسي في الجسيمات الداخلية وتحدث الاستجابه المناعية، وقد تم مؤخرًا إثبات أن مستقبل (TLT7) يتعرف على الحمض النووي بعد نقله إلى الجسيمات المحللة أو الجسيمات الداخلية عن طريق البلعمة الذاتية، مما يؤدي إلى إفراز الأنترفيرون واتخاذ رد الفعل المناعي.
العزل
في بعض الحالات يبدو أن العزل أو الإحاطة بمكونات العصارة الخلوية الناتجة عن البلعمة أمر مهم لممارسة وظائف خاصة. وبالرغم من وجود استثناءات فإن الالتهام الذاتي الناتج عن الإجهاد الأيضي يحمي من موت الخلايا في كل من الخميرة والثدييات. ولايوجد تفسير واضح لفائدة العزل، ولكن اقترح أن عزل المواد السيتوبلازمية في جسيمات البلعمة الذاتية قد يكون كافيًا لتخفيف الإجهاد عن الخلية.
تمت الإشارة إلى مشاركة الالتهام الذاتي في سياق الأمراض العصبية التنكسية. ومن المحتمل أن يكون للبلعمة الذاتية دور مفيد في إزالة البروتينات الغير سليمة أو غيرها من البروتينات الضارة، مع ذلك إذا لم يكن الانحلال تبعًا للبلعمة سريعًا بما فيه الكفاية، فإن عزل السيتوبلازم قد يكون له تأثير سلبي، وقد اقترح أن نضج جسيمات الالتهام الذاتي لا يتم بشكلٍ سليم في أدمغة مرضى الزهايمر. كما تحتوي فجوات البلعمة الذاتية الغير منحلة بشكلٍ كامل على بروتين (نشوء الأميلويد) ومركب ال(y-secretase)، مما يؤدي إلى معالجات تنتج مواد سامة في النهاية. وهكذا فإن الانحلال السريع والكامل للمواد المعزولة من الأحماض الأمينية بالالتهام الذاتي (البلعمة) يكون مهمًا في الخلايا العصبية.
العلاقة بين الالتهام الذاتي والأورام
عند قمع عملية موت الخلية المبرمجة، وكذلك الالتهام الذاتي، فإن نسبة بقاء الخلية ستنخفض بشكلٍ كبير. ومن المثير للاهتمام أن موت الخلية الناتج عن غياب كلا العمليتين يعزز تكوين الأورام، ويرجح أن السبب تغير الاستجابة الالتهابية[2]؛ ذلك لإن البلعمة الذاتية لها أدوار غير أساسية مثل إزالة الميتوكوندريا التالفة خلال عملية الانحلال الانتقائي للميتوكوندريا عن طريق البلعمة الذاتية (Mitophagy)، والميتوكوندريا هي المكان الأساسي لتجميع إشارات الاتهابات، وبالتالي الاضطرابات في عملية انحلال الميتوكوندريا غالبًا ما يؤدي إلى وجود إشارات التهابية مستمرة، لذا يمكن اعتبار تكون الأورام من التأثيرات الثانوية لتثبيط عملية البلعمة.[1]
يعد الالتهام الذاتي أو البلعمة منظمًا هامًا للاستجابة المناعية في الجسم، وذلك بواسطة نوع خاص من البروتينات (ATG)، وقد ارتبطت عملية تعدد الأشكال (Polymorphism) في النكليوتيدات المفردة في عملية الالتهام الذاتي مع اضطرابات المناعة الذاتية؛ بالأخص الطفرة (Atg16l1 T300A) في داء كرون (Crohn’s disease).
إعداد: بسمة التهامي
مراجعة: مي نبيه
تدقيق: أمنية أحمد
المصادر:
- Martinez, J. (2018, September 25). Taming the beasts within. Retrieved from https://www.nature.com/articles/s41564-018-0264-x
- Mizushima, N. (1970, January 01). Autophagy: Process and function. Retrieved from http://genesdev.cshlp.org/content/21/22/2861.full.html#ref-144