مكان مظلم لن تراه، ولكن إذا خطوت نحوه فسيكون مصيرك العدم، يسمونه مقبرة وهو كذلك، فيه تُجذب الحياة المشعة بالضوء والحرارة عن طريق قوة هائلة فتحولها إلى نقطة مظلمة، إنه الثقب الأسود أو كما يسمونه مقبرة النجوم، هناك ينتهي عمر أكبر النجوم، نجوم تفوق شمسنا حجمًا وعمرًا.
هل تساءلت يومًا عن مصير النجوم أو شمسنا تحديدًا؟
وللحق يا قارئي العزيز مصير تلك النجوم، وبالأخص النجوم الأكبر حجمًا لهو مصير مظلم، حيث أنها بعد مدة ينتهي عمرها وتتحول إلى ثقب أسود. وربما تتساءل أيضًا عن ماهية ذلك الثقب الأسود ولما يسمى ثقبًا من الأساس؟
يمكن أن نقول أن الثقب الأسود هو مكان شديد الجاذبية، حتى أن الضوء لا يستطيع الهروب من براثنه، يمكنه ابتلاع كواكب ونجومًا وأقمارًا، أليس ذلك مخيفًا! يمكن تفسير شدة تلك الجاذبية بسبب انضغاط المواد في حيز ضيق للغاية.
أما فيما يخص اللون، فيرجع لونه الأسود إلى امتصاصه الضوء لذا فهو معتم أو بمعنى آخر أسود، ورغم عدم رؤيته إلا أن العلماء يستدلون على وجوده من خلال تأثيره على ما حوله من مواد (1)، نظريًا إذا نظرت إلى الثقب الأسود سترى أفق الحدث (Event Horizon) ولا يمكنك تجاوز أفق الحدث إلا بسرعة تفوق سرعة الضوء وذلك مستحيل، وستراه على هيئة كرة سوداء، أما عن الثقب ويمثله جزء آخر يسمى التفرد (Singularity) -لا يُعرف حاليًا على وجه التحديد ما هو التفرد ومما يتكون- ربما يتكون من مواد ذات كثافة كبيرة ولكن لا يمكننا الجزم حتى الآن.
لذا وحتى نعرف كيف تكونت تلك الثقوب؛ الأحرى بنا أن نتعرف على مكونتها ألا وهي النجوم، والنجوم عبارة عن تجمع كتلي هائل أغلبه من ذرات الهيدروجين والهليوم، وتحصل النجوم على طاقتها أو وقودها عن طريق عملية الاندماج النووي، حيث تتحول ذرات الهيدروجين إلى هليوم فينتج عن ذلك التفاعل طاقة في صورة إشعاع، ذلك الإشعاع يكون عكس اتجاه الجاذبية فيحافظ على توازن القوتين معًا، ولكن بعد فترة يستمر اندماج العناصر حتى يصل للعناصر الثقيلة وتحديدًا الحديد، عند تلك النقطة يختلف كل شيء، وبمرور الوقت يتراكم الحديد في لب النجم، ويتوقف عن إشعاعه عندئذ تختل عملية الاندماج النووي ومن ثم ينهار وينفجر متحولًا إلي ذلك المكان المظلم عالي الجاذبية (2).
هل يصبح الثقب الأسود هو المحطة الأخيرة في حياة كل النجوم؟
يمكننا أن نطمئنك عزيزي القارئ بأن الإجابة هي لا، فعلى سبيل المثال، النجوم متوسطة الحجم كشمسنا مثلًا أو النجوم الصغيرة لن تلقى ذلك المصير المخيف، فعند استنزاف الهيدروجين في شمسنا ستتحول إلى أكسجين وكربون ولن تتحول لمعادن ثقيلة تجعلها تنهار وتتحول لذلك الثقب، ولكني لا أنفي وجود مصير آخر لتلك النجوم والشمس تحديدًا، الطبيعي كل شيء ينتهي ولكن هنا تختلف الكيفية.
يكمن الخطر في تلك النجوم التي تفوق شمسنا في الكتلة بمقدار خمس مرات وأحيانًا أكثر، حيث تندمج العناصر حتى تُكون في النهاية عناصر ثقيلة تجعل لبها ينهار ومن ثم ينفجر النجم عن طريق عملية معروفة تسمى (المستعر الأكبر -Supernova)
ذلك الانفجار هائل، تخيل نجمًا كبيرًا يفوق الشمس حجمًا وكتلة، ينفجر مخلفًا وراءه غبارًا، ذراتٍ وعناصرَ تنتشر في كل حيز من الفضاء، يمكننا تخيله كالمفرقعات النارية مثلًا ولكن الأمر أكبر بكثير وليس مبهجًا كتلك المفرقعات، الأمر فلسفي إلى حد ما، حتى أكبر الأشياء يمكنها أن تنتهي وكأنها لم تكن، بالفعل الأمر فلسفي للغاية، ولكن بعيدًا عن الفلسفة، المستعر الأكبر هو أضخم انفجار يمكن أن تراه، أعنف من القنابل النووية وأسلحة الدمار الشامل، يمكن للعلماء أن يجدوا آثار ذلك الانفجار في المجرات الأخرى على عكس مجرتنا حيث يُعيق الغبار الرؤية. اكتشف العالم (جوهانس كيبلر-Johannes Kepler) في عام 1604 آخر آثار ناتجة عن مستعر أعظم في مجرتنا درب التبانة، بالإضافة إلى ذلك استطاع مرصد شاندرا الفضائي (Chandra) التابع لوكالة ناسا الفضائية اكتشاف بقايا انفجار والذى حدث في مجرتنا منذ مئات السنين أو ربما أكثر. يُعتقد أن تلك الظاهرة مسؤولة عن انتشار العناصر في الكون، حيث تسافر تلك العناصر في الفضاء وتخرج من حطام الموت وترتحل مسافرة بحثًا عن حياة جديدة تبنيها. (3)
وبعد أن تعرفنا ببعض التفصيل عن الثقب الأسود ونشأته، ماذا عن أنواعه؟
الثقوب السوداء منها الصغير يمكن أن تصل في صغرها إلى حجم ذرة واحدة ولكن لا يخدعك ذلك الحجم الضئيل فهي تحمل كتلة ككتلة الجبال، والبعض الآخر كبير للغاية وربما يكون أكبرها هو الثقب الأسود فائق الكتلة (Supermassive)، ويؤسفني أن أخبرك بأن مجرتنا تحتوي على ثقب أسود فائق الكتلة في قلبها تمامًا، يسمى سيجاتاري A، ولكن ليست مجرتنا الوحيدة التي تحوي بين جنباتها ثقبًا هائلًا، بل يعتقد العلماء بأن كل المجرات الكبيرة تواجه نفس الخطر.
أراك مضطربًا قليلًا، لا تقلق يا صديق، يمكنك أن تغير فكرتك عن الثقب الأسود، فهو ليس وحشًا مظلمًا يحوم في الفضاء بحثًا عن فريسته التالية، الأمر ليس بتلك الصورة الدراماتيكية، كلما كنت بعيدًا عن مجاله كنت بمأمن من شره، والشيء المطمئن أن نظامنا الشمسي بمنأى عن الخطر، فلا يوجد بجوارنا تلك الهوة العميقة لتحولنا لعناصر من حديد، وماغنسيوم، وسيليكا، يمكنك تنفس الصعداء الآن.
ماذا سيحدث لك لو سقطت في ثقب أسود؟
إجابة ذلك السؤال تخيلية قليلًا فبالطبع لن تصل لثقب أسود ولكن لنتخيل معًا، لأكون صريحة معك تلك الرحلة بلا عودة، إذا استطعت بطريقة ما الاقتراب من ثقب أسود صغيرٍ قليلًا، وحتى قبل أن تقترب من أفق الحدث ستجذبك الجاذبية من ساقك، تمددك وتعصرك محولة إياك إلى اسباغيتي بشرية، وعلى الجانب الآخر إذا اقتربت من ثقب أسود ضخم يمكنك أن تقترب من أفق الحدث دون أن تنقطع أوصالك ولكن لا تسعد كثيرًا فمع دخولك لذلك الثقب ستكتشف ذلك السر الأسود ولكنك لن تعود لتحكي لنا ما شاهدته. (4)
إعداد: نرمين محمد.
مراجعة علمية: سارة سامر.
مراجعة لغوية: حمزة مطالقة.
تحرير: هدير جابر.
المصادر
- MSFC JW: What Is a Black Hole? [Internet]. NASA. 2015 [cited 2018 Oct 9]. Available from: http://www.nasa.gov/audience/forstudents/k-4/stories/nasa-knows/what-is-a-black-hole-k4.html
- Fusion in Stars – Zoom Astronomy [Internet]. [cited 2018 Oct 9]. Available from: https://www.enchantedlearning.com/subjects/astronomy/stars/fusion.shtml
- May S. What Is a Supernova? [Internet]. NASA. 2015 [cited 2018 Oct 9]. Available from: http://www.nasa.gov/audience/forstudents/5-8/features/nasa-knows/what-is-a-supernova.html
- Into a Black Hole [Internet]. Stephen Hawking. [cited 2018 Oct 9]. Available from: http://www.hawking.org.uk/into-a-black-hole.html