إن مصطلح «جرائم ذوي الياقات البيضاء» والذي ظهر بفضل عالِم الاجتماع (إدوين سذرلاند – Edwin Sutherland) سنة 1939 قد أدمج ذوي الطبقات الاجتماعية العليا في ميدان الجرائم، حيث كانت دائمًا ما تُقرن الجرائم بالطبقة الفقيرة والتي يفسرها حاجتهم وبحثهم الدائم عن سُبُل للعيش فبعضهم يلجأ للسبل غير القانونيّة لتوفير ذلك، إذْ عرّف (إدوين سذرلاند) جريمة ذوي الياقات البيضاء بأنها جريمة يرتكبها فرد من ذوي الطبقات الاجتماعية العليا وله مكانة مرموقة في نطاق مهنته. وبذلك تكون جرائم الياقات البيضاء ذات أثر كبير على توازن الاقتصاد، ونتائجها أكبر من جرائم الطبقات الفقيرة لأن متابعتها قضائيًا تبقى محدودة سواء لأن القانون ضعيف وفجواته كثيرة ليتحكم في مثل هذه القضايا؛ أو لأنّ النفوذ الذي يمتلكه ذوو الياقات البيضاء يفوق ويعلو القوانين، ومن أشكال هذه الجرائم التهرُّب الضريبيّ.[1]
فما هو التهرُّب الضريبيّ؟
التهرّب الضريبي هو جريمة تقوم على استخدام الوسائل غير القانونيّة لتجنب دفع الضرائب. ومخططات التهرّب الضريبي وفيرة، ولكنها تنطوي جميعها على تحريف دخل أو أصول أحد الأفراد أو الأعمال عند تقديم التقارير إلى دائرة الإيرادات الداخليّة من أجل تقليل مقدار الضرائب المُستَحَقّة عليهم.[2]
التهرُّب المشروع
والتهرّب الضريبي يختلف عن «التجنب الضريبي» أو ما يسمى بـ«التهرّب المشروع» الذي يعني: تخلّص الُمكَلّف من أداء الضريبة وذلك باستفادته من بعض الثغرات الموجودة في التشريع الضريبي، دون أن يؤدي ذلك إلى مخالفةٍ للنصوص القانونيّة، مثال على ذلك: التبرعات والهبات التي تُقدم للجمعيات الخيريّة المُنشأة بقانون من قوانين الدولة أو التي تدفع للدولة عن طريق جهة رسميّة، أو رفض استيراد بعض السلع الأجنبية لتفادي الضرائب الجمركيّة.[3]
لماذا الضرائب مهمة؟
تُعد الضريبة وسيلة مالية تستخدمها السلطات العامة لتحقيق أغراضها، فهـي انعكاس للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في المجتمع الذي تُفـرض عليـه، وهـي الينابيع التي تستقي منها الدولة الأموال اللازمة لسد نفقاتها العامة. ولكي تؤدي الضريبة أهدافها لابد من توافُر أمرين أساسيين؛ الأمر الأول: أن يُوضع تشريع مالي يؤدي أغراضه ويعبر تعبيرًا سليمًا عن أهداف الدولة. الأمر الثاني: أن يُحسِّن الخاضعون للضريبة من تقبلهم لهذا التشريع ولا يتعمدون الإفلات منه بطريقة أو بأُخرى، وذلك لما ينتج عن هذا الإفلات من آثار سيئة في مالية الدولة ومن زعزعة عدالة النظام الضريبي والمساس بالحصيلة الضريبة، وما ينتج عن ذلك من آثار اقتصادية تؤثر في أوضاع المنتجين وبشروط المنافسة فيما بينهم. وبالرغم من أهمية هذه الظاهرة فإنها لم تحظ بما يتوجب من اهتمام سواء على المستوى التشريعي أو التنفيذي أو الفكري، على الرغم من خطورتها الاقتصادية والاجتماعية والمالية، وعلى الرغم من أن هذه الظاهرة أصبحت في ازدياد مستمر إما بسبب الأخطاء والثغرات القانونية في التشريعات الضريبية أو بسبب أخطاء تنفيذية صادفت هوى في نفس المكلف.
وإن التهرب الضريبي امتد على المستوى الدولي من خلال المعاملات والتبادل التجاري الدولي بالرغم من الاتفاقيات الدولية والثنائية في مكافحة التهرب الضريبي. وتختلف مجالات التهرب بين الضرائب المباشرة وغير المباشرة، كما تختلف أسباب التهرب الضريبي بين الدول النامية والمتقدمة تبعًا لمستوى الوعي الضريبي، وسلامة التشريع الضريبي وعدالته، ومستوى الدخل القومي وتوزيعه. كما كان لظهور الشركات متعددة الجنسيات وتطورها أثر في ظاهرة التهرب الضريبي الدولي، الأمر الذي أدى إلى تسابق الدول إلى عقد الاتفاقيات وتوفير التشريعات اللازمة لمكافحته والحد من آثاره.[3]
آثار التهرُّب الضريبي
يؤدي انخفاض حصيلة الضرائب إلى الإضرار بالخزينة العامة، وقد يؤدي إلى المساس بسير المرافق العامة وبقيام الدولة بوظائفها المختلفة، ويؤدي التهرب أيضًا إلى المساس بالعدالـة الضريبيّة وإلى الإخلال بالمساواة بين المكلفين «حيث يخفف التهرّب من عبء المتهرّبين بالنسبة لغيرهم». ومما يزيد من خطورة التهرّب أنه قد يدفع الدولة إلى زيادة العبء الضريبي حتى تعوّض الحصيلة الضائعة مما يضر في نهاية الأمر بالمكلفين الأمناء، وقد يـؤدي بها التوسع في الضرائب غير المباشرة التي يكون فيها التهرب محدودًا رغم ما هو معـروف عن هذه الضرائب من عدم عدالتها بالنسبة للطبقات الفقيرة.
فمن الناحية الاجتماعية: يتسبب التهرب الضريبي في إضعاف أخلاق المجتمع وفي إضعاف علاقة التضامن بين أفراد الأمة الواحدة، ويلاحظ أن زيادة الأعباء على المكلفين غير المتهـربين قـد يـدفعهم بدورهم إلى التهرب أيضًا، وهكذا قد تشيع روح الغش في الجماعة وهو أمر خطير.
ومن الناحية الاقتصادية: يؤدي التهرب إلى نتائج خطيرة جدًا من حيث المساس بإنتاجية الاقتصاد القومي، ومن ناحيـة يؤدي وجود إمكانيات واسعة للتهرب في نطاق نشاط معين إلى اجتذاب الأفراد والأموال نحوه حتى ولو لم يكن مفيدًا بالنسبة للدولة، أي حتى لو كانت إنتاجيته الاجتماعية منخفضة بالنسبة لغيره. ومن ناحيـة أخـرى يخل التهرب الضريبي بشروط المنافسة بين المشروعات فهو لا يسمح بانتصار المشـروعات الأكثر كفاءة أو الأكثر فائدة بالنسبة للدولة والأفضل تجهيزًا والأحسن تنظيمـًا حسـب مـا يقضي به منطق الإنتاجية، بل على العكس يعطي فرصة الانتصار للمشروعات الأكثر قـدرة على التهرب من الضرائب.[3]
أساليب مكافحة التهرب الضريبي
تختلف طرق المكافحة تبعًا للنظام الضريبي بشكل عام ولكل ضريبة بشكل خاص، وتسعى الدولة جاهدة إلى مكافحة التهرب بالوسائل الممكنة كافةً. وفي واقع الأمر فـإن مكافحـة التهرب الضريبي يتم بالعمل على منع وقوعه وعلى معاقبة مرتكبيه.
فمن هذه الأساليب التي قد تتخذها الدولة
تبسيط النظام الضريبي ووضوح القواعد الضريبية وسهولتها أو زيادة كفاءة الإدارة المالية تنظيمًا وأداء؛ لكي تتمكن من مباشرة رقابتها على المكلفين وجمع الضرائب بصورة أكثر فاعلية، وتشديد رقابة الإدارة وتنمية الوعي ونشره وتقوية الثقة المتبادلة بين الحاكم والمحكوم. ولكن مع كل هذه الإجراءات لمنع التهرب قد لا تنجح الدولة في منعه كليًا، ولذلك تضطر الدول إلى توقيع عقوبات على المتهربين المخالفين للقانون. والعقوبات هي طريقة زاجرة تمنع التهرب بشرط أن تُطبق بصرامة، وقد تكون هذه العقوبات مالية وجزائية، والعقوبات المالية هي الأكثر شيوعًا، في حين تكون العقوبات الجنائية كعقوبة السجن مثلًا حيث تلجأ بعض التشريعات لتقرير بعض العقوبات الجنائيّة في حالات الغش الخطيرة التي تصاحبها أعمال احتياليّة.[3]
المصادر:
3- التهرب الضريبي، مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية، د.خالد الخطيب.
إعداد: إنجي عبدالمنعم
مراجعة علميّة: شيرين صبيح
تحرير: نسمة محمود
تَدقيقٌ لُغَوِيّ: محمود خليفة