النموذج القياسي هو منبع من الجمال، إنها النظرية الأكثر دقة في تنبؤاتها لفيزياء الجسيمات بشكل لا يصدق، حيث يحدد النموذج بطريقة رياضية مجموعات الجسيمات الـ(17) المكونة للطبيعة: ستة كواركات، وستة لبتونات، وأربعة جسيمات حاملة للقوة، وبوزون هيغز، وهذه الجسيمات تحكمها القوى الكهرومغناطيسية، والنووية الضعيفة والقوية.
يقول الباحث «سول راموس» في الجامعة الوطنية المستقلة في المكسيك:
«بالنسبة إلى السؤال (ماذا نكون؟) فإن النموذج القياسي لديه الإجابة، فهو يخبرنا أن كل كائن في الكون ليس مستقلًا، وأن كل جسيم موجود لسبب ما».
وعلى مدى السنوات الخمسين الماضية، سمح هذا النموذج للعلماء بدمج فيزياء الجسيمات في معادلة واحدة تشرح معظم ما يمكننا رؤيته في العالم من حولنا. فعلى الرغم من قوته التنبؤية الكبيرة؛ إلا أنَّ النموذج القياسي يفشل في الإجابة على خمسة أسئلة هامة، وهو السبب في أن علماء فيزياء الجسيمات يعلمون أن عملهم لم ينتهي بعد.
1- لماذا تمتلك النيوترينات كتلة؟
ثلاثةٌ من جسيمات النموذج المعياري هي أنواع مختلفة من النيوترينوات، يتوقع النموذج القياسي أنه مثل الفوتونات يجب ألا تحتوي النيوترينوات على كتلة، ومع ذلك، فقد وجد العلماء أن النيوترينوات الثلاثة تتذبذب، أو تتحول إلى بعضها البعض عندما تتحرك، وهذا لا يمكن حدوثه إلا إذا امتلكت النيوترينوات كتلة.
يقول (أندريه دي غوفيا) الأستاذ في جامعة نورث وسترن:
«إذا استخدمنا النظريات التي لدينا اليوم، نحصل على إجابة خاطئة» ومع ذلك، فإن كتلة النيوترينوات ضئيلة جدًا.
وقد اقترحت بعض النتائج التجريبية، على سبيل المثال، أنه قد يكون هناك نوع رابع من النيوترينو يسمى بالـ(نيوترينو الخامل)، والذي لم نكتشفه بعد.
2- ما هي المادة المظلمة؟
أدرك العلماء أنهم كانوا يفتقدون شيئًا عندما لاحظوا أن المجرات كانت تدور بسرعة أكبر مما ينبغي، بناءً على جاذبية المادة المرئية. كانت تدور بسرعة لدرجة أنها كانت يجب أن تمزق نفسها، وهنا افترض العلماء شيئًا لا يمكننا أن نراه، والذي أطلق عليه (المادة المظلمة)، يجب أن يكون أعطى كتلة إضافية ـوبالتالي جاذبية إضافيةـ لهذه المجرات.
ويُعتقد أن المادة المظلمة تشكل (%27) من محتويات الكون، ولكنها غير مدرجة في النموذج القياسي. ويبحث العلماء عن طرق لدراسة هذه المادة الغامضة وتحديد بنيتها، وإذا استطاع العلماء إثبات أن المادة المظلمة تتفاعل بطريقة ما مع المادة الطبيعية.
كما يقول الباحث (أندريا ألبرت):
«ما زلنا بحاجة إلى نموذج جديد، ولكن هذا يعني أن النموذج الجديد والنموذج القياسي مترابطان، والذي سيكون بمثابة تغيير كبير في اللعبة».
3-لماذا يتكون الكون من المادة وليس المادة المضادة؟
عندما يتكون جسيم من المادة -على سبيل المثال، في تصادم جسيم في مصادم الهادرونات الكبير أو في تحلل جسيم آخر- عادة يأتي نظير مضاد المادة الخاص به معه، فعندما تصطدم جسيمات المادة والمادة المضادة، فإنها تُفنِي بعضها، ويفترض العلماء أنه عندما نشأ الكون في الانفجار الكبير؛ تم إنتاج المادة والمادة المضادة بصورة متساوية، ومع ذلك، فإن شيئًا ما منع المادة والمادة المضادة من إفناء بعضهما، وبقيت المادة، وكونت كوننا الحالي، ولا يستطيع النموذج القياسي تفسير عدم التوازن الذي حدث بين المادة والمادة المضادة، ولكن العديد من التجارب المختلفة تدرس الآن المادة والمادة المضادة بحثًا عن أدلة جديدة.
4-لماذا يتسارع الكون؟
قبل أن يتمكن العلماء من قياس تمدد الكون، خمّنوا أن التمدد بدأ بسرعة بعد الانفجار العظيم، ثم مع مرور الوقت، بدأ في التباطؤ. ولكن كانت الصدمة، حينما اكتشف العلماء أنه ليس فقط أن توسع الكون لم يتباطئ، بل كان يزداد سرعة بالفعل.
تشير أحدث قياسات تلسكوب هابل الفضائي ومرصد غايا لوكالة الفضاء الأوروبية إلى أن المجرات تتحرك بعيدا عنا بسرعة (45) ميلًا في الثانية، وتتضاعف هذه السرعة لكل ميجا بارسك إضافية، ويعتقد أن هذا المعدل يأتي من خاصية غير مفسرة من الزمكان تسمى (الطاقة المظلمة)، ومن المعتقد أنها تشكل حوالي (%68) من الطاقة في الكون.
يقول (دي غوفيا):
«هذا شيء أساسي للغاية لم يكن أحد يتوقعه من خلال النظر إلى النموذج القياسي».
5-هل هناك جسيم مرتبط بقوة الجاذبية؟
لم يتم تصميم النموذج القياسي لشرح الجاذبية، ولا يبدو أن هذه القوة الرابعة والأضعف من الطبيعة لها أي تأثير على التفاعلات دون الذرية التي يشرحها النموذج القياسي، لكن علماء الفيزياء النظرية يعتقدون أن الجسيمات دون الذرية التي تدعى الجرافيتون قد تنقل الجاذبية بنفس الطريقة التي تحمل الجسيمات التي يطلق عليها الفوتونات القوة الكهرومغناطيسية.
يقول الأستاذ في معهد العلوم النووية في الجامعة الوطنية المستقلة في المكسيك (ألبرتو جويجوزا):
«بعد أن أكد (ليجو) وجود موجات جاذبية، السؤال الآن: ما هي أصغر موجة جاذبية ممكنة؟ هذا يشبه إلى حد كبير السؤال عن ما هية الجرافتون».
المزيد من الأسئلة
الألغاز الخمسة هي الأسئلة الكبيرة في الفيزياء في القرن الحادي والعشرين، كما يقول راموس، ومع ذلك، هناك المزيد من الألغاز الأساسية، كما يقول: ما هو مصدر الهندسة الفضائية الزمكانية؟ من أين تحصل الجسيمات على دورانها؟ لماذا القوة النووية القوية قوية جدًا في حين أن القوة النووية الضعيفة ضعيفة جدًا؟ وهناك الكثير لاستكشافه.
كما يقول (جويجوزا):
«حتى إذا انتهى الأمر بنظرية نهائية ومثالية لكل شيء في أيدينا، فإننا ما زلنا نجري تجارب في مواقف مختلفة من أجل دفع حدودها، إنه مثال كلاسيكي للغاية على الأسلوب العلمي في العمل، فمع كل إجابة تأتي المزيد من الأسئلة، فالعملية لا تنتهي».
ترجمة: بسمة خالد حسن
مراجعة علمية: فاطمة شعبان
مراجعة لغويّة:حمزة مطالقة
تحرير: نسمة محمود
المصدر