لا شك أن الأمراض التي تصيب الإنسان تصاحبها آلام وأوجاع تختلف شدتها حسب نوع المرض ذاته، وغالبًا مايكون أول الحلول لدينا وأسهلها هو تناول أقراص المسكنات والمضادات الحيوية، ثم البدء في نظام دوائيّ لعدة أيام حتى تزول أعراض المرض تمامًا. لكن، في بعض الحالات القليلة، قد يكتشف الفرد –ربما عن طريق المصادفة- أنه مصاب بأحد أخبث الأمراض وأشرسها على الاطلاق؛ حيث العلاج يكون أشد ألمًا من المرض نفسه، فحينها يكون عليه الإختيار بين أمرين، أرحمهما أشد قسوة من الآخر.
ما زالت المعركة مستمرة بين الإنسان وذلك المرض اللعين منذ قديم الزمن وحتى الآن، حيث ينبت بين خلايا الجسد في أي وقت، وينهشُ في أنسجته وأعضاءه، إلى أن يُدمرّه وتخور قواه؛ تلك المعركة التي كُلما طالت زدات الخسائر من الخلايا والأعضاء. حرب لم يُقدّر لنا الانتصار فيها إلا نادرًا حتى وقتنا الحالي. ولكن، يوجد خلايا أخرى لديها الأمل في المُحاربة والتغلّب عليه آملةً في الانتصار حتى وإن كانت الوسيلة لذلك هي الأشد ألمًا.. إنها حرب العلاج الكيميائي مع مرض السرطان.
اكتشاف العلاج الكيميائي
في عصور ما قبل التاريخ كان يُعتمد كُليًا في العلاج على الأدوية التي تحتوي على المعادن والنباتات والأعشاب الطبية. إلى أن تم اكتشاف العلاج الكيميائي بطريقة غير مباشرة في أوائل القرن العشرين. ففي الحرب العالمية الأولى لوحظ في بعض الحالات المصابة نتيجة استنشاقها لغاز الخردل السام، انخفاض نمو خلايا الدم، الأمر الذي كان غريبًا في ذاك الحين. في عام 1943 وخلال فترة الحرب العالمية الثانية، قام بعض الباحثين بكلية الطب بـ(جامعة ييل – Yale university) بدراسة نوعية أخرى من المواد تتبع نفس عائلة غاز الخردل وهي النيتروجين المسال، حيث اعتُقِد أنه من الممكن لتلك المادة المسببة لانخفاض عدد خلايا الدم أن يكون لها تاثير في علاج الأورام وتقليصها، حتى تم اختبار تأثير تلك المادة وحقنها وريديًا بجرعة مخففة لعدد من الأشخاص المصابيين بأورام الغدد الليمفاوية، وكانت النتيجة حدوث تحسن ملحوظ وإن كان مؤقتًا للمرضى. إلى أن حدثت حادثة تعرض بعض الجنود الألمان لغاز الخردل المحرم دوليًا آنذاك، حيث وجد انخفاض كبير في عدد خلايا الدم البيضاء؛ الأمر الذي دفع الباحثين لاحقًا إلى البحث عن مواد بديلة لها تأثير على نمو الخلايا السرطانية، ليظهر بعد ذلك العديد من العقاقير الأخرى لعلاج السرطان التي تعتمد على هذه المواد الكيميائية. ولتصبح تلك الصناعة من الصناعات الضخمة، على الرغم من وجود بعض القيود الخاصة بالعلاج الكيميائي حتى الآن.(1)
ماهو العلاج الكيميائي؟
يعنى بالعلاج الكيميائي(Chemotherapy) مجموعة الأدوية الفارماكولوجية المستخدَمة في علاج أمراض السرطان المختلفة. حيث أنه من المعروف أن خلايا الجسم تنمو وتنقسم وتموت بطريقة طبيعية ومنتظمة، وعلى النقيض من ذلك تنمو الخلايا السرطانية بشكل عشوائي وغير منتظم. فعند دخول العلاج الكيميائي للجسم يعمل على قتل الخلايا السرطانية أو إبطاء نموها. ومع ذلك يمكن أن يسبب بعضًا من الضرر للخلايا السليمة المجاورة للخلايا الضارة إلا أنها تتعافى بعد الانتهاء من العلاج وتبدأ في نموّها الطبيعي مرةً أخرى.
عندما يبدأ السرطان في الجسم تنمو الخلايا بشكل متزايد وتنقسم بشكل جنونيّ مما يجعلها تحتل مساحة كبيرة من سابقتها السليمة. فور دخول العلاج الكيميائي للجسم -الذي يمكن أن يحتوي على مادة واحدة أو عدة مواد- فإنه يقلّص حجم هذه الإنقسامات أو يمنعها تمامًا. حيث يستهدف مصدر غذاء الخلايا السرطانية، الذي يتكون من الإنزيمات والهرمونات التي تحتاجها للنمو فيحفّز الخلايا السرطانية للموت وهذا يُعرف طبيًا باسم (موت الخلايا المُبرمج)، أو وقف نمو الأوعية الدموية الجديدة التي تزوّد الورم بالغذاء والأكسجين اللازمين للنمو لتجويعها.
وجد العلماء أن العلاج الكيميائي يؤثر بشكل كبير وفاعلية أكثر على الأورام الصغيرة على خلاف الحجم الأكبر، وبعض الأورام الصلبة تصبح أقل استجابة لمعظم وسائل العلاج الكيميائي فلا تستطيع المادة الكيميائية الوصول إلى مركز الأورام الصلبة في معظم الأحيان. ثم وُجد حلًا لتلك المشكلة عن طريق العلاج الإشعاعي القصير والعلاج الإشعاعي عن بُعد والجراحة.
العلاج الكيميائي هو علاج غازي يمكن أن يكون له آثار ضارة وخيمة. هذا لأن الأدوية لا تؤثر فقط على الخلايا السرطانية ولكن على الخلايا السليمة. يمكن أن تكون الآثار الضارة مثيرة للقلق؛ ولكن في وقت مبكر، يمكن للعلاج الكيميائي في بعض الحالات تحقيق الشفاء التام، إلا أنه من المهم أن يعرف المريض ما يجب توقعه قبل بدء العلاج.
يُمكِن الجمع أيضًا بين العلاج الكيميائي والعلاج الإشعاعي أو الجراحة. ويتم علاج مُعظَم أنواع السرطان اليوم بهذه الطريقة. كما يمكن الجمع بين العقاقير المختلفة في وقت واحد. وتختلف الأدوية من حيث الآلية والآثار الجانبية. وتكمن ميزة هذه الأساليب العلاجية في تقليل فُرص مقاومة الخلايا السرطانية للمواد الكيميائية. (2) (1)
كمية الجرعة وكيفية اخذها؟
يصعب تحديد جرعة العلاج الكيميائي، حيث تفقد الجرعة فاعليتها إذا كانت منخفضة جدًا، أما في حالة التعرض لجرعات مفرطة، فلن يستطيع المريض تحمل الآثار الجانبية الناتجة عن العلاج. وفي معظم الحالات، يتم تعديل الجرعة حسب وزن وطول المريض.
يمكن إعطاء العلاج الكيميائي بعدة طرق:
1- الحقن: يتم إعطاء العلاج الكيميائي في العضلات في الذراع أو الفخذ أو الورك أو الحقن تحت الجلد في الجزء الدهني من الذراع أو الساق أو البطن.
2- داخل الشرايين (IA): العلاج الكيميائي يدخل مباشرة في الشريان الذي يغذّي السرطان.
3- (IP): يدخل العلاج الكيميائي مباشرة في التجويف البريتوني (المنطقة التي تحتوي على أعضاء مثل الأمعاء والمعدة والكبد والمبايض).
4-في الوريد (IV): يدخل العلاج الكيميائي مباشرة إلى الوريد.
5- موضعي: كريمًا يُدلك على البشرة.
6-عن طريق الفم: يكون العلاج الكيميائي أقراص أو كبسولات أو سوائل تُبتلع. (3)
تختلف مدّة العلاج من مريض لآخر، وذلك على حسب عدة مقاييس منها سن المريض ونوع الورم وحجمه ومرحلة نموه الحالية. وللحصول على أفضل النتائج، يحتاج المريض إلى علاج كيميائي منتظم خلال فترة يحددها أخصائي الأورام أو أخصائي أمراض السرطان. حيث يتم وضع خطة تحدد موعد جلسات العلاج وطول المدة، فيمكن أن تتراوح دورة العلاج من جرعة واحدة في يوم واحد إلى بضعة أسابيع، وهذا يتوقف على نوع ومرحلة الورم، ويمكن أن يأخذ المرضى الذين هم في حاجة إلى أكثر من دورة علاج فترة راحة للسماح لجسمهم بالشفاء. (2)
الآثار الجانبية للعلاج الكيميائي
يؤثر العلاج الكيميائي جانبيًا على المرضى تأثيرات مختلفة، ويعتمد في الأغلب على الصحة العامة والحالة النفسية للمريض، ونوع السرطان الذي يعاني منه، ومدى تطوّره، ونوع العلاج الكيميائي وجرعته. تشمل الاثار الجانبية للعلاج الكيميائي الشعور بالغثيان، والقئ، والآم شديدة في الجسم وتساقط الشعر.
وهناك طرق لمنع أو السيطرة على هذه الآثار الجانبية، وعادةً ما تتعافى الخلايا السليمة بعد انتهاء العلاج الكيميائي، لذلك تختفي معظم الآثار الجانبية تدريجيًا.
نصائح عامة للمصابين خلال فترة العلاج الكيميائي
- خُذ الوقت الكافي مابين الجلسة والأخرى. تنفس ببطء، أو استمع إلى موسيقى هادئة. قد يساعدك ذلك على الشعور بالهدوء.
- تعلّم تمارين الاسترخاء وقم بها يوميًا. أو قم بممارسه رياضة جديدة حيث يجد الكثير أن التمارين الخفيفة، مثل المشي أو ركوب الدراجة، تساعدهم على الشعور بتحسن.
- تحدّث مع الآخرين، تحدث عن مشاعرك مع شخص تثق به، مثل صديق مقرّب أو أحد أفراد العائلة أخصائي اجتماعي. وقد تجد أنه من المفيد التحدث مع شخص آخر يمر بالعلاج الكيميائي.
- انضم إلى مجموعة دعم، حيث تسمح لك هذه المجموعات بمقابلة الآخرين بنفس المشاكل. سيكون لديك فرصة لتتحدث عن مشاعرك واستمع إلى أشخاص آخرين يتحدثون عنهم، يمكنك معرفة كيف تجتاز ولو جزء بسيط من آلامك. (5) (3)
إعداد وترجمة: ديما محمد عبدالرحمن.
المراجعة العلمية: فيروز محمد سعيد
تدقيق لغوي: محمد غنيم
تحرير: هدير جابر
المصادر: