« – النادل: مساء الخير أيها السادة، اليوم نقدم لكم طبق (محاربة الأعداء)، حيث لا يكون الإنسان مجرمًا أو أسير حرب، مما يعني أنه بالتأكيد ليست لديه أي حماية قانونية، ونقدم لكم أيضًا طبق (التسليم الاستثنائي) حيث نقوم باختطاف المشتبه بهم على أراضٍ أجنبية دون أن نقوم بتسجيلهم، ثم نقوم بزجهم في السجون التي تقع في البلاد التي لا تزال تقوم بتعذيب سجنائها.
– دونالد رامسفيلد: جيد، هذا يبدو شهيًّا
– النادل: لدينا كذلك طبق (خليج غوانتانامو)، والذي يُعد معقدًا للغاية، لكنه يسمح لكم بالعمل خارج نطاق المسائلات القانونية على أرضٍ ليست أمريكية في الحقيقة، لكنها لا تزال تحت سيطرتنا، لدينا أيضًا طبقًا آخرًا طازجًا ولذيذًا وهو (تفسير قانون سلطات الحرب)، والذي يعطي الجهاز التنفيذي للبلاد سلطةً واسعة للاعتداء على الشعوب أو الأشخاص الذين نعتبرهم تهديدًا ممكنًا لنا، وكذلك لدينا طبق (الحقيقة بموجب نظرية المدير الأوحد)، أي أنه إذا قام الرئيس بفعل أي شيء، لا بد أن يكون هذا الفعل قانونيًّا، مما يعني أنه يمكنك أن تقوم بأي شيء تريد القيام به. لذا سيدي، وأيها السادة، ما هو الطبق الذي تفضلونه من بين كل تلك الأطباق؟
– ديك تشيني: نفضلهم جميعًا.».
(من الفيلم).
اسمه ديك تشيني، احفظه جيدًا
«كل ما سترونه أمامكم مبني على قصة حقيقية، أو على الأقل حقيقية على القدر الذي يمكن أن تكون عليه، فـ (ديك تشيني) هو أحد أكثر القادة سرية على مر التاريخ».
(من الفيلم).
لا أعلم، لكن من الممكن أن يكون الأمر أيسر قليلًا عندما أخبرك أن كلمة (Vice) بالإنجليزية تحمل معنيين، المعنى الأول هو (النائب)، أما المعنى الثاني هو (الخطيئة)(1).
يتحدث الفيلم عن ديك تشيني (Dick Cheney)، السياسي الأمريكي المخضرم، والنائب السابق لرئيس الولايات المتحدة الأمريكي جورج دبليو بوش (George W. Bush)، ويُظهر لنا كيف استطاع (ديك) أن يُحدث فارقًا كبيرًا في مسار التاريخ، ليس من خلف جدران البيت الأبيض فقط، لكن من خلف الكواليس كذلك، هو الشخص الذي لا يظهر أمامك كثيرًا، لكنه يتحكم في كل شيء، بعد مشاهدتك لهذا الفيلم (المحايد للغاية) ستعلم إلى أي مدى وصل نفوذ هذا الرجل، ومدى تأثير قراراته، ومدى تحكمه في كل شيء، حتى في رئيس أقوى دولة في العالم شخصيًّا، ستعرف كيف تحول هذا الرجل من شخص إذا رأيته في شبابه من المستحيل أن تتوقع له أن يصل إلى هذه المكانة يومًا ما، وستعرف لماذا قالوا قديمًا (وراء كل رجلٍ عظيم، امرأة)، صدقني، ستؤمن بتلك المقولة.
الحرباء، إن صح التعبير
«يجب أن أتوقف عن فعل هذا الشيء، إنه غير صحي بالمرة، أنا في منتصف الأربيعينات الآن، سيلاحقني الموت إذا لم أنتبه إلى نفسي قليلًا».
(كريستيان بيل متحدثًا عن تحوله الجسدي)(2).
عندما تريد تقديم كريستيان بيل (Christian Bale)، فكل ما عليك فعله هو إظهار صورة له تحتوي على شكله في فيلم (The Machinist)، وصورة أخرى تحتوي على شكله في فيلم (American Hustle)، ورغم أن التحكم في الوزن، وهو أكثر ما يشتهر به (بيل) في الحقيقة، ليس دليلًا على قوة الممثل، إلا أن هذا الشخص وعلى مدار مسيرته قدم أدوارًا جعلت الكثيرين يصنفونه من بين أفضل أبناء جيله، تنوُّع واجتهاد ودقة في اختيار أدواره جعلته يصعد خشبة مسرح حفل (الأوسكار) عام 2011 ليحمل جائزة (أفضل ممثل مساعد) عن دوره في فيلم (The Fighter). قدم (بيل) مجهودًا رائعًا للغاية في هذا الفيلم، فقد اكتسب حوالي 27 كجم في وزنه(2)، وقام بحلق رأسه بالكامل(3)، كما ستلاحظ بسهولة كيف أن أداؤه مختلفًا هنا، فقد حاول أن يحاكي طريقة تصرف وتعبير وتحدث (ديك) بدقة، كما أنه كان خائفًا من عدم قدرته على التمثيل جيدًا من تلك الأجهزة التي كان يضعها له جريج كانوم (Greg Cannom) خبير المكياج(3)، والذي ترشح لـ (أوسكار) (أفضل مكياج) لما فعله مع (بيل) تحديدًا في هذا الفيلم، لكن (بيل) اعتاد على تلك الأشياء بعد ذلك(4).
أيضًا قدمت إيمي آدامز (Amy Adams) أداءًا جيدًا في دور لين تشيني (Lynne Cheney) زوجة (ديك) والمحفز الكبير له، والتي كانت سببًا في تحويله من مجرد شخصٍ فاشل بلا هدف إلى أهم شخصٍ في البلاد.
قدم كذلك ستيف كارل (Steve Carell)، والذي قام بدور دونالد رامسفيلد (Donald Rumsfeld) وزير الدفاع الأمريكي السابق، بأفضل أداء هزلي في الفيلم تقريبًا، حضوره كان رائعًا منذ لحظات ظهوره الأولى، كما قدم سام روكويل (Sam Rockwell) شخصية الرئيس الأمريكي السابق (جورج دبليو بوش) بطريقة حيادية صادمة، وأظهر كيف أنه كان شخصًا مندفعًا يفتقر لشخصية القائد.
أن تعرف كيف تحكي القصة
« – هل هذا هو المكان الذي يعيش فيه بابا نويل؟
– هذا أفضل، أفضل بكثير، هذا هو المكان الذي تعيش فيه أعظم أمَّة تعيش على وجه الأرض.
– هل أنت أحد أقزامه يا أبي؟
– بطريقة ما، أجل.»
(من الفيلم).
عندما شاهدتُ مسلسل (Narcos) لأول مرة، كنتُ منبهرًا بما أراه أمامي، لكنني لم أكن أعلم بالضبط لماذا أحببت هذا المسلسل، هل بسبب الأجواء التي أرها لأول مرة؟ أم بسبب أداء الشخصيات الرئيسية الاستثنائي؟ أم بسبب عدم توقعي لرد فعل الشخصيات؟ لكنني علمتُ الجواب جيدًا عندما رأيتُ هذا الفيلم، إنها طريقة السرد التي حولت هذا العمل من فيلم سيرة ذاتية لرجل سياسي يحكي القصة بطريقة رتيبة، هذا ما كنت أتوقعه قبل مشاهدة الفيلم، إلى فيلم لا تريده أن ينتهي، الأمر الذي جعل مخرج الفيلم آدم مكاي (Adam McKay) يقول «صدقني، كان من الممكن أن تبلغ مدة هذا الفيلم الثلاث ساعات، ولن يكون هناك مشكلة في ذلك.»(2)، لقد علِم (مكاي) السبب، إنه السيناريو.
يكون الأمر مطمئنًا قليلًا عندما يكون كاتب الفيلم ومخرجه هما نفس الشخص، فوقتها تتأكد أن كاتب القصة سيحكيها بالطريقة التي يريدها، وهذا هو الحال مع (آدم مكاي)، فقد تمكن من صناعة طريقة سرد مدهشة للغاية، ليس لكونها طريقة تجعلك منتبهًا طوال الفيلم تقريبًا، لكن لكونه طبَّق تلك الطريقة في فيلم سياسي، فقد قام بسرد القصة على لسان راوٍ ليس كأي راوٍ رأيتُه من قبل، وتنقَّل بين العصور المختلفة بتلك السلاسة غير الطبيعية، فرغم أن أحداث الفيلم تسير بين ستة عقود مختلفة، إلا أنني لم أخطئ مرة في معرفة في أي عصرٍ نحن الآن، فقط انظر إلى شكل (كريستيان بيل) وستعرف في أي عصرٍ أنت، الأمر الذي اعترف (مكاي) أنه مرهق وصعب للغاية، وأحد المشكلات التي واجهته عند صنع هذا الفيلم(2)، لكنه تمكن من صنع سيناريو فريد للغاية.
لكن كل ما ذكرتُه هنا عناصر من الممكن أن تجعل من هذا العمل فيلمًا جيدًا للغاية، لكن ما جعل منه فيلمًا صادمًا بحق هي (الحيادية) التي يحكي بها القصة، أنت لا تشاهد فيلما أمريكيًا يحكي قصة شخص أمريكي سيظهر أمامك وهو يقتل مائة رجل بقلم رصاص ويضحي من أجل الوطن، كلا، ستشاهد حفنة من الرجال الأنذال ذوي النفوذ الذين لن يتوانوا للحظة واحدة عن فعل أي شيء ما دام في مصلحة بلادهم، وما دام سيرضي شعبهم، أي شيء، مهما بلغت دنائته وحقارته. كذلك استخدم (مكاي) الرمزيات بصورة مباشرة للغاية، استخدمها بطريقة تجعلك تستوعب قليلًا ما الذي كان يدور في رأس (ديك) معظم الوقت.
الأوسكار مر من هنا
يُعد هذا الفيلم من الأفلام التي ترشحت لعدد كبير من جوائز الأوسكار هذا العام، فقد ترشح لثمان جوائز منها (أفضل فيلم) و (أفضل مخرج) و (أفضل سيناريو أصلي)، كما ترشح (بيل) لجائزة (أفضل ممثل رئيسي)، و (إيمي) لجائزة (أفضل ممثلة مساعدة)، و (روكويل) لجائزة (أفضل ممثل مساعد)، لكن عندما تنظر إلى أدائه في الجوائز الأخرى التي ترشح لها ستجد أنه لم يفز سوى بجائزة واحدة من أصل ستة ترشيحات للجولدن جلوب (Golden Globes)، كما أنه ترشح لستة جوائز أخرى من الأكاديمية البريطانية لفنون السينما (BAFTA) ولم يفز سوى بجائزة واحدة كذلك(4)، الأمر الذي يترك لديك انطباع أن هذا الفيلم لن يذهب بعيدًا في (الأوسكار) هذا السنة.
إعداد: أحمد فهمي
المصادر