أطلق الروائي والأديب التُركي «أورهان باموك» على «أحمد حمدي تانبينار» (1901 ــ 1962) لقب «أعظم روائي تركي في القرن العشرين». «أحمد تانبينار» الذي وُلِد وتعلم في زمن الامبراطورية العثمانية القديمة، كان فنانًا ومُفكرًا، وله تأثير قوي على الكُتاب الأتراك الآخرين، حتى على «أورهان باموك» نفسه.
التغيير الثقافي التُركي على يد «أتاتورك»
أصبحت ترجمات الأدب التركي في القرن العشرين نادرة؛ لذلك نجد أن التاريخ والثقافة التركية غير مألوفين لدى قراء اللغة الإنجليزية: على سبيل المثال، في عشرينيات القرن العشرين، أُعيد تنظيم الإمبراطورية العثمانية -والتي كانت في ذلك الوقت أغلبها مُسلم- بشكل جذري وقوي، فتم تحويلها إلى جمهورية علمانية على يد «مصطفى كمال أتاتورك»، تغير كل شيء في الثقافة التُركية من: الأبجدية التُركية وحتى غطاء الرأس والدين، تم التخلي عن كل ذلك على عجل في محاولة التغيير لمحاكاة الواقع والنمط الأوروبي.
هناك طريقة أخرى، نستطيع من خلالها أن نفهم سياسة «مصطفى كمال أتاتورك» في التغيير الثقافي الجذري الذي حصل في تركيا، ألا وهي «الثورة الثقافية» التى يتشارك فيها العديد من القراء في الغرب حيثُ تنص على: «يجب على كل المجتمعات ــ التى تُريد التقدم والتطور ــ أن تُصبح أكثر عقلانية وعلمانية، وتترك ماضيها في المتاحف أو الدين أو حتى الحياة الخاصة.
بعد معرفة حركة التغيير التي سيصبح «أحمدي حمدي تانبينار» جزءًا منها فيما بعد، وجب علينا معرفة:
من هو «أحمد تانبينار»؟
وُلِد «أحمد حمدي تانبينار» في اسطنبول 23 يونيو عام 1901 وتُوفي في اسطنبول في 24 يناير 1962. بسبب عمل والده كـ قاضي عثماني، قضى «أحمد تانبينار» طفولته في مختلف مدن الأناضول، لكنه عاد إلى اسطنبول عام 1918 لمتابعة تعليمه الجامعي، حيثُ التحق أولًا بكلية العلوم البيطرية لمدة عام ثم انتقل إلى كلية الآداب، ودرس فيها التاريخ ومن ثم الفلسفة. استقر أخيرًا على قسم الأدب؛ لأنه أراد أن يتلقى دروسًا من «يحي كمال بياتلي» الذي كان لعمله تأثير كبير عليه، درس «أحمد تانبينار» الأدب الغربي كما أُتيحت له الفرصة لتعلم أعمال شعراء مثل: «Baki» و «Nefî» و«Naili» و«Seyh Galip» وغيرهم.
التعليم والعمل
تخرج من كلية الآداب عام 1923، وعُين في «أرضروم» كمدرس للأدب في مدارس ثانوية مختلفة في: قونيا، أنقرة، واسطنبول. بعد وفاة الأديب التركي المشهور «أحمد هاشم» عام 1933 تم تعيين «أحمد حمدي تانبينار» كمحاضر في كلية الفنون الجميلة ، في قسم تاريخ الفن. ثم في عام 1939 بدأ العمل كأستاذ للأدب التُركي لمعاصر في جامعة اسطنبول، من عام 1946 إلى عام 1948 عمل كمفتش لوزارة التعليم الوطني التركية، لكن بعد ذلك عاد إلى منصبه الأكاديمي في جامعة اسطنبول وقام بتدريس الفنون والأدب حتى نهاية حياته. حتى أن قبره بعد وفاته، زُين بـ «أنا لستُ في نطاق الوقت، ولا أنا خارجه تمامًا».
بدايات دخوله إلى عالم الأدب
كانت قصيدة “Musul Aksamlari” لـ «أحمد حمدي تانبينار» هي خطوته الأولى في عالم الأدب، كان ذلك عام 1920، والتي نُشِرت في مجلة “Altinci Kitap” يحمل شعره تأثيرات من «أحمد هاشم» أكثر من تأثيرات «يحيي كمال» الذي أُعجِب بهما. لقد برز اهتمامه بالفلسفة في رواياته بشكل واضح، ظهر ذلك على شخصيات الرواية عن طريق تسوية حساباتهم مع واقعهم. من ناحية أخرى تتناول مقالاته المشاكل الاجتماعية اليومية المتعلقة بنمط الحياة الشرقية والغربية.
«أحمد تانبينار» والتغيير الغربي
في الوقت الذي كتب فيه «أحمد حمدي تانبينار» قصيدته باتباع أسلوب “Bes Hececiler”، كتب في رواياته عن تحدِّيات استيعاب وفهم أنماط الحياة المختلفة والقيم الشرقية والغربية. لقد صرح «تانبينار» أن الحضارة الغربية تتطور باستمرار لكنها تفعل ذلك دون نسيان تاريخها أو قطع العلاقات معه. علاوة على ذلك: تجد الحضارة الغربية تحمي قيمها المادية والروحية. لذلك تمامًا كما فعل الغرب نحن ــ أي الأتراك ــ بحاجة إلى تغيير القديم والسعي لِنصبح مجتمع أفضل لكن لن نقوم بتقليد الغرب تقليدًا أعمى بل نحنُ بحاجة لحماية قيمنا وتُراثنا.
استخدام عنصر «الزمن» في أغلب رواياته
يُعد عنصر «الوقت» أحد الموضوعات البارزة التي تظهر في مؤلفات «تانبينار» من قصص وروايات. الرأي المُتفق عليه أن «أحمد تانبينار» قد تأثر بأسلوب «مارسيل بروست»، كما تُلاحظ عند قراءة روايات «تانبينار» أن أغلب شخصياته يُحبون العودة إلى الماضي وذلك؛ لأن الماضي هو وقت إدراك مجد وحضارة الأمة. السمة الأكثر أهمية في الرواية هي التزامها بمبدأ وحدة الزمن، حيثُ تقع الأحداث في إطار زمني مدته 24 ساعة. في الرواية، يتم تحديد الوقت من خلال الشخصيات الذين يستعيدون ذكريات الماضي أثناء تواجدهم في الحاضر، لكن في الروايات الأخرى، من المُؤكد تواجد مؤامرة يتصاعد بينها الماضي والحاضر.
نماذج من رواياته التي تُعبر عن التغيير الثقافي
تُعد رواية “aatleri Ayarlama Enstitüsü” من أمثلة الروايات التي تُعبر عن التغيير الثقافي في تركيا، حيث تُظهر العلاقة بين الفرد والمجتمع، والمشكلات والتحديات التي تواجهها تركيا، أثناء محاولاتها فهم واستيعاب الحضارة الغربية.
أما عن رواية “Sahnenin Disindakiler” التى تدور حول سنوات الكفاح الوطني في تركيا، كما تتناول الرواية تجربة الأشخاص الذين ما زالوا غير مُهتمين بحرب الاستقلال، نجد أن شخصيات الرواية في بعض الأحيان تغرق ويأخذها الحنين إلى الماضي لتذكر التغييرات التى حدثت في سنواتهم الأخيرة.
لقد آمَنَ «أحمد حمدي تانبينار» ــ من خلال شخصياته وأعماله الأدبية المختلفة ــ ضرورة التأقلم مع الواقع الجديد لأن ذلك سمة من سمات الحضارة والثقافة العثمانية، والقيم التي أوجدتها خلال تاريخها الطويل، فلا تأخذنا الدهشة حينما نجد آثار الأدب الشعبي والديوان تتغني، وتتألق في كل رواياته وقصائده؛ وبذلك يتكرر شعور الحنين إلى الوطن.
ترجمة: هند يونس
المصادر:
- Ahmet Hamdi Tanpınar [Internet]. [cited 2019 Mar 15]. Available from: https://bit.ly/2TTL22G