«حسنًا، بما أنك طرحت السؤال فأنا أكره الزنوج، وأكره اليهود، وأكره المكسيكيين والأيرلنديين، وأكره الصينيين واللاتينيين، هذا الكلام خارج من فمي حتى يصل للإله، أنا حقًا أكره هؤلاء الزنوج الواشين، وأكره أي أحد لا تجري في عروقه الدماء النقية للعرق الآري الأبيض». (من الفيلم)
إن كنت تظن أن هذه الكلمات خارجة من فم شخص يكسو جسده هذا الجلد الأبيض، فأنت مخطئ، مخطئ تمامًا، فهذا كلام شخص أسود البشرة، مضطَهد، يعاني من العنصرية في كل مكان يذهب إليه!
لم تفهم؟ .. حسنًا لنبدأ.
عضو (كو كلوكس كلان) الأسود
« – أيها الرقيب، بحقك، الشعب الأمريكي لن ينتخب أبدًا شخصًا مثل (ديفيد دوك) رئيسًا لهم!
– وإنه لأمر في غاية السذاجة أن يصدر هذا الكلام من رجل أسود!». (من الفيلم).
أحداث هذا الفيلم حقيقية تمامًا، فهي مبنية على ما جاء في كتاب عضو كلان الأسود (Black Klansman)(1) الذي أصدره بطل الفيلم الحقيقي رون ستالورث (Ron Stallworth) عام 2014، والذي حكي فيه عن نفسه كأول شرطي أسود البشرة في مدينة (كولورادو سبرينغس) بولاية (كولورادو) الأمريكية، والذي أصبح فيما بعد ضابطًا سريًا يتم تكليفه في سبعينات القرن الماضي، أو بالأحرى يتطوع، لاختراق منظمة كو كلوكس كلان (Ku Klux Klan)، أو كما تُعرف اختصارًا بـ (KKK)، لإثبات الجرائم العنصرية والتخريبية عليهم. والـ (KKK) هذه هي منظمة أمريكية عنصرية مخربة متعصبة للعرق الأبيض عمومًا وتعادي الكاثوليكية واليهود وكل ما هو أسود البشرة(2)، الشيء الذي يستدعي (رون) لتشكيل فريق لتنفيذ مهمته عن طريق التواصل مع المنظمة عن طريق الهاتف على أنه شخص أبيض، ويقوم (فليب)، والذي قام بدوره الممثل آدم درايفر (Adam Driver)، بالتواصل مع المنظمة شخصيًا باعتباره نفس الشخص الأبيض الذي يتحدث عبر الهاتف.
الأبطال أولًا
« – هل تعرف ما الذي أفكر فيه؟ محرقة (الهولوكوست) هذه لم تحدث أبدًا، إنها أكبر مؤامرة قام بها اليهود على الإطلاق، ثمانية ملايين يهودي تم قتلهم! معسكرات الاعتقال! كل هذا لم يحدث أبدًا، أين الدليل؟
– هل أنت منتشي؟!
– أنا لا أتعاطى المخدرات، أنا أثمل فقط.
– لأنني سأود القول أن (الهولوكوست) هي أجمل شيء رأته عيناي.». (من الفيلم).
لعلها معلومة صادمة قليلا لكن جون ديفيد واشنطن (John David Washington)، والذي يقوم بدور (ستالورث)، هو ابن صاحب الأوسكارين الممثل دنزل واشنطن (Denzel Washington)(3).
قدم (جون) أداءًا جيدًا للغاية، بل إنه برع في القيام بدور الشخص المضطهد غير المتباكي خفيف الظل، معظم الأحيان، الذي يحاول أن يحدث فارقًا في مجتمعه، كما أن المشاهد التي كانت تجمع بينه وبين (درايفر) هي أكثر مشاهد الفيلم طرافة.
كذلك أجاد توفر جريس (Topher Grace) في أدائه لشخصية القائد السابق الشهير لحركة (KKK) ديفيد دوك (David Duke)، فقد قدم دور الشخص العنصري الذي يَظهر للناس على أنه الإنسان الهادئ السلمي، أيضًا جاسبر باكونن (Jasper Pääkkönen) قدم أداءً رائعًا لشخصية فيلكس كندريكسون (Felix Kendrickson)، الشخص المندفع العنصري الشكاك في كل مَن هو مِن خارج جماعته، والذي هو على أتم استعداد لفعل أي شيء لتنفيذ أفكاره وأفكار طائفته، ولكن بحضور رائع للغاية.
سبايك لي محطم الأصفاد
«أنا لا أشبه معظم صناع السينما، والأفلام التي أقوم بصنعها ليست مثل معظم الأفلام».
(سبايك لي)(4).
يشتهر سبايك لي (Spike Lee) بأنه مخرج الأفلام التي تحمل رسائل للمجتمع الأمريكي على وجه الخصوص، خاصةً تلك الرسائل التي تتحدى العنصرية، فقد أخرج أفلام مثل (Malcolm X)، والذي ترشح لجائزتي أوسكار، و (Do The Right Thing)، والذي حصل على ترشيحين للأوسكار كذلك، فهذا الفيلم يتسم بسمات (لي) الإخراجية المعروفة مثل طريقته في حركة الكاميرا وتركيزه على وجوه الممثلين.
قام (سبايك) في آخر الفيلم بعرض لقطات حقيقية توثق الأحداث العنيفة التي حدثت في أغسطس منذ عامين في مدينة (شارلوتسفيل) في ولاية (فيرجينيا) الأمريكية، والتي كانت بين متظاهرين من القوميين البيض المرتبطين بطائفة الـ (KKK)، أجل تلك المنظمات ما زالت موجودة إلى الآن، وبين متظاهرين معارضين لهم، الأمر الذي أدى لاشتباكات دموية بينهم أسفرت عن مقتل أحد المتظاهرين دهسًا بالسيارة بعدما صدمت حشدًا منهم. أعلن حاكم الولاية حالة الطوارئ بعدها وتم القبض على منفذ عملية الدهس تلك(5).
لأننا نحكم على العمل السينمائي
« – ما الذي قاله دو بويز (Du Bois) عن الوعي المزدوج؟ عن الازدواجية؟ أن تكون أمريكيًا أسود؟ نموذجان متحاربان داخل نفس الجسد!
– هذا كلام قاسٍ يا (باتريس)، أنا أشعر وكأنني شخصان طوال الوقت!».
(من الفيلم).
من الأشياء التي قد تجعلك معجبًا بالفيلم هو أنه على الرغم من كونه يناقش قضية تُعد بعيدة عن ثقافتنا إلا أنه لم يحاول أن يكون فيلمًا مأساويًا منذ البداية، فالطريق لم يكن مظلمًا تمامًا أمام البطل، على العكس لقد استطاع من تكوين صداقات مع ضباط من ذوي البشرة البيضاء، كذلك على الرغم من العنصرية المتوقعة التي كان يتعرض لها، إلا أنه تم تقديم تلك العنصرية بطريقة طريفة في معظم الأحيان؛ ومن هنا تحديدًا نذهب إلى أهم نقطة من نقاط تقييم الفيلم، ألا وهي (اضطراب الهوية)، فرغم أن (لي) رفض تمامًا وصف فيلمه بالفيلم (الكوميدي) قائلًا «أنا لا أراه فيلما مضحكًا»(4)، إلا أنك تشعر، خاصة في بداية الفيلم، أنه فيلما (كوميديًا) في المقام الأول، ثم مع تتابع الأحداث تشعر أنه ينتمي إلى تصنيف أفلام (الكوميديا السوداء)، إلا أن أكثر مشاهد الفيلم مأساوية تجعلك تنحي تلك الفكرة، حاول (لي) صنع فيلما دراميًا به بعض الكوميديا، لكن هناك شيئٌ ما خاطئٌ يجعلك مرتبكًا في تصنيف الفيلم طوال مشاهدتك له.
وهنا يجب أن نتحدث عن أكبر عيب من عيوب الفيلم، وهو انتماؤه لفئة الأفلام الطويلة التي تبلغ ساعتين وربع لكن تسلسل أحداثها بطيء للغاية، الأمر جعلني أشاهد الفيلم على مرتين منقطعتين، فباستثناء المشاهد الطريفة التي كان (واشنطن) بطلها المشترك، إلا أنك ستشعر أن الوقت يمر ببطء شديد في معظم أوقات الفيلم، وأنه كان لا بد الاستغناء عن بعض المشاهد أو حتى تقليل وقتها، ومن الممكن أن يكون السبب أن الفيلم يتحدث في الأساس عن المجتمع الأمريكي، فهي قضية نابعة منه وموجهة إليه، لكن على رغم من طول الفيلم قد استطاع (سبايك) توظيف كادرات الفيلم في معظم الأحيان بشكل رائع للغاية، كما أن الموسيقى التصويرية لعبت الدور الأبرز في مشاهد الفيلم الثورية.
لأنها المعاناة
«إذا لم أدافع عن نفسي، فمن سيدافع عني؟ إذا لم أدافع عن نفسي بنفسي، فمن أنا؟ إذا لم يكن قد حان الوقت، فمتى إذًا؟ وإذا لم يكن أنت، فمن إذًا؟»
(من الفيلم)
في مراجعته لهذا الفيلم حكى (هشام درباس)(6) عن موقف تعرض له أثناء مشاهدته للفيلم في السينما، وهو أنه عندما انتهى العرض وجد امرأة أمريكية بيضاء تبكي بشدة عندما تم عرض لقطات من مظاهرات (شارلوتسفيل) التي تحدثنا عنها، الأمر الذي جعل الآخرين ممن يحملون جنسيات مختلفة يتعجبون من بكائها الشديد! وهنا تكمن المفارقة؛ فهذا الفيلم غير موجه لعامة الناس، فهو يناقش قضية متأصلة في جذور المجتمع الأمريكي؛ لذا فهم الذين يتوقع منهم التأثر، إيجابًا أو سلبًا، بهذا الفيلم.
الأوسكار مر من هنا
على الرغم من أن الفيلم يُعد عودة (سبايك) الكبرى لمهرجان كان (Cannes Film Festival) بفوزه بجائزتين من أصل ثلاث ترشيحات، بعد آخر ترشيح له في المهرجان بفيلمه (Do The Right Thing) منذ 30 سنة، إلا أنه يعد من الصعب للغاية القول بأن حظوظ الفيلم كبيرة في مهرجان الأوسكار، فعلى الرغم من ترشحه لستة جوائز، أهمها أوسكاريّ (أفضل فيلم) و (أفضل مخرج)، إلا أنه لم يفز بأي جائزة من ترشيحاته الأربعة لجائزة الجولدن جلوب (Golden Globes)، كما حصل على خمسة ترشيحات لجوائز بافتا (BAFTA Awards) لم يفز منها سوى بجائزة (أفضل سيناريو مقتبس)(7).
لكن الأمر الذي يجعل جمهور الفيلم متفائلًا قليلًا هو أنه بجانب الجوائز التي حصدها أن السياسات العامة حاليًا في أمريكا على وجه الخصوص تناصر الفيلم وقضيته.
إعداد: أحمد فهمي
- المصادر
- https://www.businessinsider.com/spike-lee-blackkklansman-reviews-electrifying-true-story-2018-8?r=UK#blackkklansman-announces-from-the-jump-that-viewers-are-in-for-a-lush-sensory-treat-as-lee-plays-with-the-film-vernacular-hes-manipulated-so-adroitly-and-expressively-for-three-decades-5
- https://www.splcenter.org/fighting-hate/extremist-files/ideology/ku-klux-klan
- https://www.imdb.com/name/nm0000243/bio?ref_=nm_ov_bio_sm
- https://www.vanityfair.com/hollywood/2018/07/spike-lee-on-blackkklansman-the-trump-era-and-his-place-in-the-canon
- https://www.nytimes.com/2017/08/13/us/charlottesville-rally-protest-statue.html
- https://www.youtube.com/watch?v=1qSkEIFbuig
- https://www.imdb.com/title/tt7349662/awards?ref_=tt_awd