بحث جديد يُقلص الفجوة بين علم الكونيات والفيزياء الفضائية

PIA10237

||

في ظل سعينا المستمرِ لفهم الكون بشكلٍ أعمق؛ نجدُ أنّ هناك فجوة كبيرة بين معتقدات علماء الكونيات (cosmology) وعلماء الفيزياء الفلكية (Astrophysics)، فعادةً ما يهتم علماء الكونيات بدراسة الخواص المميزة للكون على نطاق واسع مثل المجرات ومابينها من مسافات شاسعة، في حين يهتم فيزيائيو الفلك باختبار النظريات الفيزيائية على نطاقٍ أصغر حجمًا مثل (انفجارات المستعرات العظمى – Supernova)، والنجوم وما بينها من مسافات داخل المجرات ولكن، لوهلة نجدُ أنّ هناك تقارب كبير بين هاذين المجالين، خاصةً عندما يتعلق الأمر بدراسة بداية نشأة الكون.

تظهر هذه المحاكاة سلوك الغاز المضطرب الناتج من انفجار مستعر أعظم بجوار نجم حديث النشأة.
Credit: Ken Chen, East Asian Core Observatories Association

وقام عالم الفيزياء الفلكية كين تشين Ken Chen، الباحث في مركز شرق آسيا لمراقبة النجوم (EACOA)، مع فريقه بنشر ورقة بحثية في مجلة الفيزياء الفضائية، والتي تتعلق بدراسة تأثير أول انفجار نجمي على نشأة النجوم لاحقًا، ودراسة تطور الكون بشكلٍ كُلي. حيث قال:

«يعدُ أول انفجار نجمي مثير للاهتمام، ليس فقط بالنسبة لمن يقومون بدراسة النجوم، ولكن لعلماء الكونيات أيضًا. كانت النجوم الأولية كبيرة الحجم لدجة أنّ انفجارها الهائل كان مصدرًا لغالبية العناصر الكيميائية الموجودة في الجدول الدوري الحالي، وبالنسبة لعلماء الكونيات تعدُ هذه العناصر هامة للغاية بسبب دورها الكبير في انخفاض حرارة النجم وتحديد معيار كتلتها، والتي تحدد الشكل النهائي للمجرات لاحقًا.»

وفي سبيل هذه الدراسة، قام الدكتور كين وزملائه الباحثين من جامعتي (بورتسموث وهيدنبرج)، باستخدام الحاسب الآلي الفائق (إديسون) بالمركز القومي العلمي لأبحاث الطاقة الحاسوبية (NERSC) بجامعة بيركلي، ببناء نموذج محاكاة يوضح كيف ساهمت هذه العناصر الثقيلة المتخلفة من انفجار النجوم الأولية في تنظيم نشأة النجوم اللاحقة، حيثُ اعتمدت الفكرة على استخدام البحث السابق لدكتور كين الخاص بدراسة انفجارات المستعرات العظمى فقط، وتطويره ليشمل علم الكونيات.

وفي هذا الصدد يقول كين:

«أردنا فهم المستعرات وكيف كانت نهاية حياة النجوم الضخمة في بدايات الكون، وكيف تؤثر تلك الانفجارات في بنية النجوم لاحقًا. هناك العديد من التصورات التي قد توضح كيفية انتقال المواد المتخلفة عن انفجار النجوم الضخمة إلى الجيل الثاني من تلك النجوم، ولكن المشكلة هنا أن النماذج المعيارية لعلوم الكونيات دائمًا ما تهتم بتوضح نشأة المجرات وبنية الكون على شكل موسع؛ مما لا يدع لنا مجالًا لدراسة التفاصيل الصغيرة المتمثلة في التأثير الدقيق لانفجارات المستعرات على منطقة الغاز المحيطة بها وتكوين النجوم.»

ولهذا قام الدكتور كين وزملائه ببناء نموذج محاكاة عالي الجودة لأبعاد صغيرة، والذي يوضح كيف تنتقل العناصر الأولية المتخلفة عن انفجار المستعرات إلى حيز الكتلة المظلمة المحيطة بهذا النجم.

احتاج هذا الأمر إلى قضاء مئات الآلاف من الساعات الحسابية لإخراج سلسلة من نماذج محاكاة ثنائية وثلاثية الأبعاد، والتي من شأنها أن تساعد في دراسة عملية تبخر هالة الكتلة المظلمة -وهي حدوث عملية تأيين للغازات بواسطة إشعاعات الطاقة مؤديًا لتشتيت هذه الغازات وخروجها من تلك الهالة- ودورها الكيير ليس فقط في نشأة النجوم، بل أيضًا في تشكيل المجرات ذاتها.

ويشرح كين:

«في بداية الكون كانت النجوم كبيرة للغاية وإشعاعاتها شديدة القوة؛ لذا فوجود مثل هذه الإشعاعات من شأنه أنْ يُحدث تغيرًا كبيرًا بالفعل في حالة هذه الغازات المحيطة بهالة النجم نفسه، حتى قبل أنْ تنتهي فترة حياة النجم وانفجاره.»

يعد حدوث هذا التبخر الجزئي لهالة الكتلة المظلمة المحيطة بالنجم قبل انفجاره أمرًا حاسمًا في انتفال العناصر لهذه الهالة لاحقًا بعد الانفجار، وتعد أيضًا معرفة كيفية امتزاج العناصر المتخلفة عن الانفجار بتلك الهالة أمرًا هامًا في معرفة كمية العناصر المستخدمة لبناء الجيل القادم من النجوم؛ مما سيؤثر على كتلتها وحجمها، وتكوين المجرة ككل.

هذا ما أكده دكتور كين مضيفًا:

«لم تتمكن الدراسات السابقة لعلم الكونيات أن تربط النقاط الموصلة بين بناء النجم ونشأة المجرة، وهذا ما دفع الباحثين لاستخدام طرق فيزيائية متعددة ومقاييس متنوعة عن طريق استخدام لغات برمجية خاصة مثل (ZEUS-MP) والتي لها خواص نقل الإشعاعات اللازمة لحدوث تبخير لهالة النجم، ولغة (CASTRO) والتي تمّ تطويرها في معامل جامعة بيركلي (Berkeley)، والتي لها خواص تُمكنها من مطابقة عملية الامتزاج التي تحدث بين المواد المتخلفة عن الانفجار وهالة الكتلة المظلمة المحيطة.»

«كل هذه التعقيدات الكثيرة من تفاصيل تقنية وفيزياء معقدة؛ جعل هذه التصورات أكثر صعوبة وتعقيدًا، إلّا أننا لازلنا نحاول أنْ نُقلل من حيز الفجوة الموجودة بين النموذج النجمي الصغير والآخر المَجري الكبير؛ وهذا ما يجعل هذه الدراسة في رأيي فريدة من نوعها، فنحن نحاول أنْ نتخطى حدود معرفتنا، وربط ما يُعتَقد أنهما بعيدين عن بعضهما، على الرغم من كونهما في الحقيقة شديدي الترابط.»

من الجديرِ بالذكرِ أنَّ دكتور كين قد بدأ أبحاثِه الحاسوبية تلك في المعهد القومي العلمي لأبحاث الطاقة الحاسوبية منذُ عام 2009 حيثُ تخرج من جامعة منستوا (Minnesota)، معتمدًا على طاقم المعهد والحاسوبات الفائقة لإتمام هذا العمل.

«يعتبرُ العامل الحسمي لجعلِ هذه الآلات مفيدة إلى هذا الحد التخيلي والأكثر إنتاجًا، ليس فقط سرعة أدائها، ولكن كفائتها الكبيرة في أداء العمل، والذي قد يتطلب مجهودًا ضخمًا من فريق العلماء والباحثين، وهذا يعطينا فرصة أكبر للعمل بمعدل أسرع، وهذا أمر مهم.»

 

ترجمة: مجدي ممدوح محمد

مراجعة: محمد المصري

تدقيق لغوي: محمود الدعوشي

المصدر:

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي