اليوم من المتوقع أن يكون آخر أيام مركبة ناسا الفضائية كاسيني (Cassini) في مهمتها في السباحة حول كوكب زحل، حيث يعتبر غوصها -الأمر المصيري- في الخامس عشر من شهر سبتمبر أمرًا معروفًا ونتيجة متوقعة سلفًا؛ فالدَفعة الجاذبية التي دفعها قمر (تيتان – titan) -الخاص بكوكب زحل- للمركبة في 22 أبريل الماضي وضعت المركبة التي تزن طنين ونصف طن على مسار الهلاك الوشيك.
وفي هذا الصدد قالت (ليندا سبيلكر – Linda Spilker) -عالمة بمشروع كاسيني من مختبر الدفع النفاث (Jet Propulsion Laboratory) الخاص بناسا الواقع في مدينة باسادينا بولاية كاليفورنيا-:
“امتلأت بعثة كاسيني بالأسباق العلمية، وستستمر تلك الاستكشافات الكوكبية للمركبة حتى قرب نهاية البعثة؛ حيث أنَّ المركبة كاسيني أصبحت أول مسبار خاص بكوكب زحل يقوم بأخذ عينات من غلاف زحل الغازي حتى آخِر لحظة”، كما أضافت: “وفي أقرب وقت ممكن سنقوم بإرسال تلك البيانات، وذلك لأننا نندفع مباشرةً خلال الغلاف الجوي. إنه حقًا الحدث الأول من نوعه يحدث لكوكب زحل”.
ومن المتوقع أنْ تفقد المركبة كاسيني اتصالها مع الأرض خلال دقيقة أو دقيقتين بعد بدء هبوطها إلى الغلاف الجوي العلوي لزحل، ولكن في طريقها في الهبوط وقبل انقطاع الاتصال، ثمانية من الآلات العلمية الخاصة بالمركبة ستبدأ بالعمل، وعلى وجه الخصوص سيبدأ مطياف المركبة ((ion and neutral mass spectrometer (INMS) الذي سيقوم مباشرةً بأخذ عينات لتركيب الغلاف الغازي وتكوينه، والذي من المحتمل أن يعيد وجهة نظرنا ورؤيتنا لتكوين وتطور هذا الكوكب العملاق.
وفي اليوم الذي سبق الغوص ستقدم أجهزة أخرى بالمركبة ملاحظات مفصلة وعالية الدقة لكل من: شفق زحل، درجة حرارته، والدوامات عند قطبي الكوكب، وخلال هذا الهبوط ستكون كاميرا كاسيني مغلقة، هذا بعد أن ألقت نظرة أخيرة على الكوكب في اليوم السابق: (14 سبتمبر).
وفي أسبوعها الأخير وفي طريقها للغوص الأخير، مرت كاسيني بمعالم عديدة (والتي من المحتمل أنها تغيرت عن ما كان متوقع لها ولكن بنسبة بسيطة):
ففي الأيام الماضية ألقت كاسيني نظرتها الأخيرة لنظام زحل من خلال كاميرات التصوير الخاصة بها، مرسلةً إلينا صورًا لقمري تيتان وإنسيلادوس (Enceladus)، كما أنها ألتقطت صورًا للتيارات الهوائية سداسية الشكل التي تدور حول القطب الشمالي للكوكب، بالإضافة إلى تصويرها لصفات أخرى تخص الحلقات.
وهذا جدول زمني لليوم الأخير لكاسيني قبل هلاكها على كوكب زحل:
(15 سبتمبر – 4:37 صباحًا بتوقيت شرق الولايات المتحدة / 1:37 بتوقيت منطقة المحيط الهادئ) ستبدأ مرحلة الغوص الأخير، وستبدأ المركبة في الدوران لمدة خمسة دقائق لتوجيه مطياف الـ(INMS) -المذكور آنفًا- لأفضل وضع يسمح له بأخذ عينات من الغلاف الغازي، وإرسال البيانات في أقرب وقت ممكن من حينها وحتى انتهاء أجل البعثة.
(15 سبتمبر – 7:53 صباحًا بتوقيت شرق الولايات المتحدة / 4:53 صباحًا منطقة المحيط الهادئ) ستدخل المركبة الغلاف الغازي لزحل، وستطلق فوهات دفع الغاز طاقة حرارية بمقدار 10% من قدرتها للحفاظ على ثباتها الاتجاهي، مما سيمكن هوائي التوجيه الخاص بالمركبة من البقاء موجهًا باتجاه الأرض مما سيمكن من استمرار تدفق وبث البيانات.
(15 سبتمبر – 7:54 صباحًا بتوقيت شرق الولايات المتحدة / 4:54 صباحًا بالتوقيت الباسيفيكي) سيتم دفع المركبة بأعلى طاقة تحريكية يمكن ضخها من فوهات الدفع، وهنا ستطغى قوى الغلاف الجوي على قدرة الدفاعات من التحكم في اتجاه المركبة، وسيفقد هوائي التوجيه توجيهه باتجاه الأرض، وفي هذه اللحظة من المتوقع أنْ ينقطع الاتصال من المركبة وذلك على مسافة 940 ميل (1,510 كيلومتر) فوق قمم سحب زحل، وستكون بذلك بعثة المركبة كاسيني قد انتهت. وبعدها بلحظات قليلة ستتحطم المركبة كالنيازك الأرضية.
وبإكمال المركبة كاسيني لجولتها الخاصة بزحل التي استغرقت 13 سنة ومهمة (Grand Finale) -والتي بدأت في شهر أبريل الماضي- ومهمة (final plunge) يعتبروا فوزًا لصالح المركبة في جولتها الأخيرة، وفي أعقاب مهمة أولية مدتها 4 أعوام وعامين أضافيين.
كما وافقت وكالة ناسا على خطة طموحة لتمديد خدمة المركبة كاسيني لسبعة أعوام إضافية. والتي سميت بـ(Cassini Solstice Mission)، وكان من المقرر أن تكون مهمة كاسيني في تلك المدة الممتدة لها أن ترصد العديد من أقمار زحل، لأن المركبة لاحظت تغيرات موسمية في الغلاف الغازي لكل من زحل وقمة تيتان.
ومنذ البداية، كان المخطط النهائي لبعثة (Cassini Solstice Mission) هو استهلاك كامل وقود المركبة في عمليات الاستكشاف، وبالوصول بها في نهاية المطاف إلى مدارات (ultra-close Grand Finale)، وفي الأخير الانتهاء الآمن من المركبة في الغلاف الغازي لزحل.
وقد صرَّح آرل ميز (Earl Maize) -مدير مشروع كاسيني بمختبر الـ(JPL) الخاص بوكالة ناسا بمقاطعة باسادينا بولاية كاليفورنيا-: “كانت نهاية بعثة كاسيني لحظة مؤثرة، ولكنها نهاية مناسبة وإنجاز مهم جدًا لرحلة مذهلة”، كما أضاف: “يمثل ال(Grand Finale) نتاجًا لخطة استغرقت سبعة أعوام لاستخدام موارد المركبة الباقية بأفضل طريقة إنتاجية علمية ممكنة، فبالانتهاء من المركبة في غلاف زحل الغازي استطعنا أن نتجنب أي احتمالية لتأثر كاسيني في أحد أقمار كوكب زحل في طريقها للهبوط أو إحداث ضرر به، وحفظهم على طبيعتهم لاسكشافات مستقبلية.”
منذ انطلاقها في عام 1997، أحدثت استكشافات كاسيني ثورة في معرفتنا بكوكب زحل وحلقاته المعقدة وتلك المجموعة المذهلة من أقماره وبيئته المغناطيسية الحركية، وبمجرد وصول كاسيني لأبعد مدار كوكبي تم الوصول إليه بدأت فورًا بعمل استكشافات مدهشة حينها والتي استمرت حتى يومنا هذا، ومنها:
- المقذوفات الثلجية القادمة من القمر الصغير إنسيلادوس التي وفرت لنا عينات من محيطاته، ودلائل على نشاط حراري مائي.
- حصار بحيرات وبحار تيتان الهيدروكربونية بسائلي الميثان والإيثان، ومركبات الـ(pre-biotic chemicals) المتكونة في الغلاف الغازي للقمر والتي تسقط على سطح القمر عن طريق الأمطار.
- الأبراج ذات البنْية ثلاثية الأبعاد فوق حلقات زحل.
- عاصفة زحل العملاقة والتي طوقت الكوكب بأكلمه لأكثر من عام
استكشافات كاسيني الخاصة بكوكب زحل دعّمت فهم العلماء للعمليات التي تمت في عمليات تشكيل الكوكب.
(Cassini-Huygens) هو مشروع تعاوني بين كل من وكالة NASA ووكالة الفضاء الأوروبية (ESA) ووكالة الفضاء الإيطالية، ويتسلم مختبر ناسا للدفع النفاث (JPL) بمقاطعة باسادينا مهمة إدارة بعثة ناسا العلمية بواشنطن، حيث قام المختبر بتصميم وتطوير وجمعت مدار المركبة كاسيني.
ترجمة وإعداد: محمود الدعوشي
مراجعة: Mohammed Abkareno
المصدر: NASA