المادة المظلمة، الكتلة الزائدة الغامضة في الكون التي لا تشع أي ضوء ولا تتفاعل مع أي شيء، ربما قد تكونت في الواقع من الثقوب السوداء البدائية التي نشأت مع الانفجار الكبير. ربما يمكن لهذه الثقوب السوداء الصغيرة أن تشكر بوزون هيغز على ولادتهم، على الأقل وفقاً للنظرية الجديدة.
هذه النظرية الموضحة في 23 مارس في دورية Physical Review Letters، تفترض أن الثقوب السوداء البدائية قد تكونت من عدم الاستقرار في الحقل الذي أدى إلى ظهور بوزون هيغز، الجسيم الغامض الذي تم اكتشافه في مصادم الهادرونات الكبير (LHC).
وقال الباحث المشارك في الدراسة أنطونيو ريوتو، وهو عالم في الفيزياء بجامعة جنيف في سويسرا:
«من حيث المبدأ قد يكون التفسير محصوراً لكل المادة المظلمة في تكوين الثقوب السوداء البدائية».
ومع ذلك لا يقتنع الجميع، حيث يقول بعض الفيزيائيين أن هذه الثقوب السوداء البدائية لا تفسر على الأرجح كل المادة المظلمة الموجودة في الكون.
ثقوب سوداء صغيرة
ينشأ بوزون هيغز كتموج فيما يسمى حقل هيغز الذي يتخلل الكون ويعطي الجزيئات كتلتها. عندما تم اكتشاف بوزون هيغز، وجد أنه كان أثقل بنحو 126 مرة من البروتون، وهذا أخف من توقعات العديد من الفيزيائيين. وبعد إجراء بعض الحسابات، أدرك علماء الفيزياء أن هذه الكتلة تعني أن حقل هيغز قد لا يكون في وضعه الأكثر استقراراً.
والأكثر من ذلك، فإن كتلة هيغز تشير إلى أنه خلال تضخم الكون المبكر وعندما تسارعت المادة إلى الخارج مباشرة بعد الانفجار الكبير، فإن حقل هيغز غير المستقر شهد تقلبات كمية، حيث كانت هناك كثافة مختلفة للمادة في أجزاء مختلفة من الحقل.
ووفقًا للدراسة الجديدة، فإن هذه التقلبات صنعت تجويفات صغيرة في الفضاء حيث كانت كثافة الكتلة عالية جدًا حتى انهارت على نفسها مكونة ثقبًا أسود.
النظرية جذابة على عدة مستويات حيث إن المادة المظلمة لا ينبعث منها ضوء قابل للكشف وحتى الثقوب السوداء أيضاً لا ينبعث منها ضوء. ويمكن أن تكون الثقوب السوداء البدائية، إن وجدت، دليلاً مادياً على أن حقل هيغز في حالة شبه مستقرة. يمكن للنظرية الجديدة أيضاً أن تفسر المادة المظلمة دون الحاجة إلى فيزياء ما وراء النموذج العياري، الذي يصف سلوك الجزيئات دون الذرية الصغيرة.
وفي حالة وجود هذه الثقوب السوداء البدائية، كيف سيجدها الفيزيائيون؟ هل سيبدو حالهم اليوم كما كان عليه عندما ولدوا قبل حوالي 14 مليار سنة؟ كما أخبر ريوتو موقع Live Science، أنه مع مرور الوقت قد تكون الثقوب السوداء قد جذبت واستحوذت على كتلة أكثر فأكثر.
لكن قد تكون هناك قوة أخرى تستنزف الكتلة من هذه الثقوب السوداء مثل إشعاع هوكينغ. يعتقد ستيفن هوكينغ أنه بسبب التأثيرات الكمومية تقوم الثقوب السوداء بانبعاث الجسيمات والطاقة. وبمرور الوقت قد يسبب إشعاع هوكينغ لهم تبخر بالكامل، وبذلك سيكون الأصغر هو الأسرع في الاختفاء. تتسم هذه الانبعاثات بالهدوء والخفوت بحيث لا يتم اكتشافها أبداً، وبالرغم من ذلك فإن معظم العلماء يعتقدون بوجودها. وبين اكتساب المزيد من الكتلة مع مرور الوقت وخسارتها من خلال إشعاع هوكينغ على مدى 14 مليار سنة، فإن بقايا الثقوب السوداء البدائية اليوم قد تكون إما صغيرة أو هائلة.
فكرة مثيرة للجدل
فكرة أن الثقوب السوداء الموجودة اليوم يمكن أن تشكل كل المادة المظلمة في الكون مثيرة للجدل نسبياً. فلقد استبعد الفيزيائيون الثقوب السوداء ذات الكتلة المنخفضة، لأنه لم يتم اكتشاف ما يكفي منهم لشرح كل الكتلة الإضافية في الكون. ومع ذلك، لم يستبعد الفيزيائيون وجود ثقوب سوداء متوسطة الحجم. على سبيل المثال، في فبراير 2016، أعلن مرصد الموجات الثقالية بالتداخل الليزري (LIGO) أنه اكتشف ثقبين أسودين مدمجين كانا أكبر بمقدار 29 و 36 مرة من شمسنا. وفي هذا النطاق لم تكن الثقوب السوداء الباقية مستبعده مما جعل الباحثون يأملون إمكانية اكتشافها.
لكن بعض الفيزيائيين يشكون في أن هذه الأجسام السماوية قد تفسر الكثير من المادة المظلمة في الكون. فقد قال سيميون بيرد، عالم فيزياء الثقوب السوداء في جامعة كاليفورنيا، لـ Live Science:
«بالنظر إلى ما نعرفه اليوم، فإنه من الغير محتمل إلى حد كبير أن تكون الثقوب السوداء البدائية هي المادة المظلمة”، لكن لا يوجد سبب يمنعهم من ان تكون من 1 إلى 10 في المائة منها، كما يقترح هذا النموذج. أسهل طريقة لإظهار ان كان ذلك صحيح هو اكتشاف ثقب أسود بدائي.»
وقال بيرد إن تلسكوب المسح الشامل الكبير، الذي يجري حاليا تشييده في شيلي، سيكون مثالياً للبحث عن هذه الثقوب السوداء القديمة.
كان مارك كاميونكوفسكي (Kamionkowski)، عالم الفيزياء النظرية في جامعة جونز هوبكينز، الذي كتب أبحاثاً دفاعاً عن الثقوب السوداء كمواد مظلمة، حذراً بالمثل. حيث قال:
«إن ثقتي في فكرة أن الثقوب السوداء تشكل المادة المظلمة قد اهتزت قليلا في العام الماضي، لأن LIGO لم يعثر على ما يكفي من الدلائل لاندماج الثقوب السوداء لتبرير النظرية. ولكنني لا أزال أرى سيناريو مختلف. لذا فإن هذه الأبحاث الجديدة، التي تقدم آلية مبكرة للكون لإنتاج مثل هذه الثقوب السوداء، هي مثيرة للاهتمام للغاية.»
لا تزال الثقوب السوداء البدائية افتراضية، إلى أن نكتشف ثقوباً سوداء بكتل أقل من شمسنا، ولا يمكن إثبات تفسير حقل هيغز الذي اقترحه هؤلاء الباحثون من دونهم.
لا يعتقد الجميع، كما يفعل هؤلاء الباحثون، أن الثقوب السوداء البدائية والمادة المظلمة يمكن أن تكون واحدة. ولكن كما قال كاميونكوفسكي لـ Live Science في عام 2017:
«إنها فكرة مجنونة، فكل فكرة عن المادة المظلمة قد تكون فكرة مجنونة.»
ترجمة: سماهر محمد
مراجعة: محمد المصري
المصدر: