كشفت ملاحظات جديدة من مرصد ألما (Atcama Large Millimeter Array-ALMA) حدث قريب لم يسبق له مثيل ومشرق بشكل مذهل بين مجرتين هائلتين في وقت مبكر من بداية الكون. إنَّ ما يُسمى بالمجرات النجمية شديدة الإضاءة هي حدث نادر جدًا في هذه الحقبة من التاريخ الكوني بالقرب من الوقت الذي شُكلت فيه المجرات لأولِ مرة، وقد تُمثل أحد أكثر الأمثلة تطرفًا لتشكيل النجوم العنيفة التي تمَّ رصدها على الإطلاق.
وقد قام الفلكيون برصد التفاعل بين هاتين المجرتين والمعروفة بإسم «ADFS 27»، حينما بدأوا في عملية اندماجهم في شكل واحد تدريجيًا لتكوين مجرة إهليلجية ضخمة. وقد ساعدت إحدى التصادمات الجانبية بين الإثنين في إطلاق كمية من محتوياتهما خارجًا بشكل مذهل فتشكلت بعض النجوم. ويتكهن العلماء بأنَّ هذه العملية في نهاية المطاف سوف تتسبب في تشكيل كتلة مركز المجرة بأكملها. وتُعد العناقيد المجرية من أضخم البِنَى الموجودة في الكون.
تَحدث «دومينيك ريتشارز – Dominik Riechers»، وهو فلكي بجامعة كورنيل بايثاكا بولاية نيويورك، وقال:
«إن العثور على مجرة واحدة من هذا النوع أمرٌ مُهمٌ في حد ذاته، فما بالك إذا حصلنا على إثنين منهم. ونظرًا لبعد المسافة القصوى عن الأرض ونشاط النجوم داخل كل منهما، فمن الممكن أن نشهد اندماج المجرات الأكثر كثافة والمعروفة حتى الآن».
ويقع زوج المجرات ADFS 27 على بعد 12.7 مليار سنة ضوئية من الأرض في اتجاه كوكبة دورادو، وعند هذه المسافة يعرض علماء الفلك مشهد هذا النظام كما بدأ عندما كان عمر الكون حوالي مليار سنة.
واكتشف علماء الفلك هذا النظام لأول مرة مع مرصد الفضاء «هيرشل – Herschel» التابع لوكالة الفضاء الأوروبية، والذي ظهر كنقطة حمراء واحدة في أثناء مسح التليسكوب للسماء الجنوبية. وأشارت الملاحظات الأولية إلى أنَّ هذا الجسم يبدو في الواقع مضيء جدًا وبعيد أيضًا للغاية، كما أكدت ملاحظات المتابعة مع تلسكوب «أتكاما باثفيندر إكسبريمنت أبيكس – Atacama Pathfinder EXperiment APEX» هذه التفسيرات الأولية والتي مهدت الطريق لملاحظات ألما الأكثر تفصيلًا، ومع ارتفاع أعلى في الدقة وفي الحساسية، وقياس ألما المسافة بدقة لهذا الجسم كشفت أَّنه في الواقع يتكون من مجرتين.
وتوحي ظاهرة اقتران المجرات النادرة بأنَّ المجرتين تقيمان داخل منطقة كثيفة بشكل خاص في الكون في تلك الفترة، وذلك وفقًا لما ذكره الفلكيون.
كما تشير ملاحظات ألما الجديدة أنَّ النظام «أدفس – 27» لديه ما يقرب من 50 ضعف كمية الغاز التي شكلت نجوم مجرة درب التبانة. وقد قال ريتشرز: «سيتحول الكثير من هذا الغاز إلى نجوم بسرعة كبيرة.» وتشير الملاحظات الحالية إلى أنَّ هاتين المجرتين تُنتجان نجوم بوتيرة متسارعة، حوالي ألف مرة أسرع من مجرتنا.
المجرات والتي تبدو كأنها مسطحة مثل الأقراص الدوارة هي في الحقيقة مليئة بالنجوم الزرقاء الضخمة والمشرقة للغاية، ومعظم هذه النجوم مضيئة بكثافة، ومع ذلك لا يجعلها أبدًا خارج المجرات نفسها، ببساطة هناك كثيرٌ من الغبار بين كلًا منهم وكثيرٌ من الغموض. وهذا الغبار يمتص ضوء النجوم ويقوم بتسخينها حتى تظهر بوضوح في الأشعة تحت الحمراء، كما يعبر هذا الضوء المسافات الكونية الشاسعة إلى الأرض، والتوسع المستمر للكون يجعل الأطوال الموجية للأشعة تحت الحمراء أطول بمليمتر أو عدة مليمترات، والفضل يعود في تفسير ذلك لظاهرة دوبلر المعروفة.
تمَّ تصميم مرصد ألما خصيصًا لكشف ودراسة هذا النوع من الضوء، مما مكّن الفلكيون من تحليل الضوء ومعرفة أنَّ مصدر الضوء عبارة عن جسمين، وأظهرت الملاحظات أيضًا الهياكل الرئيسية لشكل المجرتين، وكشفت عن مميزات أخرى مثل الذيل الذي تشكل عند اللقاء الأول.
وتشير الملاحظات إلى أنَّ المجرتين تبلغان حوالي 30000 سنة ضوئية، يتحركان بسرعة تقدر تقريبًا بعدة مئات من الكيلومترات في الثانية بالنسبة إلى بعضهم البعض، كما أنَّها لاتزال تتفاعل جذبيًّا حيث أنَّ كلًا منهم سوف يبطئ ويسقط داخل الآخر، مما يؤدي إلى عدة مواجهات قبل الاندماج الضخم، فتتكَون المجرة الإهليلجية، ويتوقع علماء الفلك أنَّ هذه العملية سوف تستغرق بضع مئات الملايين من السنين.
وأشار ريتشرز إلى ملاحظة:
«نظرًا لبعد المسافة تُعد تلك المجرات غير مكتشفة تمامًا في الأطوال الموجية المرئية.»
وفي نهاية المطاف نحن نأمل في الجمع بين ملاحظات ألما والملاحظات بالأشعة تحت الحمراء في المستقبل مع تلسكوب ناسا جيمس ويب، حيث يُشكل هذين التلسكوبين فريق الأحلام لفَهمٍ أفضل لطبيعة هذا الحدث وغيره من الأحداث النادرة للغاية والمتطرفة.
ترجمة: أحمد محمد سعد
مراجعة: آية غانم
المصادر: