السفر عبر الزمن: نظريات، مفارقات وإمكانيات

time-travel

[vc_row][vc_column][vc_column_text]كان السفر عبر الزمن، التحرك بين نقطتين مختلفتين في الوقت، موضوع مهم في الخيال العلمي لعقود. وشهدت الامتيازات التي تتراوح من «دكتور هو» إلى «ستار تريك» إلى «العودة إلى المستقبل» البشر يدخلون في عربةٍ من نوعٍ ما ويَصِلون إلى الماضي أو المستقبل، جاهزين لتأخذهم في مغامرات جديدة.

الواقع رغم ذلك، أكثر اضطرابًا. ليس كل العلماء يصدقون أن السفر عبر الزمن شيء ممكن. يقول حتى البعض أن المحاولة قد تكون خطيرة لأي انسان اختار أن يتولى ذلك.

فهم الزمن

في البداية ما هو الزمن؟ بينما يظن بعض الناس أن الزمن ثابت، أظهر الفيزيائي ألبرت أينشتاين أن الوقت وَهم: إنه نسبي، أي أنه من الممكن أن يتغير مع اختلاف المُلاحِظين اعتمادًا على سرعتك في الفضاء. بالنسبة لأينشتاين، الزمن هو البُعد الرابع. يُوصف الفضاء بحلبة ثلاثية الأبعاد، والتي تعطي المُسافر إحداثيات، مثل الطول والعرض والارتفاع، لتُظهر الموقع. يعطي الزمن إحداثي آخر، الاتجاه، على الرغم من أنه تقليديًا يتحرك للأمام. (على العكس، تؤكد نظرية جديدة أن الوقت «حقيقي».)

تقول نظرية أينشتاين في النسبية الخاصة أن الوقت يُبطئ أو يُسرع مُعتمدًا على سرعة حركتك بالنسبة إلى شيء آخر. بالاقتراب من سرعة الضوء، سوف يتقدم شخص بداخل مركبة فضائية في العُمر أبطأ بكثير من توأمه في المنزل. أيضًا، تحت نظرية أينشتاين للنسبية العامة، بإمكان الجاذبية أن تكسر الوقت.

تُسمى صورة النسيج الرباعي الأبعاد بالزمكان (Timespace). عندما يستقر أي شيء على تلك القطعة من النسيج، فإنه يسبب تشوه أو انحناء في نسيج الزمكان. يتسبب ذلك الانحناء في الزمكان في الأشياء أن تتحرك على مسار منحني وذلك الانحناء في الفضاء هو ما نعرفه بالجاذبية.

أُثبتت كلتا نظريتي النسبية العامة والخاصة بـ (تكنولوجيا القمر الصناعي لنظام التوقيع العالمي – GPS satellite technology) التي لديها توقيت دقيق على متنها. تأثير الجاذبية، بالإضافة إلى سرعة الأقمار الصناعية المتزايدة فوق سطح الأرض بالنسبة إلى الراصدين على الأرض، تجعل الساعات الغير محددة أن تكتسب 38 ميكرو ثانية في اليوم. (يقوم المهندسون بالمعايرة لحساب الفرق).

بمعنى ما، ذلك التأثير، المُسمى بتمدد الوقت، يعني أن رواد الفضاء هم مسافرين عبر الزمن، حيث أنهم يعودوا إلى الأرض أصغر قليلًا جدًا جدًا عن توائمهم المتماثلة الذين بقوا على الكوكب.

من خلال الثقب الدودي

تُعطينا النسبية العامة السيناريوهات التي تستطيع أن تسمح للمسافرين بالعودة إلى الوراء عبر الزمن. فالمعادلات، على الرغم من ذلك، قد تكون صعبة لتحقيقها ماديًا.

هناك إمكانية واحدة هي الذهاب أسرع من الضوء، أي يسافر 186,282 ميلًا في الثانية (299,792 كيلومترًا في الثانية) في الفراغ. معادلات أينشتاين، تُظهر أن الشيء في سرعة الضوء سوف يكون لديه كلا الوزن اللانهائي وطول يساوي صفر. يبدو ذلك مستحيل ماديًا، على الرغم من أن وسَّع بعض العلماء من معادلاته وقالوا إنه قد يتحقق.

هناك إمكانية مرتبطة، كما نصَّت ناسا، وهي إحداث ثقوب دودية بين النقاط في نسيج الزمكان. بينما تضع نظريات أينشتاين شروط لهم، فإنهم سينهارون بسرعة جدًا ويكونوا ملائمين فقط للجزيئات الصغيرة جدًا. أيضًا، لم يلحظ العلماء حقًا تلك الثقوب الدودية على الإطلاق. كذلك، التكنولوجية اللازمة لإحداث ثقب دودي أبعد من أي شيء لدينا.

نظريات بديلة للسفر عبر الزمن

بينما تظهر نظريات أينشتاين لتجعل السفر عبر الزمن صعبًا، اقترحت بعض المجموعات حلول بديلة للقفز ذهابًا وإيابًا في الوقت.

اقترح الفلكي (فرانك تيبلر – Frank Tipler) آلية (أحيانًا تُعرف بأسطوانة تيبلر) حيث إحداها تأخذ المادة التي تكون 10 مرات كتلة الشمس، ودحرجتها بداخل أسطوانة طويلة جدًا ولكن كثيفة جدًا.

بعد دورانها لبضعة مليار دورة في الدقيقة، تستطيع سفينة فضاء قريبة ،بعد دوامة دقيقة جدًا حول تلك الأسطوانة، أن تجد نفسها على «منحنى زمني مغلق»، ووفقًا لـ (معهد أندرسون – Anderson Institute). يوجد قيود لتلك الوسيلة، متضمنة حقيقة أن الأسطوانة يجب أن يكون طولها لانهائي لتقوم بذلك العمل.

الثقوب السوداء

تُوجد إمكانية أخرى وهي تحريك سفينة بسرعة حول ثقبًا أسودًا، أو خلق ذلك الحال صناعيًا بهيكل ضخم ودوَّار.

كتب الفيزيائي (ستيفن هاوكينغ – Stephen Hawking) في جريدة الدايلي ميل عام 2010.

«حولها وحولها سوف يذهبون، يواجهون فقط نصف وقت الجميع البعيدين عن الثقب الأسود. السفينة وطاقمها يكونون مسافرين عبر الزمن. تَخيل أنهم داروا حول الثقب الأسود لمدة خمس سنين من سنواتهم. ستمر عشر سنوات بمكان آخر. عندما يعودوا إلى الوطن، سيكون عُمر كل من على الأرض خمس سنوات أكثر منهم.»

على الرغم من ذلك، أضاف قائلًا، سيحتاج الطاقم للسفر حول سرعة الضوء للقيام بذلك. أشار الفيزيائي (أموس إيرون – Amos Iron) في معهد تخنيون-إسرائيل للتقنية في حيفا إسرائيل، إلى أنَّ يوجد قيد آخر إذا استخدم أحد آلة: إنها قد تنهار قبل أن تكون قادرة على الدوران بهذه السرعة.

الأوتار الكونية

تتضمن نظرية أخرى للمسافرين المحتملين عبر الزمن شيئًا يُسمى بالأوتار الكونية، أنابيب طاقة ضيقة ممتد عبر كل الطول للكون المتزايد باستمرار. تلك المناطق الرفيعة، الباقية من عصر الكون الأولي، تُنبئ أنها تحتوي على كمية هائلة من الكتلة وبالتالي تستطيع أن تشوه نسيج الزمكان حولها.

يقول العلماء أنَّ الأوتار الكونية تكون إما لانهائية أو في حلقات، بلا نهايات. اقتراب وَتران منهما موازيان لبعضهما قد يثني الزمكان بقوة وبترتيب محدد قد يجعل السفر عبر الزمن مُمكن، نظريًا.

آلات الزمن

يُفهم عمومًا أن السفر ذهابًا وإيابًا عبر الزمن يتطلب جهاز أو كما يسمى آلة زمن لتأخذك هناك. غالبًا تتضمن أبحاث آلة الزمن ثني نسيج الزمكان حتى ترجع خطوط الزمن على نفسها مكونة حلقة، عمليًا تُعرف ب «منحنى زمني مغلق».

لتحقيق ذلك، يُعتقد أن آلات الفضاء تحتاج لشكل غريب من المادة ما يُسمى بـ«كثافة الطاقة السالبة». لدى تلك المادة الغريبة خواص شاذة، تتضمن الحركة في الاتجاه المعاكس للمادة العادية عند الدفع. تلك المادة من الممكن أن تكون موجودة نظريًا، ولكن إذا كانت، فإنها قد تكون موجودة فقط في كميَّات قليلة جدًا لبناء آلة زمنية.

على الرغم من ذلك، تشير أبحاث السفر عبر الزمن أن آلات الزمن ممكنة بدون المادة الغريبة. يبدأ العمل بثقب على شكل كعكة دُوْنات مُغلفة بداخل جسم كروي من مادة عادية. بداخل ذلك الفراغ على شكل الدُوْنات يُمكن أن ينثني الزمكان حول نفسه مجالات جاذبية مركزة لتكوين منحنى زمني مغلق. للعودة إلى الوراء في الزمن، سوف يتسابق المسافر حول داخل الدُوْنات، ذاهبًا بعيدًا إلى الوراء في الماضي مع كل مرحلة. على الرغم من ذلك، تلك النظرية لديها عدد من العقبات. مجالات الجاذبية المطلوبة لعمل منحنى زمني مغلق يجب أن تكون قوية جدًا، والتلاعب بهم يجب أن يكون دقيقًا.

مفارقة الجد

بجانب المشاكل الفيزيائية، السفر عبر الزمن قد يأتي أيضًا مع بعض المواقف الفريدة. هناك مثال تقليدي هو مفارقة الجد، بحيث يعود المسافر عبر الزمن إلى الماضي ويقتل آبائه أو جده –الحبكة الرئيسية في أفلام (المُبيد – Terminator)– أو خلاف ذلك يتدخل في علاقتهم –فكر في (العودة إلى المستقبل – Back to the Future)– بحيث أنه لن يُولَد أو تتبدل حياته للأبد.

إن كان هذا ليحدث، كما يقول بعض الفيزيائيين، لن تُولد في إحدى الأكوان الموازية ولكنك ما زلت مولودًا في آخر. يقول الآخرون أن الفوتونات التي تكوّن الضوء تُفضل الاتساق الذاتي في الجداول الزمنية، والتي سوف تتداخل مع خططك الشريرة الانتحارية.

لا يتفق بعض العلماء مع الخيارات المذكورة بالأعلى ويقولون أنَّ السفر عبر الفضاء مستحيل مهما كانت وسيلتك. أحد الوسائل الأسرع من الضوء على وجه الخصوص أثارت سخرية من عالم الفيزياء الفلكية (تشارلز لو – Charles Lu) من المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي. «هذا ببساطة، رياضيًا، لا يعمل». قال ذلك في مقابلة سابقة مع موقع (ليف ساينس – Live Science).

قال (جيف تولاكسن – Jeff Tollaksen)، بروفيسور الفيزياء في (جامعة تشابمان – Chapman University)، عام 2012.

«أيضًا، قد لا يستطيع البَشَر تحمل السفر عبر الزمن في جميع الأحوال. سوف يأخذ السفر بالقرب من سرعة الضوء طردًا مركزيًا فقط، ولكن ذلك سيكون فتاكًا».

استخدام الجاذبية أيضًا سيكون مميتًا. لتجربة تمدد الوقت، يُمكن أن يقف أحد على نجم نيتروني، ولكن القوى التي سيجربها الشخص سوف تمزقك أولًا.

السفر عبر الزمن في الخيال

وصفت مقالتين لموقع Space.com في 2015 طرق مختلفة للسفر عبر الفضاء في الخيال، وأفضل آلات السفر عبر الزمن على الاطلاق. بعض الوسائل المستخدمة في الخيال تتضمن:

  • السفر ذهابًا أو إيابًا إلى المستقبل: يترك المُسافر المنزل، ولكن الأشخاص الذين تركهم وراؤه أو تركتهم وراؤها قد يكبروا أو يموتوا عندما يعود هذا المسافر. مثال: (فيلم بين النجوم – Interstellar) عام 2014، «Ikarie XB-1» عام 1963.
  • السفر عبر الزمن بالتحرك خلال أبعاد أعلى: في «Interstellar»، يوجد (تسراكت – tesseracts) متوافرة بحيث يستطيع رواد الفضاء السفر لأن السفينة تمثل الوقت كبُعد في الفضاء. أُعرِب عَن مفهوم مماثل في «A Wrinkle In Time» لـ مادلين لانغل 2018، (مقتبس من سلسلة الكتاب التي بدأت في عام 1963)، حيث ينطوي الوقت بواسطة التسراكت. الكتاب، مع ذلك، يستخدم كائنات خرافية ليجعل السفر ممكن.
  • السفر في دوامة الزمكان: تستخدم مركبة (تادريس – TADRIS) الوقت والأبعاد النسبية في الفضاء، المشهورة في «دكتور هو» (1963 – الآن) دوَّامة ذات بُعد إضافي للتحرك خلال الزمن، بينما يشعر المسافرون أن الوقت يمر بشكل عادي.
  • القفز الزمني الفوري: أمثلة تتضمن «الفتاة التي قفزت عبر الزمن» (2006)، و(الديلوريان – The DeLorean) من «العودة إلى المستقبل» (1985)، و(آلة السيد بيبودي واباك – Mr. Peabody’s WABAC machine) من (ذا روكي آند بولوينكل شو – The Rocky And Bullwinkle Show) (1959-64)
  • السفر عبر الزمن أثناء الوقوف ساكنًا: كلًا من (تايم ماشين – Time Machine) و(كتاب 1895) ومحول الزمن لدى هيرميون جرينجر في «هاري بوتر» تُبقي المسافر ساكنًا أثناء تحركه عبر الزمن.
  • السفر عبر الزمن البطيء: في (برايمر – Primer) (2004)، يبقى المسافر في صندوق أثناء السفر عبر الزمن، لكل دقيقة يريد العودة إليها في الزمن، يحتاج أن يبقى في الصندوق لدقيقة. إذا كان يريد العودة يوما إلى الوراء، يجب أن يبقى هناك لمدة 24 ساعة.
  • السفر أسرع من الضوء: في «سوبرمان: الفيلم» (1979)، يطير سوبرمان بسرعة أسرع من الضوء ليرجع بالزمن إلى الوراء وينقذ لويس لاين قبل أن تُقتَل. اُستخدم ذلك المبدأ أيضًا في روايةٍ عام 1980 «Timespace» ل (جريجوري بينفورد – Gregory Benford)، في حيث يُرسل بطل الرواية (افتراضيًا) جسيمات تاكيون أسرع من الضوء إلى الأرض في 1962 للإنذار بكارثة. في العديد من حلقات وأفلام «ستار تريك»، يسافر المؤسسة عبر الزمن بالذهاب أسرع من الضوء. في الكتب الهزلية ومسلسلات «البرق»، يستخدم السوبر- سبيدستر آلة مشي كونية للسفر عبر الزمن.
  • وسائل صعبة التصنيف: يوجد مزلجة صاروخ في «تايمكوب» (1994) التي تظهر وتختفي فجأة عندما تستخدم، والتي أدت إلى الكثير من التكهنات حول ما يجري. يُوجد أيضًا جهاز إزاحة الزمن في سلسلة أفلام «المُبيد»، والتي تُظهر كيف تخوض حربًا في أربعة أبعاد (متضمنة الزمن).

إذن هل السفر عبر الزمن ممكن؟

بينما لا يبدو السفر عبر الزمن ممكنًا –على الأقل ممكنًا بمعنى أن يعيشها البشر– بالفيزياء التي نستخدمها اليوم، فإن المجال يتغير باستمرار. التقدم في النظريات الكمَية ربما يعطينا بعض الفهم لكيفية التغلب على مفارقات السفر عبر الزمن.

احتمال واحد، على الرغم من أنه ليس من الضروري أن يؤدي إلى السفر عبر الزمن، إلا أنه يحل لغز كيفية اتصال جزيئات محددة على الفور مع بعضها أسرع من سرعة الضوء.

في الوقت الحالي، يمكن للمهتمين بالسفر عبر الزمن على الأقل أن يعيش تجربتها من خلال الأفلام، والتلفاز، والكتب.

 

ترجمة: فاطمة الجبالي

مراجعة: محمد المصري

المصادر:

[/vc_column_text][/vc_column][/vc_row]

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي