هل كان للقمر مجال مغناطيسيّ قوي في الماضي؟

moon-magnatic

||

وفقًا لدراسة جديدة فأن المجال المغناطيسيّ للقمر استمر لمليار سنة على الأقل أطول مما كان يعتقد سابقًا. ويشير ذلك إلى أن الأقمار الغريبة والكواكب قد يكون لها مجالات مغناطيسية والتي يمكن أن تبقى لفترات طويلة، وكذلك قد تساعد على زيادة احتمالية وجود حياة خارجية.

المجال المغناطيسيّ للقمر بوحدة النانوتسلا بواسطة المسبار لونار بروسبكتر. Credit: Lunar Prospector electron reflectometer experiment

القمر اليوم ليس لديه مجال مغناطيسي، غير أن تحليل عينات سابقة لصخور القمر والتي حصل عليها رواد الفضاء في رحلة أبولو، أشارت إلى أن المجال المغناطيسيّ للقمر كان يتراوح فيما مضى من 20 إلى 110 ميكروتسلا، وذلك منذ (3,56 إلى 4,25) مليار سنة. وبالمقارنة فإن المجال المغناطيسيّ للأرض يبلغ حوالي من 25 إلى 65 ميكروتسلا.

وقد أشارت أبحاث سابقة إلى أن المجال المغناطيسي للقمر قد انخفض بشدة إلى أقل من 4 ميكروتسلا، وذلك قبل 3.19 مليار سنة، لكن الباحثين ليسوا متأكدين بشأن ما حدث بعد تلك النقطة، سواءٌ هل ضَعُف منذ زمن قصير بعد ذلك، أم هل ظل يضعف بشكل متباطئ قبل أم يتشتت كليًّا.

وفقًا لما قاله الباحثون الذين أجروا الدراسة الجديدة، أن فهم المزيد حول طبيعة المجال المغناطيسي لقمر الأرض يمكن أن يسلط الضوء على المجالات المغناطيسية للأقمار والكواكب البعيدة والتي يمكن أن تؤثر بعد ذلك على صلاحيتها للحياة. إن المجال المغناطيسيّ للأرض يحمي محيطاتها والحياة عليها من خطر الإشعاع القادم من الشمس، وإن خمود المجال المغناطيسي للمريخ قد يساعد في تفسير لماذا أصبح الكوكب الأحمر جافًا وبدون أية حياة.

تقول المؤلفة الرئيسية للدراسة (سونيا تيكو-Sonia Tikoo)، وهي عالمة الجيوفيزياء القمرية في جامعة روتجرز في نيو برونزويك نيو جيرسي لموقع Space.com «إن المجالات المغناطيسية تقوم بحماية الكواكب من الرياح الشمسية والتي تقدر على تجريد غلافها الجوي من الماء، وهو يعد عنصرًا أساسيًا للحياة».

تقصّي المجال المغناطيسي للقمر

لمعرفة المزيد عن تطور المجال المغناطيسي للقمر، فحصت البروفسيرة تيكو وزملاؤها صخرة من القمر، والتي تم جمعها في عام 1971 من الحافة الجنوبية لحفرة ديون في شرق (إمبريوم مار) وسهول الحمم الشاسعة المعروفة باسم «بحر الأمطار-Sea of Rains». إن العينة الصخرية الصغيرة والمسماه (Apollo 15 sample 15498) كانت مغلفة جزئيًا بالزجاج، والتي من المحتل أنها تكون بفعل ارتطام نيزك بالقمر.

إن رقم الصخر القمريّ مثل 15498 يسجل قوة واتجاه المجال المغناطيسيَ القديم للقمر. هذه الصخور تحتوي على آلاف من الحبوب المعدنية الصغيرة، وهي مثل إبر البوصلة، وهي تصطف باتجاه المجال المغناطيسيّ للقمر.

حتى الآن، فإن العلماء غير قادرين على العثور على عينات قمرية بعمر أقل من 3.2 مليار سنة، والتي يمكن أن تسجل بدقة المجال المغناطيسيّ للقمر.

وفقًا لما ذكره المؤلف المشارك فى الدراسة (بنجامين وايس) في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في بيان له: «هناك عدد قليل جدًا من الصخور القمرية التي يقل عمرها عن 3 مليار سنة تقريبًا؛ لأنه في ذلك الحين كان القمر يبرد والبراكين هدأت وتوقفت، بالتزامن مع برودة القمر، عن تكوين صخور نارية جديدة على سطح القمر».

وجد الباحثون أنه بدلًا من التشكّل من الحمم البركانية في وقت مبكر من تاريخ القمر، تكونت 15498 من تأثر الحرارة الناتجة من تصادم كونيّ، تحديدًا منذ (1-2,5) مليار سنة.

قام العلماء أولًا بقياس الخصائص المغناطيسية الطبيعية لـ 15498 باستخدام مقياس مغناطيسيّ حساس جدًا. ثم عرّضوا الصخور إلى مجال مغناطيسيّ معلوم في المختبر، وسخنوا الصخور إلى 1،436 درجة فهرنهايت (780 درجة مئوية)، بالقرب من درجات الحرارة القصوى التي شُكّلت فيها تلك الصخور.

وقال وايس في البيان:

«يمكنك أن ترى كيف أنّ مغنطتها ينتج من التسخين في مجال مغناطيسيّ معلوم، ثم تقارن هذا المجال بالمجال المغناطيسي الطبيعي الذي قمت بقياسه مسبقًا ومن ذلك يمكنك معرفة ماذا كانت قوة المجال القديم».

هذه عينة من صخور القمر والتي جمعها رواد الفضاء في رحلة أبولو 15، وهي عبارة عن شظايا من البازلت ملحومة بنسيج زجاجيّ داكن ناتج من عملية الذوبان بفعل اصطدام نيزك. قام معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وعلماء روتجرز بدراسة العينة لاستخلاص رؤى جديدة حول المجال المغناطيسيّ القديم للقمر. Credit: NASA

الدينامو القمريّ طويل الأمد

وتظهر هذه التجارب أن القمر كان لا يزال لديه مجالًا مغنطيسيًا ضعيفًا بقوة حوالي 5 ميكروتيسلا من 1 مليار إلى 2.5 مليار سنة مضت. في المقابل، فإن عمر القمر حوالي 4.5 مليار سنة.

وقالت تيكو بشكل عام تشير هذه النتائج إلى أنه:

« حتى الأجسام الكوكبية الصغيرة يمكن أن تولد مجالات مغناطيسية طويلة العمر تعمل على فترات زمنية لمليار سنة؛ لذلك فمن المحتمل أن تكون الكواكب أو الأقمار الخارجية الصغيرة قادرة على الحفاظ على المياه على فتراتٍ زمنية طويلة بما يكفي للسماح بتطور الحياة عليها».

إن المعادن المتدفقة في لب الأرض تعمل بمثابة المولد الذي يولد المجال المغناطيسي لكوكبنا، كما ظل الدينامو القمري موجودًا حتى بعد تكوّن القمر، لغزًا يحيّر الباحثين.

وقالت أيضًا:

«كان يعتقد عمومًا أن الأجسام الكوكبية الصغيرة مثل القمر لا يمكن أن تملك مجالات مغناطيسية تستمر لمليارات السنين؛ وذلك لأن أحجامها الصغيرة من شأنها أن تجعل اللب يبرد بسرعة وتنفذ الطاقة التي تغذي الدينامو في وقت مبكر من تاريخ النظام الشمسي. ولذلك تبين أن القمر قد ولّد مجاله المغناطيسيّ والذي استمر على الأقل لملياري سنة، سواء في حالة مستمرة أو متقطعة. إن ذلك يدفع حقًا الحدود على ما كنا نظن أنه ممكن، ويوجهنا للتفكير في مصادر الطاقة الجديدة والآليات التي يمكن أن تساعد في إعطاء لب الأجسام الصغيرة زيادة في الطاقة».

ويشير الباحثون إلى أن المولد القمري قد يكون مدفوع بآليتين متميزتين واحدة تنطوي على جاذبية الأرض، والأخرى تنطوي على تبريد لب القمر.

وتكمل تيكو حديثها:

«يبدو أن المجال المغناطيسي القمري قد عمل لفترة طويلة في نطاقين مختلفين من القوة وهذا ما يخبرنا بأن القمر قد يكون له آليتان مختلفتان تعملان طوال تاريخه؛ آلية المجال القوي قبل 3.5 مليار سنة مضت، وآلية المجال الضعيف في وقت لاحق».

ونعتقد أن فترة المجال القويّ في وقت مبكر ربما تكون مدعومة بآلية غريبة نسبيًا، فإن سحب الجاذبية الأرضية للقمر قد يكون مزيجًا ميكانيكيًا لسائل التوصيل في لب القمر لدفع المولّد، ونعتقد أن هذه العملية يمكن أن تكون قد ولّدت ما يكفي من الطاقة لشرح ما يسمى قترة المجال القويّ.

إن مجال الدينامو القمريّ الذي استنتجناه من هذه الدراسة، من المرجح أنه قد قوّي بواسجة عملية التصلب البطيء للب القمر. وقد قالت تيكو حول هذا الشأن:

«ومع تبريد القمر مع مرور الوقت بدأ الحديد المنصهر في جوهره في التجمد، مثل تجميد الماء إلى الجليد، وهذه العملية يمكن أن تطلق الطاقة الحرارية وتسبب السخونة. يبدأ المعدن السائل بالطفو والإرتفاع داخل اللب مثل اللافا في الحمم البركانية. هذا المزيج من إطلاق الحرارة والحركة التي تحركها الطفو يمكن أن تضيف دفعة إضافية لازمة لتشغيل حقل مغناطيسي طويل العمر.»

إن هدف البحوث المستقبلية هي دراسة المدة التى استمر فيها المجال المغناطيسي القمري، وما إذا كان يعمل بشكل مستمر طوال حياته.

 

ترجمة وإعداد: سماهر محمد

مراجعة: Mohammed Abkareno

المصدر: Space.com

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي