من المثير للتساؤل أن المدخنين باختلاف أنواعهم يلجؤوا إلى هذه العادة من أجل الشعور بحالة مزاجية جيدة؛ فما العلاقة بين هذه المواد والشعور بالسعادة؟
أُجْرِيت دراسة علمية على العقل البشري لاختبار تأثير التدخين على شعور المدخنين. أظهرت هذه الدراسة أن المدخنين يمارسوا هذه العادة لأنها تُحاكي الشعور بالسعادة. هذه الدراسة كانت أولى الدراسات التي بينت تأثير التدخين على العقل البشري، والذي يساعد في تهدأة الآلام، والشعور بالسعادة.
آلية الإختبار:
لم يتعاطى الأشخاص – الخاضعين للتجربة – أي سجائر لمدة 12 ساعة قبل الإختبار. ثم دخنُّوا سجارتين خاليتين من النيكوتين، وبعد ذلك دخنُّوا سجارتين بهما نيكوتين. عقولهم كانت مراقَبة، بالإضافة إلى أنهم كانوا يُسألون في كل خطوة عن شعورهم.
ملا حظات الإختبار:
قال ديفيد سكوت (طالب دراسات عليا في برنامج علوم الأعصاب بجامعة ميشيغان)، «يبدو أن المدخنين لديهم تدفق من الأفيونات المتغيرة في كل وقت، بالمقارنة بغير المدخنين، وأن التدخين سيغير هذا التدفق بنسبة تتراوح بين 20 و30 في المئة في مناطق الدماغ المهتمة بالمشاعر». «هذا التغير في التدفق مرتبط بالتغييرات التي أخبروا عنها المدخنين أنفسهم، والتي شعروا بها قبل وبعد التدخين».
هذه النقاط البرتقالية في هذا الماسح الدماغي تشير إلى مناطق التغييرات الأكبر في نشاط الأفيون، التي بدأت في الحدوث بعد بداية تدخين الأشخاص بانتظام كما عرضنا مُسبقًا.
قال سكوت وزملاؤه أنهم تفاجؤوا من التأثير الكبير على مستوى المواد الأفيونية.
وقال جون كار زوبيتا (وهو طبيب نفسي وعصبي)، «إن تفاعل التبغ، وخاصة النيكوتين، مع كيمياء الدماغ هو تفاعل رائع لابد من فهمه، خاصة عندما يتعلق الأمر بين الكيمياء العصبية والسلوك»، «كما هو الحال في الهيروين والكوكايين وظاهرة الإدمان».
ما عرضناه أكد لنا صحة العلاقة بين التدخين والشعور بالسعادة. ولكن إلى الآن لم نعرف أصل الرابط بين التدخين والإحساس بالسعادة.
قبل أن نعرض الإجابة على هذا السؤال المطروح، يجب أن نتفق جميعا أن أهم المركبات المسؤولة عن فعالية السجائر هو النيكوتين، وهو صُلب موضوعنا اليوم. وقبل أن نتعرف على الرابط بينه وبين كيمياء دماغنا، يجب أن نتعرف عليه شخصيا مجملًا:
النيكوتين هو أحد 4000 مادة كيميائية موجودة في دخان التبغ، وهو المركب الأولِي المؤثر في الدماغ. النيكوتين هو سائل عديم اللون يتحول إلى اللون البني عند حرقه، ويأخذ رائحة التبغ عن تعرضه للهواء.
والآن، إليكم سر ارتباط النيكوتين بسلوك الدماغ:
النيكوتين يعمل كمنشط ومهدئ. فور استنشاق النيكوتين، هناك «ركلة» تتسبب في تنشيط المخدرات في الغدد الكظرية (adrenal glands)، وإنتاج الأدرينالين. خروج الأدرينالين ينشط الجسم، مما يتسبب في الانطلاق المفاجئ للجلوكوز، وكذلك زيادة ضغط الدم ومعدل ضربات القلب والتنفس. كما يخفض النيكوتين نسبة السكر في البنكرياس، مما يزيد من نسبة السكر في الدم قليلا. وبالإضافة إلى ذلك فإن النيكوتين يتسبب في انطلاق الدوبامين المسؤول عن التحكم في الشعور بالسرور وبالتحفيز.
هذا التفاعل مماثل للتفاعل الذي يحدث مع العقاقير المخدرة الأخرى – مثل الكوكايين والهيروين – وهذا هو السر وراء الأحاسيس المذهلة التي يتمتع بها العديد من المدخنين. على الناحية الأخرى، يمكن أن يكون النيكوتين مهدئ، اعتمادًا على مستوى إثارة الجهاز العصبي للمدخن، وجرعة النيكوتين المتخذة.
يعتبر النيكوتين إدمان، وهذا يعود للتفسير الآتي:
أظهرت أبحاث حديثة أن النيكوتين ينشِّط الدوائر التي تنظم الشعور بالسعادة. البحث أظهر أن النيكوتين يرفع من مستويات الدوبامين (مادة كيميائية رئيسية في الدماغ تشارك في الرغبة في تناول الادوية) في هذه الدوائر. وتم اكتشاف أن الخصائص الدوائية للنيكوتين تعزز من إمكانية إساءة استخدامه. دخان السجائر ينتج توزيع سريع من النيكوتين في الدماغ، حيث يصل مستوى المخدرات إلى ذروته في غضون 10 ثوانِ من الإستنشاق. وتتبدد الآثار الحادة للنيكوتين في غضون بضع دقائق، مما يتسبب في الحاجة إلى مواصلة التناول المتكرر على مدار اليوم.
إعداد: Amira Esmail
تحرير: Amira Esmail
المصادر: