فلتنظر بعيدًا، شاهد شيئًا أخر، ابتعد عن هذا المقال، لا عاقل متزن قد يود أن يقرأ هذه القصة البشعة. هذا المقال قد يُفسد يومك وحياتك، لا يوجد هنا إلا البؤس والكآبة، لا شيء جيد أو سعيد يحدث هُنا ولن يحدث أبدًا. قد يقضي هذا المقال على أي أمل أو سعادة بداخلك. في هذا المقال نتناول الحياة المأساوية لأيتام عائلة بودليير الأسوأ حظًا على الإطلاق. قصتهم تبدأ ببؤس، وتنتهي ببؤس، ويظهر فيما بين ذلك بعض لحظات الأمل والسعادة فقط لتدمير أي ذرة باقية منهما. مهما كان خيالك واسعًا فلا يمكن لقصتهم أن تنتهي بأي شكل سوى نهاية مأساوية حزينة. لا يمكن لأي نسخة من هذه القصة أن تنتهي بنهاية سعيدة فلا تعلق آمالًا كبيرة على أن تنتهي القصة بشكل مختلف. فلنعرف معًا ما حدث للأيتام، وكيف تُذكرنا قصتهم بهاري بوتر.
في الأول من يناير لهذا العام انتهى إحدى المسلسلات المحببة لدي من إنتاج شركة (نتفليكس-NETFLIX) بعد أن استمر لمدة عامين. كان هذا المسلسل مميز بالنسبة إلي ليس فقط لموضوعه الغير معهود، بل لأنه من النادر أن نجد التزامًا شديدًا من المخرجين والمنتجين بروح سلسلة الروايات المُقتبس منها المسلسل إلى حد كبير، بل إن الإضافات الصغيرة الزائدة أضافت لروح المسلسل وتناغمت مع التفاصيل الأساسية فيشعر من قرأ الروايات سابقًا بأنه يحظى بتكملة للروايات أو إجابات لأسئلة راودته أثناء القراءة أو لمحات إضافية من الكاتب تُعطي تشويق أكبر وتجعل المشاهد في حالة من الجوع للتفاصيل فكلما انتهيت من حلقة سترغب في أُخرى مباشرة بعدها، ولن يتوقف هذا الجوع إلا عندما تصل للحلقة الأخيرة وتشعر بالرِضى لما آلت إليه الأمور، ولكن فلتنتبه! النهاية ليست مرضية على الإطلاق، بل على الأغلب ستسبب لك الإحباط. رغم أن بعض أجزاء الروايات قد تمثل صعوبة شديدة من حيث التفاصيل والفنيات ولكن النتيجة كانت رائعة ومميزة للغاية، فكان تصوير المسلسل مبهرًا فعلًا، فأنت ترى ما قرأت في الرواية أمامك بتفاصيل حيّة مُتقنة أروع مما قد تتخيل أثناء قراءتك. كما أضفَت الألوان المُختارة للملابس والخلفيات مزاج قوطي فيكتوري يضع المُشاهد في حالة من القتامة والظلام والكآبة –إحساس ستعرفه جيدًا إذا قرأت رواية (مرتفعات ويذرينج- Wuthering Heights) للكاتبة (إميلي برونتي- Emily Brontë). المسلسل يتبع إيقاعًا سريعًا نوعًا ما، كما يستخدم خاصية ال(Cameo) وهي ظهور العديد من الممثلين الكبار للحظات قصيرة، وقد يظهر بعضهم مجددًا أو يختفي تمامًا. كما يعتمد المسلسل أيضًا على الكوميديا السوداء من النوع الذي يجعلك تضحك كثيرًا بينما تتساءل إذا كنت مريضًا نفسيًا يضحك على أشياء مبكية، ويفرح عندما يكابد الآخرين.
الحصول على فكرة جيدة ليس بسهولة إضاءة النور، ولكن كما يمكن أن تضيء لمبة صغيرة أكثر الغرف كآبة، فالفكرة الصحيحة قد تنير أظلم المواقف
لنسترجع معًا أحداث الموسم الأول
يتناول الموسم الأول الأربع أجزاء الأولى من سلسة الكتب، ويناقش كلًا منها في حلقتين.
بدايات سيئة–Bad Beginnings
إلى بياتريس. العزيزة، الغالية، المتوفية.
ينطلق المسلسل كالروايات من شاطئ برايني، حيث نتعرف لأول مرة على فيوليت (مالينا وايسمان-Malina Weissman) وكلاوس (لويس هاينز-Louis Hynes) وصني بودليير (بريسلي سميث- Presley Smith). وهم الثلاث أبناء للزوجين بودليير الثريين. يملك كل منهم موهبة مميزة وشيء يبرع فيه. فيوليت ذات الـ 14 عامًا مخترعة فطنة، والتي كلما انشغلت بالتفكير في شيء ربطت شعرها بشريطة، وكلاوس ذو الـ 12 عامًا قارئ نهم كما يملك ذاكرة تصويرية تمكنه من تذكر المعلومات الكثيرة التي يقرأها، والرضيعة صني -المحبة للأطعمة الصلبة- تستطيع أن تمضغ أي شيء بأسنانها الفولاذية.
يمتاز الثلاثة بالذكاء، والفضول، والطيبة، ولكن تتغير حياتهم بالكامل عندما يصل إلى الشاطئ محامي العائلة الغير كفؤ بالمرة، والمصاب بالكحة دائمًا (السيد بو) ليُبلغ الأطفال أن والديهما توفيا في حريق ابتلع منزلهما. يأخذهم السيد بو إلى منزلهم مرةً أخيرة ليودعوا حياتهم السابقة، ويجد الأطفال شيئًا غريبًا بين الحطام، شيئًا يبدو كأنه جزء مكسور من منظار، فما هو بالضبط هذا الشيء الغريب؟! يأخذهم السيد بو إلى منزله ليقضوا الليلة مع عائلته المريعة حتى يستطيع السيد بو إيجاد وصيَّهم. تتصرف زوجة السيد بو بطريقة غير مراعية على الإطلاق فهي لا تهتم بمشاعرهم أبدًا، هي فقط تهتم بالحصول على سبق صحفي، أو بأي شيء قد يبدو رائعًا على الصفحة الأولى من جريدتها.
في اليوم التالي يُرسل الأطفال للكونت أولاف (نيل باتريك هاريس- Neil Patrick Harris) الممثل الفاشل مدمن الكحول العنيف ذو وشم العين على قدمه، والذي يجبرهم على القيام بأعمال تنظيف في منزله المقزز بينما يتدرب على التمثيل مع أتباعه الأغبياء. تسوء الأمور عندما يطلب منهم الطبخ له ولأتباعه ويعطيهم القليل من المال لشراء الطعام. يجد الأطفال وصفةً لعمل مكرونة ويقدمونها على العشاء ولكن أولاف يغضب لعدم وجود لحم مشوي (وهو لم يطلبه) ويضرب كلاوس على وجهه. يحاول الأطفال إقناع السيد بو بإيجاد وصيًا آخر ولكن كعادته طوال المسلسل هو ليس مفيد أبدًا في أي شيء ويخبرهم بأنه لا يوجد شيء لفعله لأن أولاف هو وصيُّهم وله الحق في تربيتهم كما يرغب. يدعوهم الكونت أولاف للمشاركة في مسرحيته الجديدة «الزفاف الرائع» كوسيلة للتصالح معهم، مما يجعل الأطفال في ريبةٍ منه. يحاول كلاوس البحث أكثر وراء مقاصد أولاف فيكتشف أن المسرحية غطاء لمحاولة أولاف أن يتزوج فيوليت وبالتالي يستطيع الوصول إلى ثروة بودليير. يهدد أولاف فيوليت بقتل صني إذا لم تكمل المسرحية كما طلب وتوافق على الزواج منه، تستطيع فيوليت خداع أولاف بينما تهرب صني من ساجنها، ويفسر كلاوس حقيقة المسرحية للجمهور وأن زفاف فيوليت ليس قانونيًا، مما يدفع أولاف وأتباعه للهرب.
غرفة الزواحف- Reptile Room
إلى بياتريس. حبي لكي سيعيش للأبد، على عكسك
مرة أخري يُرسل الأطفال إلى وصيّ جديد وهو العم مونتي (آسيف ماندفي-Aasif Mandvi). مونتي هو عالم زواحف، وهو رجل طيب وغريب الأطوار قليلًا. لأول مرة نبدأ بالشعور بالأمل وأن الأمور ستكون على ما يرام، ولكن كما قلت سابقًا الكاتب لديه موهبة رائعة، فهو يُوجِد الأمل ليأخذَ ما بقىَ منه، ويُوجِد السعادةَ ليدمِّرها تمامًا. تسير الأمور على ما يرام لفترة قصيرة، حتى يظهر الكونت أولاف مجددًا متنكرًا في شكل ستيفانو مساعد مونتي (والذي لم يطلب مساعدًا)، بعد أن قتل جوستاف مساعده الحقيقي. يحاول الأطفال إقناع عمهم بحقيقته، ولكن أولاف يقتله قبل ذلك، مرتبًا الأمر ليبدو كأن إحدى أفاعي مونتي قتلته، ولكن صني توضح للسيد بو أن الأفعى المذكورة هي في الواقع غير مؤذية على الإطلاق، ومجددًا يهرب أولاف.
أثناء هذه الأحداث ينتبه الأطفال لعلامات على مؤامرة قد تتضمَّن والديهم أو لا، ولها علاقة بجزء المنظار الذي وجدوه كما لها علاقة بوشم العين على قدم أولاف، ويرفض الجميع الحديث عنها. ويبدو أن المؤامرة تتضمَّن منظمة سرية تضم أولاف، مونتي، والراوي ليموني سنيكت (باتريك واربرتون- Patrick Warburton)، والسيد بو وسكرتيرته جاكلين (سارة كانينج- Sara Canning) التي تظهر بشكل غريب في كل موقع وتحاول مساعدة الأطفال.
نرى في مشهدٍ آخر موازٍ للأحداث الرئيسية، زوجين غامضين (ويل أرنيت-Will Arnett) و(كوبي سمولدرز-Cobie Smulders) يحاولان الوصول إلى أطفالهم والذين قد يكونون أحياءً أو لا.
النافذة العريضة- The Wide Window
إلى بياتريس. كنت أُفَضل أن تكوني بخير وعلى قيد الحياة.
ومجددًا يُرسل الأطفال إلى وصيٍّ جديد وهذه المرة هي العمة جوزفين (الفري وودارد-Alfre Woodard) والتي ترتاب من ظلها وتكره أخطاء النحو. تعيش جوزفين في منزل آيل للسقوط، موجود بأعلى تلَّةٍ تطل على بحيرة مليئة بعلقاتٍ آكلةٍ للحوم البشر. بعد أن أكلت العلقات زوجها الحبيب، تعيش جوزفين وحيدةً وغير قادرة على ترك المنزل فهي ترتعب من سماسرة العقارات. ولمرة أخرى يظهر أولاف، وهذه المرة متنكرًا في شخصية القبطان شام خادعًا جوزفين بسهولة.
تختفي جوزفين فيما يبدو كانتحار تاركةً وراءها رسالة انتحارٍ مليئةً بالأخطاء الإملائية، يجد الأطفال بين الأخطاء رسالة خفيَّة تخبرهم بمكانها. يعبر الأطفال البحيرة أثناء حدوث إعصار، ويجدونها مختبئةً في كهف؛ فقد اختارت أن تهرب بعدما هدّدها أولاف وترفض الآن أن ترحل. يقنعها الأطفال بالمغادرة عن طريق إخافتها بأن الكهف معروضٌ للبيع وسرعان ما سيأتي العديد سماسرة العقارات، ولكن يعترضهم أولاف ويُلقي جوزفين لحتفها في البحيرة. يستطيع الأطفال فضح أولاف مجددًا للسيد بو، ولكن بدلاً من أن ينتقلوا إلى وصي جديد يقرر الأطفال الهروب إلى منشرة خشب غامضة شاهدوها في صورةٍ تضم والديهما، مونتي، جوزفين، والراوي ليموني سنيكت والذي ما زلنا نجهل دوره في الأحداث أو كيف يعرف قصة الأطفال.
المنشرة البائسة- The Miserable Mill
إلى بياتريس: حبي حلَّقَ كالفراشةِ، حتى انقضَّ الموتُ كالخفَّاش
يصل الأطفال إلى بوابة منشرة (لاكي سملز-Lucky Smells) والموجودة بمدينة (بالتريفيل-Paltryville) والتي لسبب مجهول محترقة تمامًا ولم يتبقى منها شيء. يقابل الأطفال تشارلز، وشريكه السيد (Sir) اللذان يديران المنشرة، حينها يكتشف الأطفال أن الجميع هنا يعرف اسم بودليير جيدًا ويكرهونه، لأن هناك اعتقاد بأن والديهم هم المسؤولين عن الحريق الذي دمر مدينتهم. حينها ترغب فيوليت بالبقاء لتعرف المزيد عن القصة لأنها تعرف أنه لا يمكن أن يكون والداها سبب هذا، ولكن كلاوس يرغب بالرحيل –لأول مرة نرى اختلاف بين الأشقاء وذلك يعطيهم واقعية أكثر فمن منا لم يختلف مع أشقائه أبدًا؟!- يرى تشارلز أنه من اللازم إعطاء الأطفال مكان ليستقروا به ولكن السيد يقرر بأن يعامل الأطفال معاملة البالغين: سينامون في ثكنات العاملين، وسيعملون مثلهم. يتعرف الأولاد إلى المتفائل فيل فهو بارع في رؤية الجيد في كل ما هو سيء، ويبدأ الأطفال في محاولة اتخاذ نفس المبدأ فـ تعلق فايوليت أنه على الرغم من وجودهم في وضع سيء إلا أنهم لم يروا أولاف منذ أتوا هنا. وينتهي المشهد بالراوي ليموني يصحح لفايوليت قائلًا «من الأصح أن نقول أين تعيش صديقة كونت أولاف السابقة؟»
يبدأ الأطفال في اليوم الثاني بالعمل. إنه يوم قطع الشجر! على الأطفال العمل بنزع لحاء الشجر من قطع الخشب، ويعلن فيل الذي أصبح تفاؤله مزعجًا «أنا أحب يوم قطع الشجر». بعد ساعات من عمل متعب وصعب، يحصلون على خمس دقائق استراحة للغداء، ما الغداء الذي يأخذ خمس دقائق؟ اللبان. وكأن الأمور ليست سيئة بما فيه الكفاية يظهر أولاف مجددًا متنكرًا بهيئة رئيس العمال الجديد. يراه كلاوس نائمًا، ويحاول أن يتسلل ليرى إذا كانت قدمه تحمل وشم العين، حينها يستيقظ أولاف ويدفعه بعيدًا ليسقط وتنكسر نظارته، ويخبره فيل أن عليه الذهاب لطبيبة العيون الدكتور أورويل (كاثرين أوهارا- Catherine O’Hara) -صديقة أولاف السابقة-. نرى أولاف يحاول إقناعها بمساعدته قبل أن يصل كلاوس إليها. يا ترى كيف ستساعده طبيبة عيون؟
في نفس الوقت نرى الزوجين الغامضين واقفين على طريق يحاولان إيقاف سيارة مارة، تقول الأم للسائق «عادة لم نكن لنفرض أنفسنا بهذه الطريقة ولكننا بحاجة عاجلة إلى توصيلة»
تتطور الأحداث ونجد الأطفال واقفين عند باب فخم جدًا لأنهم على وشك استقبال زائر، في الوقت ذاته نرى الزوجين الغامضين يصلان إلى ما يبدو أنه المنشرة، ويبدو المشهد وكأن أخيرًا سينقذ الوالدين أطفالهم –انتبه! ولا ترفع أمالك كثيرًا- ولكن نكتشف أنهم والدين أطفال آخرين، التوأم الثلاثي كواجماير-وسنعرف قصتهم فيما بعد- والذي يتضح أنهم غير محظوظين كأطفال بودليير، فبعد ساعات من عودة والديهم، يحرق معتدي غريب –مألوف للمشاهدين- منزلهم. ثم يظهر زائري الأطفال، الطبيبة أورويل وأولاف متنكرًا كمساعدتها شيرلي.
بشكل ما يستطيع السيد بو إيجادهم أخيرًا ويتمكن الأطفال من كشف أولاف مما يدفعه للهرب مجددًا. وينتهي الموسم الأول بإعلان السيد بو أن الأطفال سيذهبون إلى مدرسة داخلية لأن لا أحد يرغب بأيتام يسببون المشاكل، ثم يغني الممثلين أغنية حزينة ونرى أطفال بودليير وكواجماير جالسين ظهرًا إلى ظهر منتظرين في مدرستهم الجديدة، كما يحدق كلٌ منهم إلى ما يبدو جزءًا مختلفًا من منظار. نري بجوارهم صورة بها أولاف وليموني كصديقين جنبًا إلى جنب في شبابهم، فما الذي يجري بالضبط وكيف ترتبط كل هذه الشخصيات معًا؟ وكيف يرتبط المنظار بوالديهم؟
استشاري؟ يا للهول، لما قد يستمع أحدهم لاستشاري
-جوستاف
اختلافات جيدة أم سيئة؟
حتى مع الالتزام الشديد بروح النص الأصلي، كان من الضروري -وفي بعض الأحيان من الذكاء- إضافة بعض التفاصيل المختلفة عن الروايات. الموسم الأول صُنع ببراعة وكان ممتع للغاية، ولكن ليس بدون سلبيات.
أول ما يلاحظه من قرأ الروايات أن هناك إطالة ملحوظة لكل جزء من السلسلة، حتى الأجزاء الصغيرة امتدت بشكل مُطول على حلقتين؛ كلٌ منهما تزيد عن ساعة مما كان في بعض الأحيان مملًا، مثل جزء المنشرة البائسة والذي لا يضيف الكثير للحبكة ولا يجيب أيًا من الأسئلة، وقد يمكن تجاهله تمامًا. أما الشيء الآخر فهو محاولة إظهار المؤامرات باكرًا، فمنذ البداية نرى رمز العين تقريبًا في كل مشهد، كما نرى العديد من الإشارات للمنظمة السرية، على الرغم من أن ذلك لم يظهر في الروايات حتى الرواية الخامسة. أما الاختلاف الأكبر عن سلسلة الروايات فهو الزوجان الغامضان اللذان تابعناهما منذ بداية الموسم، فالروايات قائمة في أساسها على وفاة الزوجين بودليير والقارئ قد تأكد من ذلك منذ الجزء الأول للرواية، ولكن الاختلاف نُفذ ببراعة، فهو أعطى المشاهدين أملًا بأن مصير الأطفال قد يصبح أفضل –ليدمر الأمل نهائيًا بالطبع- كما جعل الأمر واقعيًا أكثر ومُحطمًا، كقارئ تبدأ الروايات بإخبارنا أنهم توفوا في الحريق كأمر عابر لا تقف عنده كثيرًا، ولكن في المسلسل أنت تعيش ألم الفقد مع الأطفال عندما تدرك أنهم ليسوا البودليير.
من الاختلافات الممتعة كانت الراوي ليموني سنيكت. ففي الروايات كان له دور صغير، أما في المسلسل فهو دائمًا يظهر بتعليقاته الساخرة والكئيبة، ومع ذلك لم نعرف بعد ما علاقته بالأحداث وكيف يعرف الأطفال ولماذا يرى أن واجبه أن يحكي قصتهم، وطبعًا السؤال الأهم من هي حبيبته بياتريس الذي لسبب غامض رفضت الزواج منه، والتي تبدأ الحلقات برسائل إليها قد تكون في بعض الأحيان مضحكة وأحيانًا أخرى مثيرة للفزع؟
يبدو ليموني في المسلسل كأنه هو الشخصية الرئيسية أكثر من الأطفال، فهو من يبدأ معنا كل حلقة ويُعرف المشاهدين بما على وشك الحدوث، كما يعيد التنبيه والتكرار بأن واقع الأطفال سيزداد بشاعة وأننا على الأغلب يجب أن نشاهد شيئًا أخر.
اختيار الممثل كان ذكيًا، فطريقته في الحديث وتعليقاته نُفذت بطريقة بارعة كئيبة، وقد جعل المسلسل يستحق المشاهدة فعلًا.
أما من الاختلافات الذكية، كان هروب الأطفال إلى منشرة الخشب، ففي الرواية كانت المنشرة مكان آخر يُرسلهم إليه السيد بو، ولكن ذلك التغيير أعطي الأطفال قدرة على التحكم في مصيرهم، كما كسر الحلقة المتكررة من إرسالهم إلى وصي مرة بعد أخرى ليظهر أولاف متنكرًا مرة بعد أخرى، ففي البداية كان من الممل أن تسير أغلب الحلقات بنفس الشكل.
لا تخاف أبدًا من أن تعترف بجهلك بشيءٍ ما
شخصيات وعِبرات
ذكرنا في البداية خاصية الـ(Cameo) وهي وجود العديد من الشخصيات والتي تظهر للحظات قصيرة، وقد تظهر مجددًا أو تختفي تمامًا، وبالفعل المسلسل مليء بشخصيات كثيرة أغلبها يظهر للحظات ليساعد في تقدم الحبكة بدون أن ينطق بشيء. وقد كان استخدام هذه الخاصية موفقًا فلم نشعر بصعوبة في متابعة الشخصيات أو معرفة من ينتمي إلى أين.
تجسد الشخصيات التي قابلناها في الموسم الأول مثل السيد بو، وزوجته، والسيد مالك المنشرة، وأولاف، أبشع الصفات التي قد نراها في البالغين.
السيد بو
هو من أكثر الشخصيات استفزازًا بالنسبة لي، فهو يرفض أن يستمع، ويرفض أن يغير أي شيء عندما يرى أمرًا يرفضه، وأكثر ما يردده أنه لا يستطيع فعل شيء. في المرة الأولى التي لجأ إليه الأطفال لطلب المساعدة والإنقاذ من أولاف، قال أن أولاف الآن بمثابة والدهم ويرجع إليه أن يربيهم بالطريقة التي يراها مناسبة. أليس ذلك ساخرًا قليلًا؟ وكأن الإنجاب مقصور على من يعرف معنى التربية، أو أن كل من يربي مدرك لما يفعله. كما أن هناك إشارة دائمة بأن الأطفال مدللين، فلما اشتكى الأطفال من سوء معاملة أولاف وأنه يفرض عليهم واجبات منزلية قاسية، كان الرد بأن الأطفال هم المدللين الذين اعتادوا على عدم فعل شيء، بدل من الالتفات إلى أولاف الغير مؤهل أساسًا للتعامل مع أطفال.
زوجة السيد بو
كزوجها مريعة. فهي تمثل فئة من الصحفيين الغير مراعيين لمشاعر غيرهم، حيث تهتم اهتمامًا شديدًا بالفضائح والنميمة، ولكل ما قد يجذب إليها المزيد من القراء ويبدو رائعًا على الصفحة الأولي.
السيد-Sir
أرى أنه يمثل أخلاقيات النظام الرأسمالي بمساوئه. ففي النظام الرأسمالي الطريقة الوحيدة ليصبح أحدهم غنيًا هي أن يملك عملًا خاصًا به، وأن يحرص على تحقيق أعلى العائدات من عمله، مع دفع أقل رواتب ممكنة. وقد رأينا ذلك واضحًا في جزء المنشرة البائسة، فالشيء الوحيد الذي الذي دفع السيد لإبقاء الأطفال هو رؤيته فيهم لعمالةٍ مجانية، على الرغم من أنه يدفع لموظفيه كوبونات لن تفيدهم بشيء، كما يطعمهم اللبان كوجبة. وقد أخفى السيد كل ما يمكن أن يُبرئ والدا الأطفال ليحافظ على العمل، فالموظفين يلومون البودليير على وضعهم، ويرون في السيد منقذًا، وأن كل ما يقدمه لهم هو هدية، فبالتالي لم يفكر أحدًا في الأعتراض أو رفض الأوضاع القائمة.
أولاف
لم أرغب بالتعليق على أولاف لأننا سنكتشف فيما بعد حقائق أخرى عنه -سيكون الأمر مشابهًا قليلًا للبروفيسور سنايب من هاري بوتر الذي أحببناه قبل لحظات من موته- ولكن فلنكتفي بالقول أنه حاليًا يمثل الأشخاص ذو جنون العظمة الذين يظنون أنه لن يوجد مثيل لهم بينما هو لا يفعل أي شيء على الإطلاق بل هو ممثل فاشل، وبدلًا من الحصول على وظيفة أو فعل شيءٍ مفيد يسعى للحصول على ثروة شخص أخر بأي طريقة.
تفاصيل أخرى
المسلسل مبني على سلسلة روايات بنفس الاسم، مكونة من 13 جزء، وقد كتبها دانيال هاندلر مستخدمًا الاسم المستعار ليموني سنيكت. كما اقتُبست الروايات سابقًا في فيلم من بطولة (جيم كاري-Jim Carrey) و(ميريل ستريب-Meryl Streep)، كما يؤدى (جود لو-Jude Law) دور الرواي ليموني سنيكت، في العام 2004، وقد ناقش الفيلم الأجزاء الثلاث الأولى من السلسلة.
المسلسل رائع ومليء بالعديد من الإشارات إلى أدباء ومفكرين كثر، ومن الجدير بالذكر أن في كل حلقة نرى كُتبًا ومكتبات، كما نرى الأطفال يلجؤون للكتب لمعرفة ما يجهلونه من المعلومات، بدلًا من أن يسألوا من هم أكبر منهم، فكان ذلك لفتة رائعة إلى أهمية الكتب، والتأكيد على إن الكتب هي المصدر الموثوق للحصول على المعلومات. كما كان من الرائع أن يحافظ المسلسل على الإمتاع، وإضافة المعلومات للمُشاهد، والحفاظ في نفس الوقت على مستوى ثاني من الإشارات العديدة للحياة الواقعية. كما كان رائعًا بالنسبة لمن قرأ الروايات أن يحظى بإجابات أخيرًا.
من هي بياتريس؟ من هو ليموني سنيكت؟ ماذا حدث لأولاف ودفعه لأن يكون شريرًا؟ ما هي المنظمة السرية وما علاقتها بما يحدث؟ والسؤال الأهم، هل يمكن أن تسوء الأحداث؟ نعرف الإجابات معًا في الجزء الثاني.
إعداد وترجمة: سلمى عياد
المصادر:
1- https://bit.ly/2ViY1YH
2- https://bit.ly/2Xo4Mug