هوكينغ، رحلة المستحيل

Stephen-Hawking3

لا أعلم هل هي مصادفة حقًا أم ماذا؟ فيوم ولادته صادف مرور 300 عام على وفاة من نعتبره قائد الثورة التحررية العلمية الحديثة (جاليليو جاليلي)، ويوم وفاته أيضًا صادف مرور 139 عامًا بالضبط على مولد أعظم عقليات القرن العشرين (آلبرت آينشتاين)، ستيفن نفسه يُعد محاربًا من الدرجة الأولى حتى ولو لم يكن دون سلاح شأنه في ذلك شأن من صدف مولده ووفاته فكان صاحب أفكار ثورية علمية هو الآخر بالرغم من إعاقته الجسدية.

«عشت مع إمكانية الموت المبكر في السنوات التسع والأربعين الأخيرة، أنا لا أخشى الموت لكني لست على عجلة من أمري، فلدي أشياء كثيرة أقوم بها أولًا» – ستيفن هوكينغ

ولد ستيفن هوكينج في الثامن من يناير من عام 1942 بمدينة أكسفورد بإنجلترا، ثمَّ التحق بجامعة أكسفورد للدراسة وأراد في البداية دراسة الرياضيات ولكنه لم يكن متاحًا للدراسة في ذلك الوقت فانتقل لدراسة الفيزياء على الرغم من أنَّ والده كان يريد له أن يدرس الطب، وبعد ثلاث سنوات من الدراسة نال أول درجة علمية له في العلوم الطبيعية، وفي أكتوبر 1962 ذهب إلى قسم الرياضيات التطبيقية والفيزياء النظرية بكامبريدج للقيام بأبحاث في علم الكونيات ولكن للأسف لم يكن هناك أحد يهتم بالكونيات في القسم، وفي عام 1965 حصل على الدكتوراة وكانت رسالته بعنوان خصائص الأكوان المتمددة، ومن ثمَّ تتابعت أبحاثه في الفيزياء الكونية وخاصة الثقوب السوداء وطرح عدة أفكار ثورية في هذا المجال.

في عامه الحادي والعشرين تمَّ تشخيصه بمرض التصلب الجانبي الضموري (ALS) وتوقع الأطباء أنَّه لن يحيا لأكثر من عامين، حينها فقد ستيفن كل ما كان يملكه من طموحات وأحلام وتوقف عن العمل في رسالة الدكتوراة الخاصة به وغرق فجأة في بحر من الإحباط ورثاء للنفس ولكنه بخطبته لـ جين والذي كان على علاقة بها قبل تشخيصه بالمرض قد كان الشعلة التي أنارت طريقه مرة أخرى وجعلت له سببًا ليقاوم ويبدأ من جديد باستكمال مسيرته العلمية وحياته بشكل شبه طبيعي.

ستيفن هوكنيغ وجاين وايلد في يوم زفافهما بـ14 من يوليو 1966.

في أواخر الستينات بدأت أعراض المرض تظهر بشكل أكثر وضوحًا مما اضطره لاستخدام الكرسي المتحرك في تنقلاته كما أصبح تلعثمه في الكلام واضحًا بدرجة كبيرة لدرجة أنه اضطر دائمًا لوجود شخص من أفراد عائلته إلى جانبه لربط كلامه معًا وجعله حوارًا مفهومًا لمن يحادثه. وبحلول عام 1985 فقد قدرته نهائيًا على الكلام ولكن قام زملاؤه في كامبريدج بتصميم جهاز توليد الكلام مع وضع برنامج حاسوبي بدلًا من كلامه وأصبح هذا الجهاز بمثابة صوته الإلكتروني وكان يقوم باختيار كلماته عن طريق تحريك عضلات الخد.

خلال مسيرته المهنية درس هوكينج القوانين الأساسية التي تحكم الكون، واقترح بما أن للكون بداية طبقا للانفجار العظيم فمن المحتمل أن يكون له نهاية، ومن خلال العمل مع زميله في علم الكونيات روجر بنروز، أثبت أن نظرية النسبية العامة لألبرت آينشتاين تشير إلى أن المكان والزمان بدأ عند ولادة الكون وينتهي داخل الثقوب السوداء، مما يعني ضمنًا أنه يجب توحيد نظرية أينشتاين ونظرية الكَمِّ، وباستخدامه لكلتا النظريتين تمكن من إثبات أنَّ الثقوب السوداء ليست سوداء على الإطلاق، بل يجب أن تنبعث منها إشعاعات سميت إشعاع هوكينج وتتبخر في النهاية وتختفي.

وهناك تخمين آخر هو أن الكون ليس له حافة أو حدود في الزمن الوهمي، وهذا يعني أن الطريقة التي بدأ بها الكون تم تحديدها بالكامل من قبل قوانين العلوم، وقد عمل ستيفن مؤخرًا مع زملائه على حل محتمل لمفارقة المعلومات حول الثقب الأسود، حيث يدور الجدل حول كيفية الحفاظ على المعلومات. وفي عام 2014 عدل هوكينج نظريته حتى كتب أنه لا توجد ثقوب سوداء أو على الأقل ليس بالطريقة التقليدية التي يفهمها علماء الكون، وأزالت نظريته وجود أفق الحدث، وهي النقطة التي لا يستطيع أي شيء الهروب منها. وبدلًا من ذلك اقترح أن يكون هناك أفق واضح من شأنه أن يتغير وفقًا للتغيرات الكمومية داخل الثقب الأسود. لكن تلك النظرية لا تزال مثيرة للجدل.

كان هوكينج مثالًا على الإصرار وحب العلم والإيمان بما يعمل مهما كانت غرابة الفكرة فكان هدفه هو اكتشاف وتفسير وفهم كامل لكل ما يدور حولنا في الكون وكيفية وجودنا، كما أنَّ البحث العلمي بالنسبة إليه له جانب ديني فمن وجهة نظره أن إيجاد نظرية كل شئ هو بمثابة معرفة عقل الإله وكيف يفكر، ورغم أنَّ مرضه كان يومًا ما سببًا في إحباطه وتوقفه عن ممارسة ما يحبه –الفيزياء- إلا أنَّه كان سببًا هامًا إلى جانب عبقريته العلمية بالطبع في شهرته وانتشار نظرياته حتى بين عامة الناس وأصبحت كتبه من الأكثر مبيعًا في العالم كله. ومنذ أن قرر معاودة حياته وطموحاته لم يعد يمنعه يومًا من فعل ما يهواه فقد كان دائم السفر والتنقل، وخاض بنفسه تجربة انعدام الجاذبية الخاصة في مركز كينيدي الفضائي مما أتاح له التخلص من كرسيه المتحرك لفترة قصيرة وقال وقتها أنه يتمنى أن يبقى محلقًا في الفضاء مثل سوبر مان.

هوكينغ أثناء تجربة انعدام الجاذبية الخاصة في مركز كينيدي الفضائي

بالإضافة إلى الوصول بالفيزياء النظرية إلى اللانهائية وإثارة أطبائه ببقائه المستمر ضد جميع التنبؤات، تمكن هوكينج من إنجاز شيء يعتبره الكثيرون من أسلافه مستحيلاً: لقد جعل موضوعًا معقدًا مثل الفيزياء الفلكية مسألة افتتاحية عامة واسعة، فكتابه موجز تاريخ الزمن والذي يشرح فيه تعاليم تطور الكون احتل قائمة أكثر الكتب مبيعًا طبقًا لصحيفة صن داي تايمز البريطانية ليحقق رقما قياسيا في 237 أسبوعًا، ولم يتوقف هوكينج عند هذا فقط فدائمًا ما كان يأمل أن يغرم العامة بالعلم وأراد الوصول بهم إلى آفاق الكون المختلفة فأصدر أيضا العديد من الكتب بعد كتابه هذا ليستمر بعملية تبسيط العلوم ومن أشهر ما كتب: الثقوب السوداء والأكوان الناشئة وكتاب الكون في قشرة جوز وكتاب التصميم العظيم وعدة كتب أخرى، كما شارك ابنته لوسي في كتابة العديد من قصص الأطفال ذات الطابع العلمي.

عاش ستيفن هوكينج حياته آملًا في فهمٍ أفضل للكون وتفسير كل ما يحدث فيه حالِمًا بزيارة الفضاء يومًا ما وحاملًا راية الدفاع عن كوكب الأرض بدعوته الدائمة للحفاظ عليه وإيجاد سبل مختلفة للمساعدة على استمرار الحياة، كان دائما مصدر إلهام سواء كنا نتفق مع أفكاره أم لا إلا أنه يبقى أيقونة علمية عظيمة مرت على هذا الكوكب وطبعت أثرها بكل قوة وأثبتت قيمتها رغم الإعاقة والمرض.

«إنه مضيعة للوقت لكي أكون غاضبًا من إعاقتي، فعلى المرء أن يستمر في الحياة ولم أقم بعمل سيئ، فلن يجد الناس الوقت لك إذا كنت دائم الشكوى والغضب». – ستيفن هوكينغ

 

إعداد: آية غانم

مراجعة: محمد المصري

المصادر:

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي