Velvet Buzzsaw: بماذا سنحاربهم إذًا؟!

MV5BMjExMDQ1NjMzOV5BMl5BanBnXkFtZTgwMjkxMzMyNzM@._V1_SY1000_CR006741000_AL_

|||||

الفن الذي يُباع ويُشترى

«لقد سئمتُ من مواعدة الفنانين، فهم مرتبطون بالفعل.»

(من الفيلم).

لا أعلم ما هي احتمالية أن تعيش في عالَم مثل هذا، لكن هذا الفيلم يدور في عالَمٍ غير تقليديٍ بالمرة، فهناك فنانون يقومون بعرض أعمالهم في المعارض، وهناك مُلاكٌ لتلك المعارض، وهناك نقّادٌ يقومون بتحليل أعمال الفنانين التي تُعرض في تلك المعارض، وهناك الكثير من الملايين اللعينة التي يتم شراء تلك الأعمال بها، وهناك أنا، أنا الذي عندما وصلتُ إلى منتصف الفيلم تمنيتُ ألا ينتهي أيًّا كان العالَم الذي وقعتُ فيه؛ فمنذ فترة طويلة لم أشاهد عملًا فنيًا بهذا التفرُّد والأصالة، ومن فضلك انتبه لفكرة (الأصالة) هنا.

 

الفرقة الانتحارية؟ أنت أمام نسخةٍ منها

«الافتتان بالعمل هو ما يدفعني لتقييمه، أنا أضيف للعمل الفنّي الذي أحلِّلُه.»

(من الفيلم).

هل شاهدتَ التحفة الفنية الخالدة (Nightcrawler)؟ لنفترض أنك شاهَدتَه، لا تقلق لن أحرق عليك أي شيء من أحداثه، يكفي أن تعلَم أن مخرجه وكاتب السيناريو الخاص به دان جيلروي (Dan Gilroy) وأبطاله جيك جيلِنهول (Jake Gyllenhaal) ورينيه روسو (Rene Russo) قد قرروا أن يجتمعوا معًا مرة أخرى ليصنعوا عالَمًا مجنونًا آخر هنا.

لا يُخفَى عليكم بالطبع أن (جيك جيلِنهول) قد أصبح أحد أفضل أبناء جيله بلا شك، بالنسبة لي هو الأفضل بين أبناء جيله، ولكن ما الذي أوصله لتلك المرحلة؟ إنها اختياراته المدهشة، أدواره التي يجسدها أمامي وأرى نفسي فيها، ممثلٌ لا (يتشنج) كثيرًا وانفعالاته الهيستيرية نادرة للغاية، لكنها تلك الشخصيات، تلك الشخصيات التي تتلبسه فيصير بها شيئًا واحدًا لا تستطيع أن تميزهما عن بعضهما. ماذا؟ لم يترشح سوى مرة واحدة لـ (الأوسكار)؟ سحقًا للأوسكار، لا تحصل أعماله على هذا الاحتفاء على منصات الجوائز؟ ما فائدة الجوائز في هذه الحالة التي أتحدث لك عنها هنا! لتذهب الجوائز للجحيم حينما أرى من يستطيع أن يعبر عني في فنِّه.

أناسٌ مثل (جيك) إن لم تُعجَب بما يقدموه يجب أن تقدره، الحقيقة لا أعلم متى كانت آخر مرة يقدم فيها دورًا طبيعيًا، لكن هذا هو الفن، وهذا هو ما يتحدث عنه هذا العمل، هذا ما يناقشه (Velvet Buzzsaw) أو كما يُمكن ترجمته بـ (المنشار المِخملي)، ما قيمة الفن إن فهمته ولم تشعر به؟ هل تتذكر تلك اللوحة الزرقاء التي شاهدتَها ذات مرة وقيل لك أنها قد بيعت بالملايين؟ لا بالطبع لن أقول لك أنه عمل فني لا تفهمه ولكن تشعر به؛ فأنت تستطيع أن ترسم (تحفًا فنية) مقارنة بتلك اللوحة، لكن المقصَد هو أن (الفَن) لم يوجَد ليُشرح ويتم توضيحه. ذات مرة نشرتُ قصيدةً لي، أنا شاعر في الحقيقة، وكنتُ وقتها بدأتُ الكتابة منذ فترة قصيرة، وقتها قام أحد من قرأوا القصيدة بسؤالي عن معنى بيتٍ من أبياتها، وأتذكر وقتها كَم المجهود الذي بذلتُه حتى أشرح له ما قصدتُه في القصيدة، وقتها راسلني شاعرٌ صديق ينصحني بعدم فعل هذا مرةً أخرى وأن أكفَّ عن شرح ما أريدُه، ووقتها قال لي جملةً لا زالت عالقةً في ذهني حتى الآن، قال لي: «الشِعرُ إذا شُرح، جُرح»، وهنا يمكنني أن آخذ تلك الجملة وأعممها قليلًا؛ فالفن إذا إذا شُرح، جُرح. الفن قد وُجد في الأساس حتى تشعر به، يتواصل معك بطريقةٍ ما أنت نفسك تعجز عن شرحها في كثيرٍ من الأحيان، وأنتَ لستَ مضطرًا لذلك فيكفي أنه قد توغَّل فيك.

 

من الذي سَنَّ المنشار؟

«لا أعتقد أن جودة العمل الفني يُمكن أن يُحكَم عليها بعدد المشاهدات والمبالغ التي تُدفَع مقابلها.»

(دان جيلروي متحدثًا عن الفيلم)(1).

في الحقيقة هذا هو العمل الثاني الذي أشاهده لـ (جليروي) بعد فيلم (Nightcrawler)، وفي كلا العملين كان هو المخرج وكاتب السيناريو، أمرٌ أقدره كثيرًا في أي فيلم أشاهده، فعندما تكون أنت مخرج العمل وكاتبه تضمن بشكل كبير أن الصورة النهائية للعمل هي ناتج الفكرة التي كانت في رأسك منذ البداية وأنت تكتب السيناريو، وربما (السيناريو) هو أكثر ما يميز (جيلوري) كصانع أفلام، فمنذ أول فيلم شارك فيه عام (1992) والذي يُدعى (Freejack) حتى فيلمنا هذا قام بالمشاركة في 10 أعمال مختلفة شارك في 7 منها ككاتب فقط، بل إن أول أعماله الإخراجية كانت (Nightcrawler) عام (2014)، وفي الأعمال الثلاثة اللاتي قام بإخراجها كان هو كاتب القصة أيضًا(2).

وربما وأنت تشاهد هذا الفيلم (المختلف) تتسائل: كيف أتى كاتب الفيلم بتلك الفكرة؟ في الحقيقة أتت تلك الفكرة إلى (جيلروي) قبل سنوات من تنفيذه للفيلم عندما كان يتجول في متحف الفن المعاصر (ديا:بيكون- Dia:Beacon) بمدينة (بيكون) الأمريكية، المتحف الذي يضم مجموعة من الأعمال التي تستطيع أن تطلق عليها (غريبة لكن رائعة)، الأمر الذي جعله يقول «لقد كنتُ مهتمًا بفكرة المكان الذي يقدم الفن والتجارة معًا». قام (جليروي) بصنع فيلمه بناءً على تلك الفكرة، فقدم مسرحية سيريالية وجعل (الفن المعاصر) خلفيةً لها، كما قال عن شخصية الناقد الذي قام به (جيلِنهول) «نحن لم نرغب في رسم صورة كاريكاتيرية للناقد الفني، لقد أردنا أن نجعل الأمر واقعيًّا قدر الإمكان.»، شيئًا ذكره (محمود مهدي) في مراجعته لهذا الفيلم، أنه لا يوجد في هذه القصة أبطال وأشرار، هناك شخصيات(3)، شخصيات تحتمل أن تحتوي على كل الصفات البشرية العادية بعيدًا عن (الكارتونية) المعتادة، الأمر الذي تملَّك (جيلِنهول) لدرجة أنه بعد قراءته للسيناريو بدأ في عمل أبحاث لشخصيته وصار مهتمًا بالذهاب للمعارض الفنية واستكشاف الوجهين الجمالي والتجاري لعالم الفن المعاصر(1).

أنت منذ المشهد الأول تجد نفسك محاصَرًا بالكثير من الشخصيات الرئيسية، وفكرة عدم وجود الشرير الأوحد أو البطل المنقذ تجعلك تقف على مسافة واحدة من جميع الشخصيات، الجميع متساوون أمامك حتى تحدث اللحظة الفارقة والتي بُنيت القصة عليها، عندها لن يكون تركيزك أصلًا أيًا من تلك الشخصيات على حق، كل ما سيسيطر عليك عندها هو كيف يحدث كل هذا؟! ستبحث عن الإجابات، وهذا هو الأهم.

 

لماذا نحب الفن؟

«الولادة تقتضي الحمل، نعم الأفكار تأتي، لكنها تقتل نفسها بمجرَّد ظهورها، مرحبًا بك في المذبح.»

(من الفيلم).

هل سمعتَ عن (عُقدة الكاتب)؟ أحد المواضيع التي ناقشها هذا الفيلم والتي أثَّرت في في الحقيقة كانت الحالة التي يصل إليها الفنان عندما تتجمد الأفكار في رأسه ولا يستطيع أن يعبِّر عن أي شيء، أي شيء! شيئٌ كفيلٌ أن يقودك للجنون.

فـ بين جون مالكوفيتش (John Malkovich) والذي قام بدور (بيرس)، وهو الشخص الذي يعاني من تلك (العُقدة)، و (رينيه روسو) والتي قامت بدور (رودورا)، إحدى الشخصيات الرئيسية في الفيلم، وزاوي أشتون (Zawe Ashton) والتي قامت بدور (جوزيفينا)، الدور الذي كان سببًا في عودتها عن قرارها بترك التمثيل بعد موت جدها(4)، و توني كوليت (Toni Collette) والتي قامت بدور (غريتشن)، وتوم ستوريدج (Tom Sturridge) والذي قام بدور (دوندون)، ستجد نفسك محاصرًا بالكثير من الأداءات الرائعة، فكل فرد منهم يعلم بالضبط أبعاد الشخصية التي يؤديها لدرجة تجعلك مرتبكًا في بعض الأحيان لعدم توقعك من الخطوة التالية لكل شخصية منهم، أنت لا تعرف دوافعهم من البداية.

 

صراع الكادر والسيناريو

«- التقييم السيء أفضل من الانغماس في النعيم بهوية مجهولة.

– أهذه مزحة؟

– كلا.

– لقد ثمل (ريكي) بالأمس وتعرض لحادث بسيارته وهو في غيبوبة الآن، سمعتُ أنه سُحِق.

– سُحق بالسيارة؟

– تقييمك هو ما سحقه أيها الوغد.»

(من الفيلم).

على الرغم من أن (المؤثرات البصرية) لم تكن بأفضل حالاتها هنا، إلا أن تكوين (الكادرات) وحركة الكاميرا والموسيقى التصويرية يجعلونك أسيرًا في هذا الفيلم.

فتلك الكادرات هي التي قال عنها (جليروي) «أعظم شيء في العالم يُمكن أن يكون مشهدًا لا يحتوي على حوار أصلًا»، فبالنسبة له كانت العناصر البصرية في هذا الفيلم أكثر أهمية بالنسبة له في سرد أي قصة، أكثر أهمية من خط الأحداث والحوار الناشئ بين الشخصيات(1).

وتلك (الموسيقى التصويرية) التي تُعد شيئًا من أهم عناصر الفيلم، فقد ظلت عالقة بذهني لدرجة أنني أكتب هذا الكلام الآن وأنا أستمع إليها، بل إنه وفي لحظة ما من الممكن أن يصل بك الأمر أن تتمنى أن تعيش في عالم مثل هذا، عالم فيه الكثير من الألوان، عالم يسيطر عليه اللون الأبيض.

لحسن حظ (جليروي) قامت شركة نتفليكس (Netflix)(1)، وهي الشركة المنتجة لهذا العمل، بإعطائه الصلاحيات الكاملة لتنفيذ أكثر أفكاره جنونًا، لم تحرمه من بعض الدماء.

هذا العمل غير تقليدي بالمرة، ربما تعبير (غريب الأطوار) سيكون مناسبًا عليه، ولكن وعلى الرغم من ذلك لا أستطيع تصنيفه كفيلم (معقَّد)، بالعكس تمامًا، بوصولك لمنتصف الفيلم تقريبًا ستكون فهمت ما هي (فكرة) هذا الفيلم. ربما سترى أن هناك معنىً خفيّ وراء قصة كتلك، وربما ترى أن ما يريد صناع الفيلم قوله ظاهر أمامك على سطح الفيلم، مع ذلك لن تستطيع تصنيفه كفيلم سطحي. ربما أكثر ما جذبني في هذا الفيلم، بعيدًا عن ما يريد صناعه قوله، هو العالَم الذي يدور فيه، عالَمٌ تمنيتُ، بطريقة ما، أن أكون جزءًا منه.

 

وهنا يأتي وقت السؤال المهم: هل هذا الفيلم يُعد فيلمًا (ساديًا)؟ بالطبع لا، هو أكثر من ذلك بكثير.

إعداد: أحمد فهمي

 

المصادر

1- https://bit.ly/2EAVRxT

2- https://imdb.to/2ICKsBJ

3- https://bit.ly/2BWUAzH

4- https://bit.ly/2SNkQWX

 

 

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي