أرونداتي روي.. الباحثة عن حريّتها في الكتابة

أرونداتي روي.

 اختارت الكاتبة الهنديّة «أرونداتي روي» الكتابة لتكون وسيلتها للشّعور بالحرّيّة، فالكاتبة الّتي عانت في القرية الصّغيرة بالهند حيثُ نشأت من قيود الخوف المتكالبة عليها راحت تبحث عن حرّيّتها حتّى وجدتها في الكتابة. ولا ترى أرونداتي روي نفسها ككاتبة مكرّسة كافّة جهودها لمشروع روائيّ، لكنّها تعرّف نفسها بوصفها مهتمّة بشئون بلدها ومدافعة عن حقوق الإنسان ومعارضة لسياسات التّسلّح والعنف. وفي الموضوع التّالي نتعرّف على الكاتبة الهنديّة صاحبة جائزة البوكر العالميّة أرونداتي روي.

 أرونداتي روي والبدايات

«الرّواية تُعطي الكاتب الحريّة كي يصبح كيفما يشاء وتنقله خلال العوالم واللّغات والزّمن والمجتمعات والسّياسات المختلفة». (1)

أرونداتي روي

وُلِدَتْ الكاتبة الهنديّة ذات الصّيت العالميّ في بلدة صغيرة بشمال شرق الهند، البلد متعدّد الأعراق والأديان، وكان ذلك في نوفمبر من عام 1961. ونشأت أرونداتي روي وكبرت في كيرلا على السّاحل الجنوبيّ للهند. ومن أجل الدّراسة انتقلت روي إلى دلهي لتدرس العمارة، وهي الخلفيّة الّتي ستشكّل أعمالها الرّوائيّة ككاتبة فيما بعد.(1) كانت والدتها مسيحيّةً ووالدها من هندوسي البنغال، ممّا جعلها تتعرّض لثقافتين مختلفتين ولكن أيضًا إلى نظرات التّقليل من الشّأن لكون زواج والديها أمرًا غير معتاد. (4)  

وكطفلة صغيرة أُحيطت أرونداتي روي في القرية البسيطة بأنواع مختلفة من الخوف والرهبة الّتي تسلّلت من بين موطنها وعائلتها ومجتمعها المحيط. ولم تشعر طوال طفولتها وحتّى بدأت تنضج وتستوعب الأشياء حولها بأيّ انتماء لقريتها ومسقط رأسها، ما جعلها تتحيّن الفرص كي تغادر إلى دلهي المدينة الرّحبة حيثُ يمكن أن تهرب من القرية الصّغيرة وتبدأ عالمًا جديدًا. (1)

لذا ففي عام 1976 وحين كان عمرها يقارب السّتة عشر عامًا أقدمت روي على الانتقال إلى دلهي هربًا من القرية الصّغيرة والتحاقًا بدراسة تؤهّلها كي تصبح مستقلّة ماديًّا وتستطيع بناء حياتها على الأسس الّتي تريد.(1) واختارت دراسة العمارة كونها تأثّرت بشكل خاصّ بأفكار المصمّم المعماريّ (لوري بيكر ـ laurie Baker) الّذي أنشأ مدرسة والدتها وأدارها. وتُطلِق على مدينة دلهي لقب «المدينة الّتي حرّرتني».(1)

بين الكتابة والسّياسة

«لم أكن يومًا ما طموحة أو مهنيّة، فلم أحاول الوصول إلى أيّ مكان في مجالي. فبالنّسبة لي ما يهمّ هو الانخِراط مع المجتمع والعيش فيه والمرور بكثير من الخبرات». (4)

أرونداتي روي

 لا تذكر أرونداتي روي كثيرًا في لقاءاتها بداياتها مع الكتابة، فكلّ ما تميّزت به منذ نضجت هو التَّوْقُ للحريّة ولحياة خالية من القيود الّتي امتلأت بها القرية. ولذا تبنّت روي مع ذاهبها لمدينة دلهي واستعدادها لحياتها الجديدة مع الدّراسة والنّاس الأسلوب البوهيميّ في المعيشة والحياة، حيثُ أقامت بكوخ صغير بسقف من الصّفيح وصارت تكسب رزقها ببيع زجاجات البيرة الفارغة. (2)

ولعلّ أكثر ما ارتبط في ذهن أرونداتي بمدينة دلهي كانت الحريّة وعدم الاضطرار للكشف عن هويّتها أو ما أسمته «المجهوليّة»، حيثُ افتقدت هاتيْن الميزتيْن في حياتها بالقرية الصّغيرة. (1)

أرونداتي روي في شبابها

وكانت أولى تجاربها مع الكتابة رسميًّا هي كتابة سيناريو لأحد الأفلام الهنديّة. فمع مقابلتها لزوجها المستقبليّ، بارديب كريشين، الّذي كان يعمل في مجال صناعة الأفلام بعام 1984 وبتأثير منه اتّجهت أرونداتي إلى مجال الأفلام وعالمها. وفي البداية مثّلت دورًا صغيرًا في فيلم (ماسي ساهيب ـ Massey Sahib)، ثم كتبت بعدها السّيناريو لفيلم ما الّذي تمنحه آني لهؤلاء (In Which Annie Gives It Those One)(2) الّذي يتحدّث عن طلاب في مدرسة العمارة في العام 1970، وآني هو رجل يعيد سنته النّهائيّة للمرّة الرّابعة ويقع ضحيّةً لانتقام أحد أساتذته في المدرسة. وشخصيّة آني غريبة الأطوار قليلًا إذ يربّي الدّجاج والأرانب في غرفته ومهووس بكيفيّة التّعامل مع (الهجرة من الرّيف إلى الحضر).(1)

لا تهتم روي بأدبها وكتاباتها فقط بل تغوص في أعماق القضايا السّياسيّة، فكتبت عن عدد من الموضوعات الخاصّة ببلدها مثل مشروع سدّ سردار ساروفار والتّسلّح النّووي في الهند ونشاطات العملاق الأمريكيّ للطاقة إرنون في الهند. (3)

وحصلت الكاتبة على عدد من الجوائز لدورها المجتمعيّ ونشاطها السّياسيّ منها جائزة منظمّة لانان للحرّية الثّقافيّة في 2002، وجائزة سيدة السّلام من جوائز حقوق الإنسان العالميّة في سان فرانسيسكو عام 2003، إلى جانب جائزة سيدني للسّلام في 2004.(4)

روايات وكتابات

رواية وزارة السّعادة القصوى لأرونداتي روي.

كانت انطلاقة أرونداتي الأولى والأبرز في عالم الأدب هي روايتها «إله الأشياء الصّغيرة» والّتي حصلت روي من خلالها على شهرتها الواسعة بفوزها بجائزة البوكر العالميّة في عام 1997.

وبدأت أرونداتي منذ عام 1992 العمل على الرّواية الأولى وانتهت منها بعد أربع سنوات كاملة في عام 1996، وحصلت من الرّواية على نصف مليون جنيه إسترليني، وبيعت حقوق الكتاب في 21 دولة. وهي الرّواية الّتي تأثّرت بشكل واسع بتجربة الكاتبة الحياتيّة وسيرتها الذّاتيّة. وترجمت روايتها الأشهر إلى عدّة لغات عالميّة. (1)

وبعد النّجاح الباهر الّذي حقّقته روايتها «إله الأشياء الصّغيرة» عادت روي مجددًا إلى كتابة السّيناريو، ولم تعد إلى الكتابة الرّوائيّة إلّا بعد مرور أكثر من عشر سنوات. ففي بدايات عام 2007 أعلنت روي أرونداتي عن عملها على روايتها الثّانية. (4)

وإلى جانب إله الأشياء الصّغيرة لديها رواية وزارة السّعادة القصوى الصّادرة في عام 2017 ورواية قلبي المشاغب وصدرت عام 2019. كما تمتلك الكاتبة في رصيدها عدد من الكتب الجادّة والسّياسيّة والمقالات مثل «كتاب الطّبيب والقدّيس» وكتاب «أشياء لا يمكن أن تُقال» الّذي يتضمّن محاورات ومقالات عدّة.(5)    

إله الأشياء الصّغيرة

رواية إله الأشياء الصغيرة.. أرونداتي روي.

«هذه هي الهند الأرض المثقلة بالحسّ والشّعر، أرض تتمايل فيها القوارب الصّغيرة في مياه متموّجة من الحرير الأخضر، أرض مملوءة بالجوائز الأدبيّة لمن يمكن أن تكون له مخيّلة جيّدة ليفوز بها، ولكن كلّ هذه أشياء صغيرة». (6) 

من رواية إله الأشياء الصّغيرة.

تعدّ رواية إله الأشياء الصّغيرة هي أبرز أعمال الكاتبة الهنديّة، إذ وضعت اسمها على أرفف المكتبات العالميّة بل وعلى منصّات الجوائز والسّاحات النّقديّة المختلفة. وأثارت الرّواية الّتي تُرجمت إلى 16 لغة، من بينها العربيّة، في 19 بلد الكثير من الجدل في الهند ولكنها أيضًا حقّقت مبيعات هائلة بعد صدورها. وتتناول الرّواية علاقة غراميّة بين مسيحيّة وشاب من الهندوس، وتدور أحداثها في كيرلا الإقليم الرّيفيّ بجنوب الهند، حيثُ تنتمي أصول الكاتبة. وتحكي الرّواية عن قصّة توأميْن، إشتا وراهيل، اللّذين يجتمعان بعد شتات دام 23 عامًا وذكرياتهما المشتركة للأحداث المحيطة بالحادث المُميت لابنة عمهم الإنجليزيّة صوفي مول في عام 1969.(3)

وتعود راهيل إلى قريتها بعد غياب طويل عندما سمعت بعودة غير متوقّعة لأخيها التّوأم إشتا ليجتمعا مرّة أخرى بعد حادثة غرق ابنة عمهم الصّغيرة صوفي مول. واعتاد إشتا وراهيل على الحياة في مظلّة الكبار، ولكنهما بعد مجيء صوفي للهند اكتسبا تقديرًا جديدًا لمكانتهما كأطفال من الدّرجة الثّانية، إذ يعاني التّوأم من النّبذ المجتمعيّ كونهما ناتجان من زواج لم يباركه المجتمع بل وتعرّضا فيما بعد للضّرب وأمّهما ممّا جعلها تعود غير مرحّب بها إلى منزل والديها.(7)

وكتبت المحرّرة الأدبيّة لنيويورك تايمز، أليس ترواكس، أنّ رواية إله الأشياء الصّغيرة لا توجد بها مأساة واحدة في قلب الرّواية المؤثّرة، فالرّواية تفتتح بذكريات عائلة تودّع أحد أطفالها الّذي مات غرقًا فإنّ الرّواية في داخلها تحمل مزيدًا من الأحداث المرعبة والّتي تتنافس على حصد تعاطف القارئ.(7)

وتصف أليس ترواكس سرد الكاتبة الهنديّة بالمبهر والمرهق أخلاقيًا في بعض الأحيان والخياليّ للغاية بحيثُ يظلّ القارئ مفتونًا طوال رحلته مع الرّواية حتّى نهايتها المؤلمة. وعن نهاية الرّواية، تذكر المحرّرة الأدبيّة لنيويورك تايمز أنّ النّهاية تمثّل فاصلًا قصيرًا من السّعادة الشّديدة وتُثير في القارئ شعورًا مقاربًا من الامتنان والاندهاش إذ يبدو أنّ القرّاء سيجدون شيئًا صغيرًا برّاقًا وسط الحُطام.(7)

 

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي