لنتخيل أن أحدهم يذهب إلى الطبيب لإجراء فحص بالأشعة المقطعية على المرارة، لحسن الحظ يجد الطبيبُ المرارة على ما يرام، ولكن الطبيبَ يلاحظ سوائلَ متراكمةً فيما يشبه الكيس على البنكرياس (خُراج – cyst)، يخبره الطبيب إنه خُرَّاجٌ قد يؤدي إلى الإصابة بالسرطان ولذلك سيحتاج استئصاله.
و يُضيف الطبيبُ إنّ الأمرَ سيستغرقُ حوالي ثلاثة أشهر للتعافي من العملية الجراحية، بالإضافة إلى أنَ هناك احتمال 50٪ بإمكانية حدوث مضاعفات جراحية، واحتمال 5٪ أنْ يُتوفَّى الرجل على طاولة العمليات.
يتم تشخيص ما يُقدر بنحو 800 ألف مريض سنويًا في الولايات المتحدة فقط بإصابتهم بخُراجات البنكرياس، ومع ذلك فإن الأطباء ليس لديهم وسيلة فعّالة للتفرقة بين الخُراجات التي يمكن أن تؤديَ إلى السرطان وبين الخُراجات الحميدة، هذا الغموض يؤدي إلى الآلاف من العمليات الجراحية غير الضرورية، حيث وَجدت إحدى الدراسات أن ما يصل إلى 78% من الخُراجات التي أُحِيل المريضُ من أجلها إلى الجراحة كانت خُراجات حميدة غير سرطانية.
تعلُّم الآلة يمكن أن يساعد في تجنب الجراحة
قام جرَّاحون وعلماء الكمبيوتر في (جامعة جونز هوبكنز- Johns Hopkins University) مؤخرًا ببناء اختبار للتحليل الشامل للخُراجات يُسمى (CompCyst)، وعند التنبؤ بما يجب على الأطباء أن يقوموا به تجاه المريض سواء أن يذهبَ إلى المنزل أو يتم مراقبته أو يخضع لعملية جراحية، كان الاختبار أفضلَ بكثيرٍ من وسائل الرعاية والفحص التقليدية مثل ملاحظات الطبيب والفحص الطبي.
وقالت (آن ماري لينون – Anne Marie Lennon)، مؤلفة الدراسة ومديرة برنامج خُرّاجات البنكرياس في (مركز جونز هوبكنز كيميل للأبحاث السرطانية – Johns Hopkins Kimmel Cancer Center)، في مؤتمرٍ صحفي حول الدراسة؛ إنها تتوقع أن يُقدَّم الاختبار لمرضى هوبكنز في مدة تترواح من 6 إلى 12 شهرًا، وتأمل في أن يصبح متاحًا تجاريًا بشكلٍ أكبر بعد تجاربٍ سريريّة أكثر.
ويقول (كريستوفر فولفجانج- Christopher Wolfgang)، مدير قسم جراحات الأورام في مركز (كيميل للسرطان- Kimmel Cancer Center): «إن الغالبية العُظمى من خُراجات البنكرياس حميدة، لكن الأطباء الآن يتعقبونها جميعًا، فنحن نحتاج إلى متابعة جميع المرضى -بالاختبارات باهظة الثمن- بناءً على طلب مئات الآلاف منهم، لاكتشاف المرضى القليلين والذي من المحتمل إصابتهم بالسرطان». ويُضيف فولفجانج بأن اختبار المتابعة قد يشمل التعرض للإشعاع ومضاعفاته، بالإضافة إلى القلق والتوتر المصاحبَين له.
آلية عمل الاختبار (CompCyst)
قامتْ لينون وولفغانغ وآخرون بصنع أداة للبحث والتدقيق في معلومات المرضى، على أمل تحديد أنماط للتفرقة بين الخُراجات منخفضة الخطورة والخُراجات شديدة الخطورة. للقيام بذلك، قاموا بجمع بيانات مئات من المرضى -من هوبكنز و15 مركزٍ طبيّ آخر في جميع أنحاء العالم- تم تشخيص إصابتهم بالخُراج، ثم خَضعوا لعملية جراحية لإزالته، من ثَمَّ، تم فحص وتصنيف كل خُراج بعد الجراحة على أنه (غير خطير “خُرّاج حميد” -خطير بدرجة صغيرة- وشديد الخطورة “خُرّاج سرطانيّ” ).
يُركز الاختبار (CompCyst)، على خوارزميّة للتعلم الآلي تُدعى(MOCA)، لكن ما الـ (MOCA)؟
هي اختصارٌ لــ(multivariate organization of combinatorial alterations) أو تجمع متعدد المتغيرات للتعديلات التوافقية، والتي تقوم بكل بساطة بالعثور على الخصائص المترابطة بدرجة كبيرة، حيث أنه في العادة، يرغب المستخدم في العثور علي الخصائص التي من الممكن التنبؤ باستجابتها بشكل جيد، وحاليًا (MOCA) قد وُظّفتْ على نطاقٍ واسع للعثور على السمات أو الخصائص السريرية والجينية التي تتنبأ بالسمات الظاهرية الفيزيائية للمريض (على سبيل المثال: الأمراض، الاستجابة للأدوية، أو نوع السرطان).(2)
وبالعودة إلى اختبار (CompCyst) تقوم خوارزمية (MOCA) بجمع البيانات الجزيئيّة بما في ذلك طفرات الحمض النوويّ والتغيُّرات في الكروموسومات، كما تجمع معلومات البروتين المُستخلص من سوائل الخُراج واختبارات التصوير الطبيّ، حيث قام الفريق بتدريب الخوارزمية على بيانات 436 مريض، ثم اختبرها على مجموعة أخرى منفصلة مُكونة من 426 مريض. وقال الباحث المُشارك (ماركو دال مولين- Marco Dal Molin)، إن الخوارزمية تختبر الملايين من البيانات للتنبؤ بمسار العلاج الصحيح بحساسية ودقة عالية.
نتائج مبهرة لاختبار (CompCyst)
تفوَّق اختبار (CompCyst) على وسائل الفحص والرعاية التقليدية التي يستخدمها الأطباء في جميع فئات المرضى الثلاثة، حيث تَوقعَّ (CompCyst) بشكلٍ صحيحٍ 60% من المرضى الذين كان ينبغي إرسالهم إلى المنزل (مقابل 19% باستخدام وسائل الرعاية التقليدية)، 49% من المرضى الذين كان يجب مراقبتهم في المشفى (مقابل 34% باستخدام وسائل الرعاية التقليدية) ، و91% من المرضى المُحتاجين للجراحة (مقابل 89% باستخدام وسائل الرعاية التقليدية). ويُقدّر الباحثون أنه إذا كان استخدام (CompCyst) لتحديد الرعاية لهؤلاء المرضى، فإن حوالي من 60% إلى 74% منهم – اعتمادًا على نوع الخُراج – كان من الممكن أن يتجنبوا الجراحة غير الضروريّة.
ويقول البروفيسور (بيرت فوغلستين – Bert Vogelstein)، أستاذ علم الأورام والمدير المشارك لمركز لودفيج في هوبكنز (Ludwig Center): «إن الجمع بين مميزات الفحوصات السريريّة والوراثيّة معًا باستخدام تعلُّم الآلة هو (موجة المستقبل) فيما يتعلق بإعطاء الحُكم السريريّ بخصوص المريض، وليس فقط الحُكم على الخُراجات البنكرياسية ولكن على العديد من الأمراض الأخرى أيضًا». جدير بالذكر أن فوغلشتاين واثنين من المؤلفين الآخرين شاركوا مؤخرًا في تأسيس شركة (thrive earlier detection)، والتي قامت بترخيص (CompCyst) للتطوير التجاريّ.
المصادر :
1- With This AI, 60 Percent of Patients Who Had Surgery Could Have Avoided It – IEEE Spectrum [Internet]. [cited 2019 Jul 19]. Available from: https://spectrum.ieee.org/the-human-os/biomedical/diagnostics/more-than- 60-of-patients-could-have-avoided-surgery-if-this-ai-had-been-their-doctor
2- MOCA/UsersManual.pdf at master · KarchinLab/MOCA · GitHub [Internet]. [cited 2019 Jul 19]. Available from: https://github.com/KarchinLab/MOCA/blob/master/UsersManual.pdf?fbclid=IwAR1uLKHLNXy0AIfor0maxRCevCExRewFsbO1I5nmi7vHtvjf7T1KAiUThA
ترجمة: محمد يوسف
مراجعة علمية: محمد رضا
تَدقيقٌ لُغَوِيّ: محمود خليفة
تحرير: هاجر عبدالعزيز