العصر الجليدي الأخير (حتى الآن)!

mammoth-being-hunted-by-early-humans-e1553703931112

العصر الجليدي|||||||

«تحتفظ الحضارة ببقائها بموافقةٍ جيولوجية، وتخضع للتغيير دون سابق إنذار»

ويل ديورانت

مقدمة 

«عادةً ما يستغرق التغيير الجيولوجي آلاف السنين، لكننا نشهد تغير المناخ ليس فقط في حياتنا ولكن أيضًا سنةً بعد أخرى»

                  جيمس لوفلوك

استمرت حقبة البلايستوسين الجيولوجية منذ حوالي 2,588,000 إلى 11,700 سنةً مضت، محتويةً على فتراتٍ جليديةٍ متكررة.

قدم تشارلز لايل هذا المصطلح لأول مرةٍ في 1839م، لوصف الطبقات في صقلية التي كانت تحتوي -على الأقل- على 70% من الرخويات الحيوانية التي لا تزال تعيش حتى اليوم، وهذا ما يميز طبقات البلايستوسين الجديدة من القديمة (بلوسين).

يُعتبر (البليستوسين) العصر الأول من الزمن الرابع، أو العصر السادس من حقبة السينوزويك، وتتزامن نهاية عصر البلايستوسين مع نهاية آخر فترةٍ جليدية، وأيضًا تتزامن مع نهاية العصر الحجري القديم المستخدم في علم الآثار.

الجغرافية القديمة والمناخ

كانت القارات الحديثة أساسًا في مواقعها الحالية خلال العصر البليستوسيني، فالطبقات التكتونية التي يرتكزون عليها على الأرجح لم تتحرك أكثر من 100 كيلومتر منذ بداية الفترة.

وفقًا لمارك ليناس (من خلال البيانات التي تمّ جمعها): يمكن وصف المناخ الشامل للبلايستوسين بأنه ظاهرة النينو المتواصلة مع الرياح التجارية في جنوب المحيط الهادي الذي يضعف أو يتجه شرقًا، يرتفع الهواء الدافئ بالقرب من بيرو، وينتشر الماء الدافئ من غرب المحيط الهادي والمحيط الهندي إلى شرق المحيط الهادي، وغيرها من علامات النينو.

ظاهرة النينو

ظاهرةٌ مناخيةٌ عالميةٌ، حيث يؤثر تغير الحرارة في أحد المحيطات على الجو بمنطقةٍ أخرى بعيدة. جاء مصطلح النينو والذي يعني الطفل بالإسبانية، نسبة إلى الطفل المقدس (المسيح)، فهي ظاهرةٌ تحدث وقت عيد الميلاد وتستمر لشهورٍ عدة، وهو مصطلحٌ استعمله الصيادون على سواحل بيرو والإكوادور للدلالة على تيار المحيط الهادي الدافئ وما يجلبه من أمطارٍ غزيرة، وهو ظاهرةٌ طبيعيةٌ تسبب اضطرابًا في الحياة الطبيعية في المحيط الهادي.

المظاهر الجليدية

اتّسم المناخ البلاستوسيني بالدورات الجليدية المتكررة، وتشير التقديرات إلى أن 30٪ من سطح الأرض -عند أقصى حد من الجليدية- كان مغطى بالجليد، بالإضافة إلى ذلك، تمتد منطقةٌ دائمة التجمد جنوبًا من حافة الطبقة الجليدية على بعد بضع مئاتٍ من الكيلومترات في أمريكا الشمالية، وعدة مئاتٍ في أوراسيا.

كان متوسط ​​درجة الحرارة السنوي عند حافة الجليد هو 6- درجةً مئوية (21 درجة فهرنهايت)، وعلى حافة التربة الصقيعية 0 درجةٍ مئوية (32 درجة فهرنهايت).

خزَّن كل تقدمٍ جليديٍّ كمياتٍ هائلةً من المياه في الصفائح الجليدية القارية (1500 إلى 3000 متر أي حوالي 4900 – 9800 قدم)، مما أدى إلى انخفاضٍ مؤقتٍ في مستوى سطح البحر بلغ 100 متر (300 قدم) أو أكثر، شمل كل سطح الأرض. خلال فتراتٍ ما بين العصور الجليدية (مثل الوقت الحاضر)، كانت السواحل الغارقة شائعة، بسبب التوازنات المتساوية أو حركةٍ ناشئةٍ من بعض المناطق.

الدورات القديمة

تأتي استجابة الموجة من الحركات الدورية الكامنة في الكوكب مثل المناخ، والتيارات البحرية، والتيارات الهوائية، ودرجات الحرارة، إلخ، مما يؤدي في النهاية إلى سحب جميع تلك العوامل العابرة ليكونوا في انسجام معهم. وتسببت العوامل المتكررة في العصر البليستوسيني في نفس الظواهر.

دورات ميلانكوفيتش

كان التجلد في العصر البليستوسيني عبارةً عن سلسلةٍ من الجليديات، والطبقات بين الجليديات، والدوائر، وبين المستضدات، مما يعكس التغيرات الدورية في المناخ. ويُعتقد الآن أن العامل الرئيسي في التغيير أو التأثير في مجال الدورات المناخية هو دورات ميلانكوفيتش أو آلية ميلانكوفيتش، وهي آلية التغيرات المناخية التي فسرها العالم ميلانكوفيتش (Milankovitch mechanism) عام 1930، بالتغير المطرد والدوري في زاوية ميل محور دوران الأرض بالنسبة إلى مستوى مدار الأرض حول الشمس، وزاوية الميل هذه في حالة تراوحٍ مستمرٍ ما بين 21.8ْ و23.44ْ، وطول فترة التراوح الدورية هذه هو 40 ألف سنة، ومقدار زاوية الميل حاليًا هو بحدود 23.44 درجةً، وهي في حالة تناقصٍ نحو حدها الأدنى بمقدار 0.00013 درجةً سنويًا، وعندما يصل ميل محور الأرض إلى أقصاه يصبح الفارق بين حرارة الصيف والشتاء مرتفعا. ولآلية ميلانكوفيتش تأثيرٌ فقط على التوزع الفصلي والجغرافي للأشعة الشمسية فوق سطح الأرض، مع بقاء الكميات السنوية ثابتة، ففائضٌ في فصلٍ يُعوض بنقصٍ في فصلٍ آخر، وفائضٌ في منطقةٍ جغرافيةٍ يقابله نقصٌ في منطقةٍ أخرى.

الحيوانات

كان للتغيرات المناخية الشديدة خلال العصر الجليدي تأثيراتٌ كبيرةٌ على الحيوانات والنباتات. مع كل تقدمٍ جليدي، أصبحت مناطق كبيرةٌ من القارات خاليةً تمامًا من السكان، وواجهت النباتات والحيوانات التي تتراجع جنوبًا أمام النهر الجليدي المتقدم ضغوطًا هائلة. وقد نتجت أشد الضغوط عن التغيرات المناخية الحادة، وانخفاض المساحة المعيشية، وتقلص الإمدادات الغذائية. حدث انقراضٌ واسعٌ لثديياتٍ كبيرة (Megafauna)، تضمنت حيوانات الماموث، والمستودون، والقطط المسننة، والغليبتودونات، ووحيد القرن الصوفي، والزرافات المختلفة مثل (Sivatherium)، وكسلان الأرض، والأيائل الأيرلندية، ودببة الكهف (Gomphothere)، والذئاب القاسية، والدببة قصيرة الوجه. بدأت هذه الانقراضات في وقتٍ متأخرٍ من العصر البليستوسيني واستمرت في الهولوسين. كما انقرض إنسان نياندرتال خلال هذه الفترة. في نهاية العصر الجليدي الأخير، كانت الحيوانات ذوات الدم البارد، والثدييات الأصغر مثل فئران الخشب، والطيور المهاجرة، والحيوانات السريعة مثل الغزلان ذات الذيل الأبيض قد حلت محل الحيوانات الضخمة وهاجرت إلى الشمال.

الإنسان

حدث تطور البشر تشريحيًا خلال العصر البليستوسيني. وقد شهد العصر الحجري القديم الأوسط تنوعًا أكثر لفصيلة هومو، بما في ذلك ظهور الإنسان العاقل منذ حوالي 200000 سنة.

وفقًا لتقنيات توقيت الميتوكوندريا، هاجر البشر الحديثون من أفريقيا بعد التجلد في العصر الحجري القديم الأوسط منتشرين في جميع أنحاء العالم الخالي من الجليد خلال العصر البليستوسيني المتأخر.

و تفترض دراسةٌ أجريت عام 2005 أن البشر في هذه الهجرة قد تزاوجوا مع أشكالٍ بشريةٍ قديمةٍ موجودةٍ بالفعل خارج إفريقيا، قبل العصر البليستوسيني المتأخر، حيث دمجوا المادة الوراثية البشرية القديمة في الجين البشري الحديث.

الرواسب

توجد الرواسب غير البحريّة في العصر الجليدي في المقام الأول في الأنهار، والبرك، والميل، والترسبات اللولبيّة، وكذلك في كمياتٍ كبيرةٍ من المواد التي تنتقل عن طريق الأنهار الجليدية، تعتبر أقلها شيوعًا رواسب الكهوف، وترسبات الترافرتين والرواسب البركانية (الحمم والرماد).

توجد الرواسب البحرية في عصر البليستوسين بشكلٍ أساسيٍّ في الأحواض البحرية الضحلة في الغالب (مع استثناءاتٍ مهمة) في مناطق تقع على بعد بضعة كيلومتراتٍ من الشاطئ الحديث. في بعض المناطق النشطة جيولوجيًا مثل ساحل جنوب كاليفورنيا، يمكن العثور على رواسب البليستوسين البحرية على ارتفاع مئات الأمتار.

 

إعداد: عبدالرحمن قاسم
مراجعة علمية: أحمد فكرى
تدقيق لغوي: رنا السعدني/ هدى بلشقر

المراجع

Pleistocene fossils

When did the human population size start increasing?

Genetic Evidence on Modern Human Origins

 “Gibbard, P. and van Kolfschoten, T. (2004) “The Pleistocene and Holocene Epochs” Chapter 22″

ChronostratChart2017

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي