لقد نشأ النِّظام الشَّمسيُّ منذ حوالي 4.5 مليار سنةٍ من سحابةٍ كثيفةٍ من الغاز وغبار النُّجوم، وذلك في أحد أذرع مجرَّة درب التَّبَّانة. ولكن كيف تكوَّنت الكواكب الصَّخريَّة في نظامنا الشَّمسيِّ؟[1]
ما هو الكوكب؟
قبل أن نتعرَّف على نشأة الكواكب؛ علينا أوَّلًا أن نضع تعريفًا للكوكب، ولكنَّ هذا ليس أمرًا سهلًا، حيث يوجد عديدٌ من الآراء حول تعريف كلمة «كوكبٍ». ولكن في عام 2006، وبعد النِّقاش حول ما إذا كان بلوتو كوكبًا أم لا، وإعلانه في فئة (الكواكب القزمة – Dwarf Planets)؛ أعلن الاتِّحاد الفلكيُّ الدَّوليُّ (IAU) أنَّ الكوكب في مجموعتنا الشَّمسيَّة يجب أن يمتلك 3 صفاتٍ وهي:
- يجب أن يدور حول نجمٍ -وهو الشَّمس في هذه الحالة-.
- يجب أن يكون كبيرًا بدرجةٍ كافيةٍ ليمتلك جاذبيَّةً تجعله يتَّخذ شكلًا كرويًّا.
- يجب أن يكون كبيرًا بدرجةٍ كافيةٍ لتستطيع جاذبيَّته إزالة تأثير أيِّ جسمٍ في مداره حول الشَّمس.
وهذا هو التَّعريف المتعارف عليه إلى الآن -وهو يتضمَّن الكواكب الصَّخريَّة وغيرها-.[2]
الكواكب الصَّخريَّة
تندرج الأربعة كواكب الدَّاخليَّة: عطارد، والزُّهرة، والأرض، والمرِّيخ تحت فئة الكواكب الصَّخريَّة، الَّتي تتكوَّن بشكلٍ أساسيٍّ من صخور السِّيليكات أو المعادن وتمتلك سطحًا صلبًا، ويتكوَّن معظم لبِّ الكوكب من الحديد محاطًا بالسِّيليكات. وتمتاز الكواكب الصَّخريَّة بخصائص سطحٍ متشابهةٌ مثل امتلاكها للأخاديد والحفر والجبال والبراكين، وتُعرف بامتلاكها لعددٍ ضئيلٍ من الأقمار وبعضها لا يمتلك أقمارًا. كما أنَّ الكواكب الصَّخريَّة معروفةٌ أيضًا بعدم امتلاكها لأنظمة الحلقات حول الكوكب.[3]
نشأة الكواكب الصَّخريَّة
نشأت الكواكب من نفس سحابة الغاز وغبار النُّجوم الكثيفة الَّتي تكوَّنت منها الشَّمس، وعندما انهارت هذه السَّحابة -غالبًا بسبب هزَّةٍ شديدةٍ من انفجار نجمٍ قريبٍ (Supernova)- تكوَّن السَّديم الشَّمسيُّ. هذا السَّديم هو عبارةٌ عن قرصٍ دوَّارٍ من الموادِّ يتكوَّن بشكلٍ أساسيٍّ من الهيدروجين والهيليوم، وبعض العناصر المختلفة بنسبٍ صغيرةٍ. وعلى مدى ملايين السَّنوات بدأت الموادُّ في هذا القرص بالتَّجمُّع والتَّكتُّل معًا مكوِّنةً أجسامًا أكبر فأكبر، إلى أن أصبح بعضها ضخمًا لدرجة أنَّ الجاذبيَّة استطاعت تشكيلها في أشكالٍ كرويَّةٍ مكوِّنةً الكواكب والكواكب القزمة والأقمار. بالطَّبع لم يحدث هذا لكلِّ الأجسام، فقد شكَّلت بعض هذه الأجسام الصَّغيرة حزام الكويكبات؛ وكوَّنت بعض البقايا الصَّغيرة المذنَّبات والنَّيازك والأقمار الصَّغيرة غير المنتظمة.
كانت درجة الحرارة في بداية تشكُّل النِّظام الشَّمسيِّ هي ما حدَّد طبيعة الكواكب. وصلت درجة حرارة الكواكب الأربعة الدَّاخليَّة إلى حوالي 2000 كلفن، ولهذا ظلَّت الموادُّ ذات درجة الانصهار المرتفعة للغاية في حالتها الصَّلبة، بينما تبخَّرت باقي الموادُّ. ولهذا فالموادُّ الَّتي كوَّنت الكواكب الدَّاخليَّة هي: الحديد والسِّيليكون والمغنيسيوم والكبريت والألومنيوم والكالسيوم والنِّيكل، ونَدُرَ تواجد كثيرٍ من العناصر الأخرى. ويعود سبب صغر الكواكب الصَّخريَّة إلى امتلاكها جاذبيَّةً ضعيفةً نسبيًّا فلم تستطع هذه الكواكب جذب كمِّيَّةٍ كبيرةٍ من الغازات إلى غلافها الجوِّيِّ.[1][4]
عطارد
تعود تسمية هذا الكوكب في اللُّغة الإنجليزيَّة إلى رسول الآلهة الرُّومانيِّ (Mercury) وهو أسرع الآلهة، وذلك لأنَّ عطارد هو أسرع كوكبٍ في المجموعة الشَّمسيَّة، كما أنَّه أقرب الكواكب للشَّمس، حيث يبلغ طول سنته 88 يومًا أرضيًّا فقط، وهو أكبر قليلًا من القمر الخاصِّ بكوكبنا، ولكنَّ عطارد نفسه لا يمتلك أيَّة أقمارٍ.
كما أنَّ من المثير للاهتمام أنَّه ليس أكثر الكواكب حرارةً وذلك لامتلاكه غلافًا خارجيًّا رقيقًا للغاية تستمرُّ ذرَّاته في التطاير بعيدًا عن السَّطح بفعل الرِّياح الشَّمسيَّة والنَّيازك، ومع ذلك؛ هو ثاني أكثر الكواكب كثافةً، بنواةٍ داخليَّةٍ معدنيَّةٍ ضخمةٍ يبلغ نصف قطرها 85% من نصف قطر الكوكب، وجزءٌ من هذه النَّواة منصهرٌ أو في شكلٍ سائلٍ. أمَّا درجات الحرارة على كوكب عطارد فشديدة التَّطرُّف، حيث تصل في النَّهار إلى 430 درجةً سيليزيَّةً، وفي المساء إلى -180 درجةً سيليزيَّةً.[5]
الزُّهرة
سمِّي الكوكب في اللُّغة الإنجليزيَّة نسبةً إلى إلهة الحبِّ والجمال (Venus) عند الرُّومان، وهو أقرب الجيران لنا. ومن المثير للاهتمام أنَّ على كوكب الزُّهرة تشرق الشَّمس من الغرب وتغرب من الشَّرق؛ وذلك لأنَّه يدور في الاتِّجاه المعاكس لكوكبنا. يعتبر الزُّهرة أشدَّ الكواكب حرارةً، ويعود ذلك إلى الكثافة الملحوظة لغلافه الجوِّيِّ؛ حيث يتكوَّن بشكلٍ أساسيٍّ من غاز ثاني أكسيد الكربون مع سُحبٍ من قطرات حمض الكبريتيك، ويحبس هذا الغلاف السَّميك حرارة الشَّمس مسبِّبًا درجات حرارةٍ تتجاوز 470 درجةً سيليزيَّةً.
وكما يماثل الزُّهرة كوكب الأرض تقريبًا في الحجم، يماثله أيضًا في بنيته، حيث يتكوَّن من نواةٍ حديديَّةٍ تليها طبقةٌ من الصُّخور السَّاخنة المنصهرة جزئيًّا بسبب الحرارة الدَّاخليَّة، والسَّطح الخارجيُّ مغطًّى بقشرةٍ رقيقةٍ من الصُّخور البارزة.[6]
الأرض
تعتبر الأرض أكبر كوكبٍ داخليٍّ من بين الكواكب الأربعة، وهو الكوكب الوحيد المعروف بوجود مياهٍ في الحالة السَّائلة على سطحه، وذلك لاعتدال درجات الحرارة على سطحه، وهي الَّتي تجعله مكانًا قابلًا للحياة. كما يعمل الغلاف الجوِّيُّ على حمايتنا من الأشعَّة الضَّارَّة المنبعثة من الشَّمس ومن النَّيازك الَّتي يحترق معظمها في الغلاف الجوِّيِّ.
تعتبر الأرض الكوكب الوحيد الَّذي يدور حوله قمرٌ واحدٌ. من المرجَّح أنَّ القمر تكوَّن بسبب تصادم جسمٍ بحجم المرِّيخ مع الأرض منذ 4.5 مليار عامٍ، وتجمَّع الحطام المتبقِّي من كلا الجسمين لتكوين القمر. في البداية كان في حالة انصهارٍ، ثمَّ تبلور خلال 100 مليون عامٍ مكوِّنًا قشرته القمريَّة. ولعلَّ أهمَّ فائدةٍ للقمر أنَّه يساهم في اعتدال المناخ عن طريق موازنة دوران الأرض حول محورها للحفاظ على مناخٍ أكثر استقرارًا، وبالطَّبع هو المسؤول عن ظاهرة المدِّ والجزر.[7][8]
المرِّيخ
سمي المرِّيخ بهذا الاسم (Mars) نسبة لإله الحرب الرُّومانيِّ القديم، وذلك بسبب لون سطحه الأحمر. يبدو الكوكب بهذا اللَّون لأنَّ الحديد يتأكسد ويصدأ على الصُّخور وعلى تربة المرِّيخ ممَّا يكسبه هذا اللَّون.
يمتلك المرِّيخ غلافًا جوِّيًّا رقيقًا مكوَّنًا من ثاني أكسيد الكربون والنَّيتروجين وغاز الأرجون، لا يوفِّر الحماية للكوكب من الأجسام الفضائيَّة. وتتراوح درجات الحرارة ما بين 20 و -153 درجةً سيليزيَّةً، وبسبب رقَّة الغلاف الجوِّيِّ؛ تتسرَّب حرارة الشَّمس من الكوكب. وإذا وقفت على سطح المرِّيخ ستكون قدماك عند درجة حرارة 24 درجةً سيليزيَّةً بينما ستكون 0 درجةٍ سيليزيَّةٍ عند رأسك. ويبلغ حجم المرِّيخ نصف حجم الأرض تقريبًا، وله قمران هما ديموس وفوبوس.[9]
ولا شكَّ أنَّنا سنظلُّ نكتشف عديدًا من الخصائص عن هذه الكواكب الصَّخريَّة، وكلَّما تعمَّقنا في البحث، تزداد الأمور روعةً وإثارةً للاهتمام.