هل يمكن أن تؤثر حالة القمر على نومك؟

هل يُمكن أن تُؤثر حالة القمر على نَومك؟

على مَرّ السنين، أُلقِي اللوم على البدر في كل شيء، من ارتفاع الجريمة إلى التسبب في الجنون وصولًا لطفرات المواليد، ولكن هل يمكن أن يكون القمر هو السبب أيضًا في أنَّ البعض منكم وجد صعوبة في النوم هذا الأسبوع؟ قد لا تكون تلك المشروبات التي تحتوي على الكافيين أو ساعات من قضاء الوقت أمام الشاشات هي ما جعلك مستيقظًا.

وفي عام 2013  أُجريت دراسة على 33 متطوعًا ينامون في ظروف معملية منظمة بإحكام، واتضح استغراق المتطوعين وقتًا أطول للنوم وحصولهم على نوم أقل استقرارًا عندما كان القمر كاملًا، كما ظهر لديهم انخفاض في مستويات هرمون يسمى «الميلاتونين» المرتبط بدورات ساعة الجسم الطبيعية، وانخفض نشاط الجزء الدماغي المسئول عن النوم العميق بمقدار الثلث تقريبًا.

والمثير للاهتمام ملاحظة الباحثين أنَّ الأمر لم يكن بسبب الضوء الذي يسطع من البدر؛ حيث تمَّ عزلهم في غرفة مظلمة تمامًأ، وكان التفسير الأكثر ترجيحًا حينها هو أنَّ الدماغ بطريقة ما كان منسجم بشكل طبيعي مع الدورات القمرية.

القمر وتأثيره على النوم

قال البروفيسور (كريستيان كاجوشن- Christian Cajochen)، المسؤول عن الدراسة:

«يبدو أنَّ الدورة القمرية تؤثر على نوم الإنسان، حتى عندما لا يرى المرء القَمَر ولا يكون على دراية بمراحله الفعلية.»

وفي دراسةٍ جديدة، أكد العلماء من جامعة واشنطن، بالتعاون مع (جامعة كوينز- Queen’s University) في الأرجنتين و(جامعة ييل- Yale)، أنَّ رفيق كوكبنا السماوي يؤثر بالفعل على نومنا.

ولاحظ العلماء هذه الاختلافات في كل من وقت بدءًا من النوم ومدة النوم في المناطق الحضرية والريفية، وبدءًا من مجتمعات السكان الأصليين في شمال الأرجنتين إلى طلاب الجامعات في سياتل. ولقد رأوا التذبذبات بغض النظر عن مدى وصولهم للكهرباء، على الرغم من أن الاختلافات أقل وضوحًا في الأفراد الذين يعيشون في البيئات الحضرية. وأشار انتشار ذلك النمط في كل مكان إلى أن ساعتنا البيولوجية متزامنة بطريقة ما مع مراحل الدورة القمرية.

قال (هوراشيو دي لا إغليسيا-  Horacio de la Iglesia)، أستاذ علم الأحياء بجامعة واشنطن:

«إننا نرى تأثيرًا واضحًا للقمر على النوم، على الرغم من أن التأثير يكون أكثر قوة في المجتمعات التي لا تتوفر فيها الكهرباء.»

وتتبع العلماء من أجل الدراسة أنماط النوم بين 98 فردًا يعيشون في ثلاثة مجتمعات من السكان الأصليين في مقاطعة فورموزا الأرجنتينية. واستخدموا أجهزة مراقبة المعصم لتتبع أنماط النوم.

واختلفت المجتمعات في حصولها على الكهرباء خلال إجراء الدراسة؛ فلم يكن لدى المجتمع الريفي الأول وصول للكهرباء، ولم يكن لدى المجتمع الريفي الآخر سوى وصول محدود للكهرباء، بينما كان المجتمع الثالث بيئة حضرية ولديه وصول كامل إلى الكهرباء. بالنسبة لما يقرب من ثلاثة أرباع المشاركين في المقاطعة، وجُمِعت بيانات النوم لدورة وإلى دورتين قمريتين كاملتين، وقد أظهر المشاركون من المجتمعات الثلاثة نفس تذبذبات النوم مع تقدم القمر خلال دورته البالغة 29.5 يومًا.

القمر مكتملًا في السماء.
القمر مكتملًا في السماء.

اعتمادًا على المنطقة المحلية، اختلف المعدل الإجمالي للنوم عبر الدورة القمرية بمعدل 46 إلى 58 دقيقة، وأوقات النوم غير المستقرة بحوالي 30 دقيقة في المتوسط، بالنسبة لكل المجتمعات الثلاثة، وكان لدى الناس أحدث أوقات النوم وأقصر قدر من النوم في الليالي من ثلاثة إلى خمسة أيام التي تسبق دورة اكتمال القَمَر.

قال المؤلف الرئيسي (لياندرو كاسيراجي-  Leandro Casiraghi)، وهو باحث ما بعد الدكتوراة بجامعة واشنطن في قسم علم الأحياء:

«نفترض أن الأنماط التي لاحظناها هي تكيف فطري حيث سُمِحَ لأسلافنا بالاستفادة من هذا المصدر الطبيعي لضوء المساء الذي حدث في وقت محدد خلال الدورة القمرية.»

وبغض النظر عن تأثير القمر على نومنا، فلطالما كانت قضية مشكوك فيها بين العلماء. حيثُ يعتقد العلماء أن تلك الدراسة أظهرت نمطًا موثقًا إلى حد ما لأن الفريق استخدم أجهزة مراقبة المعصم لجمع بيانات النوم بدلاً من مذكرات النوم التي أبلغ عنها المستخدم أو استراتيجيات مختلفة.

ووجد الفريق أيضًا تذبذبًا نصف قمريًا ثانيًا لأنماط النوم، والذي بدا أنه يعدل الإيقاع القمري الرئيسي بدورة مدتها 15 يومًا حول مرحلتي القمر الجديد والقمر الكامل. فكان هذا التأثير نصف القمري أصغر ويمكن ملاحظته فقط في المجتمعات الريفية. ويجب أن تؤكد الدراسات المستقبلية هذا التأثير شبه القمري، والذي قد يشير إلى أن هذه الإيقاعات القمرية ترجع إلى تأثيرات أخرى غير الضوء، مثل شد الجاذبية القصوى للقمر على الأرض عند الأقمار الجديدة والمكتملة.

على كلٍ يجب أن تُرِكِّز الأبحاث المستقبلية على الكيفية: هل يعمل التأثير القمري من خلال ساعتنا البيولوجية الفطرية؟ أم إشارات أخرى تؤثر على توقيت النوم؟ هناك الكثير لفهمه حول هذا التأثير.

ماذا يمكننا أن نفعل إذا كان البدر يؤثر على نومنا؟

باختصار لا شيء، قال خبير النوم في المملكة المتحدة، الدكتور نيل ستانلي:

«إذا كانت تأثيرات البدر على النوم بسبب السطوع، فإن الأشياء المعتادة مثل أقنعة العين ستساعد. لكن الدراسات أشارت إلى أن الأمر لا يتعلق بالضوء.»

وأضاف:

«إنها نقطة مثيرة للاهتمام أكاديميًا ولكنها ليست مفيدة بشكل خاص حيث لا يمكنك منع حدوثها، القمر الكامل موجود كل شهر سواء أحببت ذلك أم لا، إنها واحدة من تلك الأشياء التي قد تؤمن بها غريزيًا؛ لذا فإنَّ العثور على تأثير في الواقع أمر مثير للاهتمام.»

ويقول أيضًا: «إذا كان الناس يُبْلغون عن قلة النوم بعد اكتمال القمر، فقد يكون ذلك مثالًا على (الانحياز التأكيدي-Confirmation bias) حيث يُرجح أن يلاحظ الناس ويتذكرون المعلومات التي تتناسب مع معتقداتهم. وقد تكون مجرد نبوءة تحقق ذاتها.»

شارك المقال:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي