حمل صيف عام 2018م موجة من أفلام الأبطال الخارقين التي ظهر فيها ملوك غامضون، وكائنات خارقة، ولصوص تائبون وغير ذلك، ولكن ماذا عن الكيميائيين؟ لم لا يوجد كيميائيون بين الأبطال الخارقين؟
لحسن الحظ تقوم الجمعية الامريكية للكيمياء هذا الموسم بالإعلان عن الأبطال الخارقين في الكيمياء الذين فازوا بجائزة أبطال الكيمياء التي تقدمها الجمعية الأمريكية للكيمياء ACS، ولمدة 22 عامًا قام البرنامج بتكريم الكيميائيين الصناعيين الذين تؤثر ابتكاراتهم بشكل كبير على مجتمعنا، فلنلقي في هذا المقال نظرة فاحصة على البراعة، والإبداع، والمثابرة من “الكيميائيين الخارقين” لهذا العام الذين مهدوا الطريق لنا جميعًا لنعيش حياة أكثر صحة ونضارة.
هزيمة الخلايا السرطانية المتحولة
في سلسلة القصص المصورة الشهيرة المنتقمون (Avengers)، يُجسد ألترون دور الشرير الخارق وهو روبوت، حيث يُطوّر نفسه باستمرار، لذلك فريق المنتقمون يحتاجون إلى إضافة عناصر جديدة لفريقهم؛ حتى يتمكنوا من هزيمة هذا الشرير، وبالمثل فإن الخلايا السرطانية في كثير من الأحيان تتحول إلى أشكال أكثر مقاومةً فتتطلب أدوية جديدة للقضاء عليها، على سبيل المثال، سرطان الرئة (ذو الخلايا غير الصغيرة)، والذي يُمَثِل 85٪ من جميع حالات سرطان الرئة، حيث ينشأ هذا النوع من السرطانات بسبب طفرة في خلايا الرئة، هذه الطفرة الجديدة تعمل على تحفيز مستقبلات نمو الخلايا (EGFRs) بشكل كبير، ولكنها عندما تحفز بشدة فإنها تعزز نمو الأورام وبصورة عشوائيّة، وبالرغم من توافر الأدوية لمثل هذة الأورام، فإن سرطان الرئة ذو الخلايا غير الصغيرة قام بتطوير طفرة إضافيّة تُدعى (T790M) نتج عنها خلايا سرطانيّة مقاومة للأدوية.
فقام كل من سام بتروورث (Sam Butterworth) وراي فينلي (Ray Finlay) وريتشارد وارد (Richard Ward) ومايكل وارنج (Michael Waring) من شركة أسترا زينيكا (AstraZeneca) بدراسة بنيّة العقاقير المعروفة بتثبيط نمو الأورام، وقد تمكنوا من ابتكار عقار جديد يُسمى أوزيميرتينيب (osimertinib)، وهو دواء يستهدف بشكل انتقائي الطفرة (T790M)، دون الإضرار بالخلايا السليمة، تم تسويق الدواء الجديد تحت الاسم التجاري تاجريسو (Tagrisso).
يُذكر أن سرعة تطوّرهذا العلاج الاستثنائية منحت الأمل للمرضى الذين يعانون من أورام مقاومة للعقاقير، حيث تم تخليق الدواء بالفعل عام 2011م بينما بدأت التجارب البشريّة الأولى في مارس 2013م، إلى أن حصل الدواء على موافقة الجهات المعنية في نوفمبر 2015م، وأصبح هذا الدواء مصرحًا باستخدامه فى أكثر من 75 دولةً حول العالم.
تطوير بناء الخلايا الشمسية
إن البطل الخارق ثور (بالإنجليزيّة: Thor) يستخدم البرق لتوليد الطاقة التي يحتاجها، لكن البشر يبحثون بشكل متسارع عن حلول لتوليد الطاقة من أشعة الشمس، على مدى السنوات الثماني الماضية، زادت قدرة الولايات المتحدة على توليد الطاقة الشمسية بمقدار 23 ضعفًا، أما الخلايا الشمسيّة فتعتمد على رقائق السيليكون البلورية المطلية بمادة Si3N4، وهو طلاء مضاد للانعكاس، والتي تعمل على تحويل ضوء الشمس إلى تيار كهربي وفرق جهد لتوليد الطاقة، حيث يتواجد عدد من المسارات الضيقة المصنوعة من معدن الفضة على سطح رقائق السليكون؛ لتقوم بدور الأسلاك لنقل الكهرباء المتولدة عن الخلية الشمسية، يقوم الآن فريق شركة دوبونت (DuPont) المكون من آلان كارول (Alan Carroll )، وكينيث هانج (Kenneth Hang )، وبراين لافلين (Brian Laughlin )، وكورت ميكيسكا (Kurt Mikeska)، وشارلي توراردي (Charlie Torardi)، وبول فيرنوي (Paul VerNooy ) من تطوير معجون معدني (بالإنجليزيّة: metallization pastes)؛ ليُتيح تطبيق تقنية مسارات الفضة على الألواح الشمسية، المعجون المعدني هو عبارة عن خليط من جسيمات الفضة مع مادة عضوية لاصقة بالإضافة لزجاج الفرايت (وهو عبارة عن خليط من السليكا مع المواد الصهارة التي تختلط في درجات الحرارة العالية لتصنيع الزجاج)، يتم تطبيق المعجون على رقاقة السيليكون وتسخينها لفترة وجيزة كافية لذوبان الزجاج وخروج مادة Si3N4، في حين أن جسيمات الفضة تتجمع معًا أسفل طبقة السيليكون لتعمل كالأسلاك، لكن التحدي الأكبر في هذه العملية هو إنشاء اتصال بين السيليكون والفضة لا يلحق الضرر بالبنية البلورية للرقاقة، وقام فريق (DuPont) بتطوير معجون Solamet PV17x والذي أدى إلى تغيير قواعد اللعبة، هذا المعجون المبتكر لا يحمي الرقاقة فحسب بل يعمل أيضًا على تحسين تحويل ضوء الشمس إلى كهرباء قابلة للاستخدام، فمنذ إصدار تقنية Solamet ويواصل الفريق تطويرها، يسعى فريق الباحثين من شركة دوبونت على تطوير مستقبل الطاقة الشمسية عن طريق توافر رقائق أكثر قوة وقبول من حيث التكلفة.
وقف الأورام المتعطشة للدم
في فيلم بلايد الشهر (BLADE)، كان البطل أستاذ فنون القتال الذي يعتمد على مصل الدم (Serum)؛ لمنعه من الخضوع لشهوة التعطش للدم التي ورثها من والده مصاص الدماء، كمثل هذه الفكرة عمل فريق بحثي مكون من 15 عالماً من شركة فايزر (Pfizer) بتطوير عقار أكسيتينيب (axitinib)، وهو علاج للسرطان يمنع الأورام من توليد إمدادات دم خاصة بها، حيث يرتبط الدواء بعوامل نمو الأوعية الدموية (VGEFs) وهي مجموعة ثانوية من الإنزيمات التي يستخدمها الورم لتعزيز تكوين الأوعية الدموية، نظرًا لأن الأورام تعتمد على الأوعية الدموية لمساعدتها على النمو، فإن منع VGEFs يوقف نمو الأورام ويمنع انتشارها إلى باقي أجزاء الجسم.
يتم تسويق العقار تحت الاسم التجاري إينليتا (Inlyta)، ويمثل طوق النجاة للكثير من الذين يعانون من أورام الكلى بصفة عامة، تسعة من أصل عشرة تشخيصات لأورام الكلى بسبب سرطان الخلايا الكلوية، 30 % من نسبة هذه الخلايا السرطانية تكون قد انتشرت إلى الأعضاء المجاورة وتوسعت مع حلول وقت تشخيصها، هذه الأورام المتنقلة تمتلك مقاومة عالية للعلاج الكيميائي الأولي، وتبلغ نسبة البقاء على قيد الحياة 8٪ فقط للمرضى في المرحلة الرابعة من المرض، ولكن بفضل فريق فايزر والمصل الرائع الذي اكتشفوه فإن مرضى السرطان الكلوي لديهم فرصة أفضل لهزيمة المرض.
تطوير الأدوية الانتقائية
يشتهر البطل الخارق عين الصقر (Hawkeye) بقدرته الرائعة على إصابة الأهداف ولكنه بالطبع سوف يواجه صعوبة في تثبيت بروتين على خلية مصابة بالسرطان من نوع لمفوما هودجكين (Hodgkin’s lymphoma)، ولحسن الحظ يوجد معنا فريق شركة سياتل جيناتكس (Seattle Genetics)، المكون من تيم بوفي (Tim Bovee) وسفيتلانا دورونينا (Svetlana Doronina ) وبراين ميندلسون (Brian Mendelsohn ) وبيتر سينتر ( Peter Senter) وكلاي سيجال (Clay Siegall ) ووبراين توكي (Brian Toki).
استطاع هذا الفريق الرائع تطوير عقار برنتوكسيماب فيدوتين (brentuximab vedotin)، والذي يتم تسويقه تحت اسم أدسيتريس (ADCETRIS)، هذا العقار ينتمي إلى نوع جديد من الأدوية، تسمى بالأدوية المقترنة بالأجسام المضادة (ADC) بسبب طريقة عملها.
تعتمد آلية عمل هذا الدواء على ارتباط المركب MonoMethyl Auristatin E والذي يعرف اختصارًا (MMAE) بمستقبلات بروتينية تُدعى (CD30)، حيث تتواجد هذه المستقبلات على أسطح خلايا هودجكين السرطانية ولا توجد في الخلايا السليمة، وبمجرد حقن الدواء فإنه سوف يتوجه إلى المستقبلات البروتينية CD30 الموجودة على سطح الخلية السرطانية ومن ثم سوف يُمتص إلى داخل الخلية ليقوم بتحرير المادة الفعالة MMAE التى تدمر الخلية السرطانية وحدها دون أى من الخلايا السليمة؛ لأنها لا تحتوى على بروتين CD30 المستهدف ولا أي من مستقبلاته، لذلك فإن الخلايا السليمة لن تمس.
حصل دواء أدسيتريس على موافقة سريعة من منظمة الغذاء والدواء الامريكية في عام 2011م، مما يمهد الطريق نحو أدوية جديدة من هذا النوع يمكن أن تستهدف الأورام بدقة أكبر، ومنذ ذلك الحين تمت الموافقة على 4 أدوية أخرى من هذا النوع ومازال 55 آخرون تحت التجارب السريرية.
المصدر :
Superheroes of Chemistry: From Lab to Life – inChemistry [Internet]. [cited 2019 Mar 27]. Available from: https://inchemistry.acs.org/content/inchemistry/en/acs-and-you/heroes-2018.html?fbclid=IwAR3niG5gFTH3ghNcAT_2l7-aMkkb8Fg-0b19prUPgRuydKlObQcmJvNJhZo
ترجمة: عبد العزيز محمد
مراجعة علمية: إنجي شمس الدين
تدقيق لغوي: مريم سمير
تحرير: هاجر عبد العزيز