«أثرالحالة النفسية للمرأة الحامل على الجنين»
«الجزء الثاني»
تناولنا في المقالِ السابقِ أثرَ الحالةِ النفسيةِ للمرأةِ على جنينِها أثناءَ فترةِ الحملِ وبعدَ الولادة، بالإضافةِ إلى أثرِها على صحةِ الطفلِ الجسديةِ والعقلية…سنتناولُ في هذا المقالِ عدةَ نقاطٍ هامةٍ كالأوقات التي يكونُ فيها الجنينُ أكثرَ عرضةً للتأثرِ بحالةِ الأمِ النفسية، مع إيضاحِ كيفيةِ حدوث تلكَ الأثارِ.
- متى يكونُ الجنينُ أكثرَ عُرضةٍ للتأثرِ بالحالةِ النفسيةِ للأم؟
التوقيتُ له أهميةٌ كبيرةٌ في تحديدِ مدى تأثرِ الجنينِ بالاِضطراباتِ التي تُعاني منها الأمُ، فقدْ وَجَدَ الباحثونَ أن الجنينَ أكثرُ عُرضةٍ للتأثرِ بالحالةِ النفسيةِ للأمِ في أولِ ستةِ أشهرٍ من الحمل، يحدثُ ذلكَ بشكلٍ خاصٍ في فترةِ الأُسبوعِ العاشرِ من الحملِ «حينها تكونُ أعضاءُ الجنينِ الحيويةِ لها أساسٌ ثابتٌ ويقومُ المخُ بإنتاجِ ما يُقاربُ من 250000 خلية ً عصبية ً جديدة ً في الدقيقةِ الواحدة»، بالإضافةِ إلى الفترةِ من الأُسبوعِ ال24 حتى الأُسبوعِ ال30، نظرًا لحدوثِ ما يُعرفُ بعمليةِ التوصيلاتِ العصبية، وقد وُجِدَ أنَّ التعرضُ للكثيرِ من الضغوطاتِ النفسيةِ في هذه الفترةِ لهُ أثرٌ مباشرٌ على الأعضاءِ الناميةِ وعلى عمليةِ التوصيلاتِ العصبية. [1]
- كيف تنتقلُ المشكلاتُ النفسيةِ من المرأةِ الحاملِ إلى الجنين؟
هُناكَ العديدِ منَ النظرياتِ القائمةِ لتفسيرِ كيفية تأثر الجنين بحالةِ الأمِ النفسية، فَقدْ وَجَدَتْ الأبحاثُ أنَّ تلكَ الآثارِ يُمكنُ أنْ تكونَ ناتجةً عن أكثرِ من آلية:
- خللٌ في تنظيمِ «محور تحت المهاد – الغدة النخامية – الغدة الكظرية ((HPA axis».
لفهمِ هذه النظريةِ يَجبُ أنْ نفهمَ أولًا كيف يستجيبُ الجسمُ للضغط -وهي عمليةٌ يشتركُ فيها أكثرُ من عضو-، تبدأُ هذه العمليةُ حينما يتعرضُ المخُ لموترٍ أو تهديدٍ ما؛ فيقومُ المخُ بتقييمِ هذا التهديدِ لتنظيمِ ردِّ الفعلِ تجاهِهِ؛ فتفرزُ منطقةُ تحتَ المهادِ في المخِ هِرمونَCRH) ) الذي يحفزُ الفصَ الأماميّ منَ الغُدةِ النخاميةِ لإفرازِ هرمونِ (ACTH ) الذي يُحفزُ قشرةَ الغدةِ الكظريةِ لإفرازِ الكورتيزولات والستيروئيدات في مجرى الدمِ؛ والتي تضعُ الجسمَ في حالةِ التأهب، وتُؤَدي إلى زيادةٍ في ضغطِ الدمِ وارتفاعِ مُعدلِ ضرباتِ القلب…أثناء الحملِ، ليستْ فقط منطقةُ تحتَ المهادِ التي تُفرزُ هِرمون CRH ، فالمَشيمةُ أيضًا تُفرزُ هذا الهِرمونَ مما يُؤَدي إلى زيادةِ نشاطِ هذا المحورِ وارتفاعِ مستوياتِ الكورتيزول، أيضًا وُجِدَ أنه بحلولِ الأُسبوعِ ال16 من الحملِ تَقومُ المشيمةُ بإفرازِ هِرمونِ (11β–HSD–2)الذي يُحولُ الكورتيزول إلى الكورتيزون الخاملِ وهو ما يُشكلُ حاجزٍ يمنعُ من مرورِ الكورتيزول إلى الجنينِ ولكنْ وُجِدَ أنه حوالي 10-20% من الكورتيزول يَمرُ إلى الجنين في حالاتِ توترِ المرأةِ الحامل، تفترض هذه النظرية أن الكورتيزول يُسبب تأثيراتٍ دائمةٍ على المخِ النامي للجنين، وقد وُجِدَ أنه هناك علاقةً بينَ زيادةِ الكورتيزول في دمِ المرأةِ الحاملِ وزيادةِ نسبةِ الكورتيزول في السائلِ الذي يُحيطُ بالجنين، وأنَّ هذه الزيادةَ لها علاقةٌ بزيادةِ النشاطِ الحركيّ للطفل. [2]
- مقاومة الشرايين الرحمية لتدفق الدم:
طريقةٌ أُخرى يُمكن أنْ تُؤَثرْ بها الحالةُ النفسيةُ للمرأةِ الحاملِ على الجنينِ هِيَ التَغيُّرُ في تدفُقِ الدمِ للجنينِ: فقد وُجِدَ أنَّ مُقاومةَ الشرايينِ الرحِميّةِ لتدفقِ الدمِ بها له علاقةٌ بنقصِ وزنِ الطفلِ عندَ الولادةِ وأنَّ هذه المقاومةَ تزدادُ عندَ المرأةِ الحاملِ المصابةِ بالقلقِ والتوتر، لكن قد تكونُ هذه المقاومةُ ناتجةً عن زيادةِ نشاطِ (HPA axis) حيثُ يرتفعُ ضغطُ الدمِ وتزدادُ مقاومةُ الشرايينِ لمرورِ الدمِ بها. [2]
- الحالةُ النفسيةُ للمرأةِ الحاملِ قد تُسببُ تَغيُّرَ في تعبيرِ الجينات:
الحالةُ النفسيةُ للأمِ قد تُسَبِّبُ خللًا في تعبيرِ جيناتِ الجنين: يتكونُ الحمضُ النووي من وحداتٍ بنائيةٍ تُسمى (النوكليوتيدات)، تتكونُ كلُّ وحدةٍ من ثلاثةِ جزيئاتٍ هي: سكر خماسي الكربون، مجموعة فوسفات وقاعدة نيتروجينية ويمكنُ أنْ تكونَ هذه القاعدةُ واحدةً من عدةِ أنواع: إما غوانين (G)، أدينين (A)، ثيمين (T)، أو سيتوزين (C)، يمكنُ لنيكلوتيدات السيتوزين أنْ تخضعَ لعمليةِ إضافةِ الميثيل، لا تُعدُ هذه العمليةُ تَحوَّرً جينيًا بالإضافةِ لكونها قابلةً للإنعكاس، لكنها تقللُ من التعبيرِ الجيني…أيضًا الهستونات التي يلتفُ حولها ال (DNA) يُمكنُ أنْ تحدثَ لها بعضَ التعديلاتِ، هذه التعديلاتُ قد تُسبِبُ زيادةً أو نقصًا في التعبيرِ الجيني. إضافةُ الميثيل والتعديلات التي تحدثُ للهستونات ضروريةً لكي تتمايز الخلايا كل حسب نوعها، وأي خلل في ذلك يمكنُ أنْ يكونَ قاتلًا للجنين، كان يُعتَقد أنَّ هذه التعديلات قاصرةٌ فقط على المراحلِ المبكرةِ في نموِ الجنينِ ولكن أثبتتْ الأدلةُ أنَّ هذه التغييرات تحدثُ طوالَ الحياةِ مما يُشيرُ إلى أنَّ الحالةَ النفسيةِ للمرأةِ الحاملِ قد تُسبِبُ تغييرَ هذه الحالة.
أظهرتْ إحدى الدراساتُ التي أُقيمتْ بعدَ المجاعةِ في هولندا أنَّ الأزمات التي تتعرضُ لها الأمُ تَسببتْ في تغييراتٍ في عمليةِ إضافةِ الميثيل: فقد قلَّتْ إضافةُ الميثيل فيIGF2) ) وهو يلعبُ دورًا هامًا في النموِ أيضًا، كما أنَّ هناك العديد من الجيناتِ التي تأثرَتْ مما يشيرُ إلى مدى تأثير الحالة النفسية للمرأةِ الحاملِ على عمليةِ إضافة الميثيل، ولكن في الدراساتِ التي أُجريتْ على البشرِ كان مغزى هذه التغييرات غيرَ واضحٍ، ولكن في الدراسات التي أُجريت على الحيوانات (حيثُ تتوافرُ القدرةُ على التحكمِ في العديد من المُتغيرات) وَجَدوا أنَّ توترُ المرأةِ الحاملِ يسببُ تغييراتٍ في تعبيرِ بعض الجينات، ففي الفِئْرانِ عندما تعرضتْ الأمُ لضغوطاتٍ مزمنةٍ في الثُلُثِ الأولِ من الحملِ تسببَ ذلك في سلوكياتٍ تشبه الاكتئاب ووجدوا أنَّ عمليةَ إضافةِ الميثيل تَقِلُ في جينCRH) )، هذه الدراسات على الحيوانات يُمكنُ أنْ تُثبتَ فاعليةَ الدراساتِ على البشرِ وتُفيدَ في التحديدِ الدقيقِ لكيفيةِ تأثر الجنين بالحالةِ النفسيةِ للأم. [3]
إعداد: Mohamed El-Nile
مراجعة علمية وتصميم: Mahmoud Ahmed
مراجعة لغوية: Mahmoud ELdaoshy
تحرير: ندى المليجي
المصادر: