أحزمة فان ألين الإشعاعية: حقائق ونتائج

wdwdwdwdwd

فان ألين

هل تتخيل وجود رُقع عملاقة على شكل كعكة مُجوفة مغناطيسية، جسيمات مشحونة عالية الطاقة حول الأرض؟ اكتشف جيمس فان ألين عالم الفيزياء في جامعة أيوا هذه الأحزمة الإشعاعية في عام 1958 بعد إطلاق (إكسبلورر 1 – Explorer 1)، أول قمر صناعي أمريكي، في النهاية تم تسمية الأحزمة الإشعاعية باسمه.

تجربة فان ألين على إكسبلورر 1 التي انطلقت في 31 يناير 1958، عبارة عن إشعاع كوني بسيط بالإضافة إلى عداد جايجر (جهاز يكشف عن الإشعاع) ومسجل شريط. تَتابعت التجارب في ثلاث مهمات أخرى في عام 1958 (إكسبلورر 3 وإكسبلورر 4 وبايونير 3)، ثَبُت أن هناك زوج من أحزمة الإشعاع حول الأرض.

ومع استمرار الملاحظات لعقود، أصبحت معرفتنا عن الأحزمة أكثر عمقًا بعد انطلاق مسبار فان ألين في 2012؛ فالأحزمة كانت أكثر تعقيدًا مما كنا نتخيل، كما كشفوا عن معلومات تشير إلى وجود إشعاع أقل في أجزاء مُعينة من أحزمة فان ألين، مما يعني أن المركبات الفضائية والبشر لن يحتاجوا إلى الحماية الإشعاعية بقدر ما يحتاجون إليها في تلك المنطقة.

في الذكرى الستين لإكسبلورر 1، قالت ناسا إن دراسات أحزمة فان ألين أكثر أهمية اليوم. قال ديفيد سيبك، الباحث في مهمة مسبار فان ألين في مركز جودارد للطيران الفضائي التابع لناسا في ولاية ماريلاند، في بيان 2018

«إن تقنيتنا الحالية أصبحت أكثر عُرضة لهذه الجسيمات المتسارعة، لأن حتى الاصطدام الواحد من جسيم وحيد قد يسبب ضرر لأجهزتُنا الإلكترونية الصغيرة.» وقال: «مع تقدم التكنولوجيا، أصبحت في الواقع أكثر إلحاحًا لفهم البيئة الفضائية والتنبؤ بها.»

نتائج التحقيق المُبكر في أحزمة فان ألين

يأتي جزء من الاهتمام بأحزمة فان ألين من موقعها تحديدًا، من المعروف أن الأحزمة تنتفخ ويزداد سُمكها عندما تكون الشمس أكثر نشاطًا. فقبل انطلاق المسبار اعتقد العلماء أن الجزء الداخلي من الحزام كان مُستقرًا نسبيًا، ولكن عندما تمددت، امتد تأثيرها على مدار محطة الفضاء الدولية والعديد من الأقمار الصناعية. فقد تَقَلبْ الحزام الخارجي أكثر من مرة. وقد كانت محطة الفضاء الدولية مأهولة بشكل دائم منذ عام 2000، مع رواد فضاء نموذجيين يُقيمون هناك لمدة ستة أشهر في كل مرة. أمّا في ما بين 2015 و2016 بقى رائد فضاء ناسا (سكوت كيلي – Scott Kelly) والروسي (ميخائيل كورنينكو – Mikhail Kornienko) لمدة عام تقريبًا. مع بقاء رواد الفضاء في المدار لفترة أطول قد يزداد أيضًا تعرضهم للإشعاع، مما يؤدي إلى مخاوف بشأن السكن طويل الأجل لرواد الفضاء في الفضاء.

لذلك يهتم العلماء بالدرسة عن كثب لتلك المنطقة. في عام 2012، انطلقت مجموعة جديدة من المسبارات. لديها العديد من الأهداف العلمية، بما في ذلك اكتشاف كيف تتسارع وتنتقل الجسيمات (الأيونات والإلكترونات) في الأحزمة وكيف يتم فقد الإلكترونات وكيف تتغير الأحزمة خلال العواصف المغناطيسية الأرضية. وكان من المقرر أن تستمر المهمة لمدة عامين، ولكن اعتبارًا من مايو 2018 كانت التحقيقات لازالت تعمل بضعف المدة المُتوقعة للمهمة. ومع ذلك فإن خزانات الوقود مُنخفضة، ومن المُرجح أن تتقاعد تلك المسبارات خلال العامين المقبلين.

عادةً يستغرق العلماء بضعة أشهر بعد الإطلاق لمعايرة أدواتهم، ولكن تمَّ طلب تشغيل الجهاز فورًا (ثلاثة أيام بعد الإطلاق)، أرادوا مقارنة الملاحظات قبل مهمة أخرى غيرت المدار ودخلت الغلاف الجوي للأرض.

قالت ناسا في فبراير 2013: «لقد كان قرارًا محظوظًا»، مشيرة إلى أن عاصفة شمسية قد تسببت بالفعل في تضخم الأحزمة الإشعاعية بمجرد تشغيل الأداة. أضافت الوكالة: «ثم حدث شيء لم يره أحد من قبل: استقرت الجسيمات في تكوين جديد، تظهر حزام اضافي يمتد إلى الفضاء». «في غضون أيام أظهر علماء مسبار فان ألين شيئًا يتطلب إعادة كتابة الكتب المدرسية».

أحزمة فان ألين والدرع الواقي

كما أظهرت البيانات التي جمعتها المسبارات أن الأحزمة الإشعاعية تحمي الأرض من جزيئات عالية الطاقة.

وقال كبير الباحثين في الدراسة دان بيكر من جامعة كولورادو في بولدر في بيان «الحاجز أمام الإلكترونات فائقة السرعة ميزة ملحوظة في الأحزمة». «نحن قادرون على دراستها لأول مرة، لأننا لم نحصل على مثل هذه القياسات الدقيقة لهذه الإلكترونات عالية الطاقة من قبل.»

ساعدت هذه المعلومات الجديدة العلماء على تغيير تقلبات الأحزمة. لكن كان هناك المزيد من المعلومات؛ ففي يناير 2016، كشف العلماء على أن شكل الأحزمة يعتمد على نوع الإلكترون الذي يتم دراسته. هذا يعني أن الحزامين أكثر تعقيدًا بكثير، اعتمادًا على ما هو مُلاحظ يمكن أن يكون حزام واحد، حزامين منفصلين، أو حتى مجرد حزام خارجي (بدون حزام داخلي على الإطلاق).

وكتبت ناسا في ذلك الوقت:

وجد الباحثون أن الحزام الداخلي وهو الحزام الأصغر في الصورة الكلاسيكية للأحزمة، أكبر بكثير من الحزام الخارجي عند مراقبة الإلكترونات ذات الطاقة المنخفضة، بينما يكون الحزام الخارجي أكبر عند مراقبة الإلكترونات عند طاقات أعلى.

وأيضًا

في أعلى الطاقات، هيكل الحزام الداخلي مفقود تمامًا. وبناءً على ما يركز عليه المرء، يمكن أن تبدو الأحزمة الإشعاعية ذات هياكل مختلفة جدًا في وقتٍ واحد.

غير أن ما لا يزال غير مفهوم جيدًا هو ما يحدث عندما تضرب الجسيمات الشمسية الأحزمة خلال عاصفة مغناطيسية أرضية. من المعروف أن عدد الإلكترونات يتغير في الأحزمة، إما يتناقص أو يزيد تبعًا للحالة. أيضًا، تعود الأحزمة في النهاية إلى شكلها الطبيعي بعد مرور العاصفة. وقالت ناسا أنه ليس من الواضح ما هو نوع العاصفة التي ستسبب نوع محدد من الأحزمة. كما لاحظت الوكالة أن أي ملاحظات سابقة لم تتم إلا بالإلكترونات عند مستويات طاقة قليلة.

لحسن الحظ، حصل العلماء على فرصة لمراقبة عاصفة قريبة في مارس 2015، عندما دخل أحد مسبارات فان ألين داخل المنطقة الصحيحة في المجال المغناطيسي للأرض لرؤية صدمة بين الكواكب. تصف ناسا مثل هذه الصدمات على غرار ما يحدث عندما تتسبب تسونامي في حدوث زلزال، في هذه الحالة، يخلق الإقصاء الكتلي الإكليلي للجسيمات المشحونة من الشمس صدمة في مناطق محددة من الأحزمة.

وكتبت ناسا في ذلك الوقت:

قارنت المركبة الفضائية نبضًا مفاجئًا للإلكترونات المنشطة بسرعة قصوى، سرعة تقارب سرعة الضوء حيث صدمت الصدمة حزام الإشعاع الخارجي.

وأيضًا:

كان عدد الإلكترونات قصير الأجل، وتبددت طاقتهم في غضون دقائق. ولكن بعد خمسة أيام، بعد فترة طويلة من انتهاء العمليات الأخرى من العاصفة، اكتشف مسبار فان ألين عددًا متزايدًا من إلكترونات الطاقة الأعلى. مثل هذه الزيادة في وقت لاحق هي شهادة على عمليات التنشيط الفريدة التي تعقب العاصفة.

في عام 2017، نشرت صحيفة واشنطن بوست مقالًا يحتوي على بعض أصوات الفضاء المسجلة من أداة مسبار فان ألين، يسمى (EMFISIS)، وعلى الرغم من أن البشر لا يستطيعون سماع هذه الأصوات، لأنه لا يوجد وسط لنقل الامواج الصوتية، فإن ترجمة هذه البيانات كانت واضحة إلى حد ما.

وقالت البوست:

تقع الموجات الكهرومغناطيسية في نطاق التردد نفسه الذي يكون جزءًا من الطيف الصوتي المسموع لدى البشر. كان الامر بسيط ترجمة تلك الموجات اللاسلكية كملفات إم بي 3، تحويل بيانات (EMFISIS) إلى جهاز البث الإذاعي.

تصميم مركبة فضائية أفضل

يتم تقوية مسبار فان ألين خصيصًا لتحمل البيئة المشعة المكثفة للاحزمة. ومع ذلك، فإن بعض المركبات الفضائية أكثر عرضة للخطر، خاصة عندما تصطدم بعاصفة شمسية. في أسوأ الأحوال، يمكن للمركبة الفضائية أن تخرج بسبب الحمل الكهربائي الزائد. الإتصالات يمكن أيضًا أن تتعطل. لحسن الحظ في بعض الأحيان يمكن تشغيل الأدوات أو إيقاف تشغيلها على مركبة فضائية أثناء العاصفة الشمسية.

الإشعاع، بطبيعة الحال يشكل خطرًا على الإنسان، يخضع رواد الفضاء لحدود الإشعاع مدى الحياة من وقتها في الفضاء، للحد من أي خطر للسرطان. وبما أن بضع عشرات فقط من الناس أمضوا ستة أشهر أو أكثر في الفضاء، فإن الأمر سيستغرق عقودًا من الزمن لفهم الآثار طويلة الأجل للإشعاع على البشر.

رواد الفضاء على محطة الفضاء الدولية لا يقضون وقتًا دائمًا داخل الأحزمة، ولكن من وقت لآخر توسع العواصف الشمسية الاحزمة إلى مدار المحطة الفضائية. في ستينات القرن الماضي، مرت عدة أطقم أبولو بأحزمة فان ألين في طريقهم من وإلى القمر. غير أن وقتهم في تلك المنطقة التي تعتمد على الإشعاع كان قصيرًا جدًا، ويعود ذلك جزئيًا إلى أن المسار كان مصممًا عبر الأجزاء المعروفة الأكثر نحافة. مع مزيد من الدراسة، يمكن حماية رواد الفضاء بشكل أفضل للإقامات طويلة المدى في مدار الأرض.

وقال (ديفيد سيبك)، عالم بعثة ناسا بمسبار فان ألين في مركز جودارد لرحلات الفضاء في ولاية (ماريلاند) قد بيان صدر في 2016:

ندرس الأحزمة الأشعاعية لأنها تشكل خطرًا على المركبات الفضائية ورواد الفضاء.

وأضاف:

إذا كنت تعرف مدى السوء الذي يمكن أن تصل إليه الإشعاعات، فإنك سوف تبني مركبة فضائية أفضل لاستيعاب ذلك.

وتظهر النتائج الجديدة من المسبارات أن الأشعاع في مناطق معينة قد يكون أقل قسوة مما ظن العلماء. في مارس 2017، توصل مسبار فان ألين إلى نتيجة تشير إلى وجود إشعاع أقل في الأحزمة الداخلية التي سبق أن نُظِرَت، مما يعني أنه يلزم وجود قدر أقل من الحماية للمركبات الفضائية والأقمار الصناعية في تلك المنطقة. إن الإلكترونات الأكثر نشاطًا والموجودة في الحزام الإشعاعي الداخلي توجد لأقل وقتًا مما توقعه العلماء مُسبقًا.

في العام التالي، اكتشفت المسبارات أن بعض الأطوال الموجية للاتصالات (التي تسمى اتصالات التردد المنخفض جدًا) المنبثقة من الأرض هي في بعض الأحيان نوع من الدرع ضد إشعاع الجسيمات عالية الطاقة في الفضاء. هذا يعني أن النشاط البشري له تأثيرات على البيئة الفضائية حول الأرض.

اعتبارًا من عام 2018، ينخفض وقود مسبار ألين ومن المتوقع أن ينهي مهمته في عام 2020. تعمل جودارد على كيوب سات (أي مركبة فضائية صغيرة) مهمة تسمى (GTOSat) وهي التي ستواصل دراسة أحزمة فان ألين.

قالت ناسا في مايو 2018:

هذه المهمة من البداية سوف تكون بمثابة مستكشف للأشعة الجديدة، التقنيات المتسامحة التي يمكن أن تساعد العلماء على تحقيق حلم طال انتظاره، نشر كوكبة من الأقمار الصناعية الصغيرة خارج مدار منخفض، مدار الأرض يجمع قياسات متزامنة ومتعددة النقاط للغلاف المغناطيسي للأرض المتغير باستمرار، والذي يحمي الكوكب من الاعتداء المستمر للجسيمات المشحونة المتدفقة من الشمس.

المصدر

http://sc.egyres.com/yeKNk


ترجمة: أحمد محمد سعد
مراجعة: آية غانم
تحرير: زياد الشامي

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي