أدب الخيال العلمي.. نبوءات ومخاوف على الورق

المصدر: https://art.alphacoders.com/arts/view/106648

الخيال هو وقود الكتابة الروائية الذي يمدّها بالطاقة ويهيئها للانطلاق. وفي كتابة روايات الخيال العلمي يصبح للخيال أهمية خاصة، فيصير هو الأساس الذي تبنى على إثره باقي العناصر الروائية الأخرى. وحين يمسك الكاتب بقلمه كي يخط رواية يشيد بها عالمًا جديدًا فإنه يرى بعين خياله أحداثًا مستقبلية نابعة من قدرته على تبصر الآتي وأحيانًا بثًا لمخاوفه التي يتشارك فيها مع غيره من البشر. وهنا نستعرض كيف أثرت النبوءة والخوف أدب الخيال العلمي وأعماله.

أدب الخيال العلمي

يُعد الخيال العلمي أحد صنوف الأدب التخيلي الذي تكون أحداثه غير حقيقية ولكنه قائم على العلم. ويعتمد ذاك النوع من الأدب على الحقائق والمبادئ والنظريات  العلمية بكثافة بوصفها داعم لأحداثه وشخوصه وموضوعاته وحبكته. وهو ما يجعله مختلفًا عن أدب الفانتازيا. وعلى الرغم من كون الحبكة وعناصر قصص الخيال العلمي تخيلية، فهي عادة ما تكون ممكنة وفقًا للعلم أو على الأقل قابلة للتصديق.

وظهر أدب الخيال العلمي على الساحة الأدبية منذ ما يقرب من 300 عامِ تزامنًا مع الطفرة التي حدثت في العلوم، و تسارع الاكتشافات العلمية. مما جعل الكتّاب يحاولون استيعاب ذاك التسارع بالكتابة عن عوالم مستقبلية متخيلة بناءً على ما يشهدوه من تطوّر.

المصدر: https://en.wikipedia.org/wiki/Gulliver%27s_Travels
غلاف الطبعة الأولى لرواية رحلات جليفر.

جاءت المحطة الأولى لأدب الخيال العلمي كما يتفق الكثيرون من خلال رواية (رحلات جليفر-Gulliver’s Travels) وهي مغامرات رويت بأسلوب ساخر كتبها (جوناثان سويفت-Jonathan Swift)  في أواسط القرن الثامن عشر. وتضمنت رحلات الشخصية الرئيسية للرواية الدخول إلى مجتمعات مثالية (يوتوبيا) وكابوسية (ديستوبيا) إلى جانب الجزيرة الطائرة التي يسكنها العلماء ويجرون فيها تجاربهم.

نبوءات الخيال العلمي

“هم يقضون جزءًا كبيرًا من حياتهم في ملاحظة الأجرام السماوية، ويفعلون ذلك بمساعدة عدسات ومناظير تفوق كثيرًا في جودتها ما عندنا منها… كذلك فإنهم اكتشفوا نجمين أصغر حجمًا أو قمرين يدوران حول المريخ.”

رحلات جليفر – رحلة إلى لابوتا 

كثيرًا ما يُشار إلى أدب الخيال العلمي في الأحداث المستقبلية والاكتشافات التي يقع عليها العلماء، حيثُ تتجه الأنظار للروايات من هذا النوع بالذات كي ندلل على وجود نبوءة سابقة للحدث الجديد.

وهذه النبوءات ليست جديدة فهي بدأت بالرواية المصنفة كالأولى بهذا النوع حيثُ أظهرت رواية رحلات جليفر وجود قمرين للمريخ، وبعد مرور ما يقرب من 150 عامًا على صدور الرواية اكتشف علماء الفضاء قمريّ المريخ. فحين يذهب جليفر إلى جزيرة لابوتا التي يسكنها مجموعة من العلماء، يلحظ الفلكيون أن لدى المريخ قمرين يدوران حوله.

عشرون فرسخ تحت الماء

المصدر: http://www.julesverne.ca/vernebooks/jules-verne_twenty-thousand-leagues-under-the-sea.html
مقدمة أحد الطبعات المبكرة لرواية عشرون فرسخ تحت الماء.

غير أن روايات الخيال العلمي قد تٌلهم البعض لابتكارات جديدة. فمثلًا في رواية (عشرون ألف فرسخ تحت الماء- Twenty Thousand Leagues Under the Sea) للكاتب الشهير (جول فيرن- Jules Verne) ،الذي عُرف بقلمه المحب للمغامرات البحرية واكتشافاتها، نجد البطل الرئيسي كابتن نيمو يخوض مغامراته في أعماق المحيطات مستخدمًا أدوات متقدمة كالغواصات. أحداث الرواية والمعدات التي يستخدمها الأبطال ألهمت المخترع الأمريكي (سيمون ليك- Simon Lake) وهو مخترع الغواصة، وصرح بأنه يدين فكرة اختراعه للكاتب فيرن وذلك بعدما قرأ روايته. 

عالم جديد شجاع

وقد تحمل روايات الخيال العلمي طابعًا نبوئيًا كارثيًا كرواية (عالم جديد شجاع-New Brave World) والتي تحمل تساؤلًا من الكاتب (ألدوس هكسيلي- Aldous Huxley) عن تحكم التكنولوجيا في البشر. وفي روايته يتصور هكسيلي عالمًا تكون الهندسة والتعديل الوراثي فيه أمورًا سائدة ويتسم بالتفكك الأسري. ويلقي العلم في رواية هكسيلي بالتعاسة خلف ظهره حيث يصبح التحكم بالأمزجة عبر العقارات أمرًا شائعًا. أحداث الرواية جعلت كثيرين ينظرون لها بصفنها رواية نبوئية.

مخاوف الكتاب تُتْرجم على الورق

المصدر: https://ar.m.wikipedia.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:Frontispiece_to_Frankenstein_1831.jpg
رسم من غلاف طبعة عام 1831 لرواية فرانكشتاين

رغم إمكانية النظر لرواية (ماري شيللي-Mary Shelley) (فرانكشتاين-Frankenstein) بوصفها تتنبأ بطغيان العلم وربما إشارة لما سيعرف مستقبلًا بزراعة الأعضاء. فشيللي في الحقيقة كانت تكتب عن مخاوفها لا نبوءة تراها قادمة. فحين كتبت ماري شيللي روايتها الشهيرة كانت تبث مخاوفها من التقدم العلمي الجارف الذي أخذ بالحياة اليومية في وقتها.

ففرانكشتاين صافرة إنذار تٌطلق ضد التوغل العلمي الفاقد لأي سياق أخلاقي. ومن نظرة دينية للعصر ما قبل الفيكتوري تعد فكرة تحدي عالم للإله في صنع إنسان حي فكرة صادمة.

كوابيس ومخاوف ماري شيللي من العلم

تعود فكرة رواية فرانكشتاين إلى عام 1770 حين أجرى عالم إيطالي يُدعى (لويجي جلفاني- Luigi Galvani) تجارب باستخدام الكهرباء على عدد من الضفادع الميتة. وأسفرت التجارب عن ظهور تشنجات في عضلات تلك الضفادع. وبفضل ابن أخته جيوفاني ألديني اكتسبت تلك التجارب شعبية على مستوى القارة الأوروبية. ففي عام 1803 استعرض ألديني تلك التقنية على جسد أحد المجرمين في لندن. ووصفت أحد السجلات التجربة بإنها «تسببت في فتح العين اليسرى للمجرم.»

ثم في أحد الأمسيات التي حضرتها شيللي رفقة بعض الأصدقاء وكان منهم الشاعر لورد بيرون، أخذ الحضور يتحدثون عن تجربة أجراها العالم لويجي جلفاني باستخدام الكهرباء وكانوا مبهورين بها. وفي وسط الحديث أشار بعضهم لإمكانية استخدام الكهرباء في إعادة أحياء الموتى. وأضاء ذاك النقاش برقًا في عقل شيللي وأخذها إلى فكرة روايتها التي أصبحت فيما بعد تحمل اسم (فرانكشتاين). بعد هذه الأمسية طلب لورد بايرون من جماعة الأدباء الحاضرين كتابة قصة مرعبة، ومن هذا التحدي كانت بذرة الرواية.

وتروي شيللي عن رؤية كابوسية روادتها عقب هذه الأمسية حيث رأت «طالب شاحب يركع إلى جانب الأجزاء التي جمعها وشبح الشخص الذي يعود إلى الحياة». هذه الرؤية هي ما حولته فيما بعد إلى روايتها الأشهر (فرانكشتاين). وتظهر القصة وراء الرواية مخاوف شيللي من التجربة التي انتشرت في أوروبا، والذي دفعها لترجمة ذاك الخوف في كتابها.

نحن

وفي خوف آخر من العلوم والتكنولوجيا التي لا تعرف سقفًا أو حد كتب الروائي الروسي (يافجيني زامياتين-Yevgeny Zamyatin) روايته (نحن-We) في أعقاب الثورة البلشفية ونشرت بالإنجليزية في 1924. ويصور الأديب في قصته عالمًا كابوسيًا حيث يُرَقْم فيه النساء والرجال، ويعيش شخوصه في بيوت زجاجية تمكن الحكومة من مراقبة جميع تحركاتهم. وحملت الرواية نبوءة مفزعة عن إمكانية استخدام التطور التكنولوجي ضد البشر. وكانت مخاوف الكاتب من التكنولوجيا هي محركه الرئيسي لكتابة (نحن) والتي كانت مصدرًا هامًا لإلهام جوروج أورويل في كتابه 1984.

 خاتمة

قد يختلف النقاد في تصنيف أدب الخيال العلمي، ولكن ما يميز هذا النوع من الأدب أنه يفتح الباب لتبصر المستقبل وتهيئتنا له في بعض الأحيان. كما يساعدنا أدب الخيال العلمي في التصريح بمخاوفنا من الجانب المظلم لتطور العلوم، ودق جرس الإنذار لما يمكن لذاك الجانب أن يحدثه أن سيطر على زمام الأمور.

 

المصادر:

1- Science Fiction: Definition and Examples [Internet]. Literary Terms. 2018 [cited 2020 May 31]. Available from: https://literaryterms.net/science-fiction/

2- Writing the future: A timeline of science fiction literature [Internet]. BBC Teach. [cited 2020 May 31]. Available from: https://www.bbc.co.uk/teach/writing-the-future-a-timeline-of-science-fiction-literature/zjfv6v4
3- Strauss M. Ten Inventions Inspired by Science Fiction [Internet]. Smithsonian Magazine. [cited 2020 May 31]. Available from: https://www.smithsonianmag.com/science-nature/ten-inventions-inspired-by-science-fiction-128080674/
4- How A Teenage Girl Became the Mother of Horror [Internet]. History Magazine. 2017 [cited 2020 May 31]. Available from: https://www.nationalgeographic.com/history/magazine/2017/07-08/birth_of_Frankenstein_Mary_Shelley/

 

 

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي