أزمة كورونا وأداؤك الإنتاجي

ما بين التّفكير فيما عليك فعله سواءً أداء عملك، أو الاهتمام بعائلتك، أو وضْع جدولٍ يوميٍّ لتنظيم أعمالك، أو حتّى الجلوس والبكاء لتخفّف ضغطك الدّاخليّ، نعيش جميعًا، وفي وسط جائحةٍ عالميّةٍ؛ ونسقط بين الكثير من الأخبار الّتي تُسبِّب التّوتُّر والقلق، وبين الاقتراحات الّتي تخبرنا بما يجب علينا فعله للاستفادة القصوى من الوقت الكبير الّذي نقضيه بمنازلنا (التّعبير بالإنجليزيّة: Making the most of it).

تقول خبيرة الإنتاجيّة راتشيل كوك (بالإنجليزيّة: Racheal Cook)، أنّ هناك مجموعةٌ من الأشياء الّتي تعمل ضدّ إنجاز المهامِّ، لذلك لو كنت تشعر أنّك تُسحَب للكثير من الاتّجاهات وتواجه مشكلةً في التّركيز، فلا بأس، هذا أمرٌ مفهومٌ ومقبولٌ.

الإنتاجية خلال الأزمات

نواجه سويًّا صدمةً جماعيّةً (بالإنجليزيّة: A collective trauma)، يزداد فيها القلق والاكتئاب ويُمثِّل هذا تحدّيًا بالنّسبة للإنتاجيّة والأداء، أيضًا مع إهدار الكثير من الوقت للتّكيُّف مع الوضع الجديد، من القيام بجميع الوظائف ولكن من المنزل (موظَّفٌ – معلِّمٌ – طبيبٌ …إلخ) لرعاية أُسرنا، مع مواجهة تداعيات التّسريح الجماعيّ للعمّال (بالإنجليزيّة: The fallout of mass layoffs)، ولا شيء من هذه الأشياء يجعلنا في وضعٍ يسمح بالإنتاجيّة المرتفعة أو الأداء العالي.

تَقَبَّل اختلاف ردود أفعال الأفراد

تختلف الظّروف الّتي يمرّ بها الجميع، وعليه تكون معالجتهم لتجاربهم مختلفةٌ أيضًا، لهذا تقول الطّبيبة النّفسيّة دانا دورفمان (بالإنجليزيّة: Dana Dorfman):

«ليست هناك طريقةٌ صحيحةٌ لتجاوُز الأزمات غير السّماح لنفسك لتكون على طبيعتها وأن تعيش الأزمة بطريقتك الخاصّة.»

ما عليك فعله تجاه الجميع

أنت لست ملزمًا بقبول كلّ اقتراحٍ تراه، تقول دانا:

«علينا احترام درجات تفاوُت النّاس في أساليب التّعامل وفَهْم سلوك النّاس على أنّه طريقتهم لإدارة قلقهم، لكي نستطيع التّقليل من إصدار الأحكام سواءً تجاه أنفسنا أو تجاه النّاس.»

تنبيه

لو كنت تمرّ بمشاعر سلبيّةٍ، أو تخاف من إلحاق الأذى بنفسك أو بالآخرين، من فضلك اطلب الدّعم النّفسيّ.

إنتاج كثير أم فعل لا شيء؟

الإنتاج كوسيلة للتعايُش

تقول دانا دورفمان:

«في لحظات الألم الشّديد والّذي يكون مخيفًا لدرجةٍ قد تصل حدَّ الصّدمة النّفسيّة، يوقف بعض النّاس قلقهم عن طريق كثرة الإنتاجيّة.»

كوْنك مُنتِجٌ يمكن أن يكون طريقةً علاجيّةً في الأوقات العنيفة، لكن كن حذرًا من أن تجهد نفسك.

مراقبة مشاعرك وفهمها

إنّ معرفة ما تشعر به ليس معناه ترك نفسك له، لكنّ وصفه وفهمه وتمييزه -الاعتراف بأنّك حزينٌ وقتًا ما أو مقهورٌ في لحظةٍ ما- سوف يسمح لك بممارسة حياتك بشكلٍ أفضل.

بالرّغم من أنّك ربّما تجد نفسك متحمّسًا ولديك الطّاقة لإنهاء مشروعٍ ما، لكن لا تندهش لو كان شعورك في اليوم التّالي مختلفًا؛ لأنّه وكما تقول دانا:

«أنت سوف تتغيّر، لأنّ هذا هو يومٌ واحدٌ فقط من ضمن أيّام تجربةٍ شديدةٍ، ستكون هناك أيّامٌ تكون فيها أقلّ تركيزًا وأكثر إنهاكًا، ولا بأس من هذا، هذا وقتٌ مضغوطٌ جدًّا، وأنت لست مضطرًّا للعمل بكلّ طاقاتك.»

نصيحة

اخفض سقف توقّعاتك فيما يخصّ الوقت الحاضر، وابدأ بمنح نفسك التّعاطُف، ثمّ بعد ذلك تواصل مع الآخرين وانطلق إليهم؛ وليس هذا بسبب أننا ذوو صفاتٍ إنسانيّةٍ أقلّ، لكن لأنّنا نفهم أنّنا في مرحلةٍ نحتاج فيها لإعطاء أنفسنا هدنةً في بعض الأوقات.

ربّما يعني هذا بدء يومك بثلاث مهامَّ بسيطةٍ فقط، ثمّ التّركيز على إنهائها وبعد ذلك السّماح لنفسك بإذْن الرّاحة، إذا كنت تشعر أنّك مُقيَّدٌ ومُعطَّلٌ خذ بعض الوقت لتجربة شيءٍ ما جديدٍ؛ فهذا يُمكنه تنشيط أجزاءٍ من دماغك، ويساعدك على التّفكير بشكلٍ أكثر وضوحًا عندما تعود للعمل.

فعل لا شيء كوسيلة مختلفة للتعايُش

عندما يضربك المزاج السّيِّء، لا تستهن بقوّة فعل اللّاشيء.

تقول راتشيل:

«ردّ فعل كلِّ انسانٍ مختلفٌ، لكن لو كان خيارك هو عدم فعل شيءٍ -لو لم تكن مضطرًّا للعمل- فافعل ذلك.»

هذا سيساعدك، ليس فقط في الوقت الحاضر، ولكن أيضًا في المستقبل؛ نحن في وضعٍ حيث الرّعاية الذّاتيّة واحدةٌ من أوائل الأشياء الّتي على النّاس الاهتمام بها حتّى تهدأ الأمور، نستطيع حينها أن نكون مُنتجين لأنّنا لم نحاول طحن أنفسنا في هذا الموقف الكبير، نحتاج فعل أشياءٍ تُساعدنا على تجاوُز الأزمة، ليس فقط من وجهة نظرٍ إنتاجيّةٍ، لكن إنسانيّةٍ أيضًا.

لا ترفض المشاعر الايجابيّة

لا تكن خائفًا أو خجولًا من أن تفرح في أوقات الأزمات، فهذا له فوائده أيضًا، عندما نشعر أنّنا بحالةٍ أفضل أو أنّنا في أمانٍ، فهذا يُعزّزنا كمخلوقاتٍ بشريّةٍ، ويمتدّ حتّى يصل للآخرين، حتّى برغم التّباعُد المجتمعيّ، نحن جميعًا متواصلون جدًّا.

تقول دانا: بالرّغم من وجود كمّيّاتٍ هائلةٍ من الحسرة والخوف الآن، لا بأس من عيْش مشاعر إيجابيّةٍ، ربّما نحن نحتاجها أكثر من أيِّ وقتٍ مضى، يمكن أن يكون لديك شعورين مختلفين في نفس الوقت، يبدوان كما لو أنّهما يتنافسان، والاستمتاع بلحظاتٍ حقيقيّةٍ ليس معناه إنكار أنّك حزينٌ وخائفٌ، فالسّماح لنفسك ببعض لحظات السّعادة، والرّحمة، والحبِّ، سوف يُجدِّد مخزونك العاطفيّ، وستصبح حينها جاهزًا أيضًا لمساعدة الآخرين.

نحن لسنا في سباق

هذا الوقت تبادُليٌّ؛ ليس علينا جميعًا الرّكض في نفس الوقت، بعض النّاس مثل العاملين في المجال الصِّحّيّ، ربّما يحتاجون أن يُشغِّلوا أيديهم ويعملوا لفترةٍ دون توقُّفٍ، ثمّ بعد ذلك يعالجون مشاعرهم، ويكون هذا مثل ضبط النّفس على وضعيّة البقاء على قيد الحياة فقط حتّى وقت الهدنة، ولهذا إذا كنت شخصًا يريد الإنتاج أو المساهمة بشكلٍ ما، ولم تكن لديك قوّةٌ لفعل ذلك الآن، فليس من الضّروريّ دَفْع نَفْسك وإجبارها، سوف يكون هناك وقتٌ وفرصٌ لعرض الدّعم وللعمل وللإنتاج… ليس فقط في قلب العاصفة ولكن في التّجارِب القويّة فيما بعد، نحتاج فقط لخطًى ثابتةٍ.

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي