اكتشاف جسيم جديد فريد من نوعه

cernphysicis

أعلن تعاون مُصادم الهدروني الكبير (بالإنجليزيَّة: Large Hadron Collider Beauty) في سيرن (بالإنجليزيَّة: CERN) عن اكتشاف جُسيم غريب جديد: ما يُسمى رباعيّة الكواركات (بالإنجليزيَّة: tetraquark). الورقة العلمية التي شارك فيها أكثر من 800 باحث لم تٌقيّم بعد من قِبل علماء آخرين في عملية تُسمى مراجعة الأقران (بالإنجليزيَّة: Peer review)، ولكن قُدّمت في ندوة. كما أنه يُلبّي الحد الإحصائي المقبول لادّعاء اكتشاف جُسيم جديد.

يُمَثِّل هذا الاكتشاف انفراجًا كبيرًا في البحث الذي دام 20 عامًا تقريبًا، والذي أجري في مختبرات فيزياء الجُسيمات في جميع أنحاء العالم.

لفهم ماهية رباعيّة الكواركات وسبب أهمية الاكتشاف، نحتاج إلى الرجوع بالزمن إلى عام 1964، حيث اكتشف اثنان من علماء الفلك الراديوي الشباب في نيوجيرسي للتوّ أقوى دليل على الإطلاق على نظريّة الانفجار العظيم (بالإنجليزيَّة: Big Bang theory).

على الجانب الآخر من الولايات المتحدة، في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، وعلى الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، في سيرن في سويسرا، كان اثنان من فيزيائيي الجُسيمات ينشران ورقتين بحثيتين مستقلتين حول نفس الموضوع. كان كلاهما حول كيفية فهم العدد الهائل من الجُسيمات الجديدة التي اكتُشفت على مدى العقدين الماضيين.

كافح العديد من الفيزيائيين لقبول أن الكثير من الجُسيمات الأولية يمكن أن توجد في الكون، فيما أصبح يُعرف باسم «حديقة الجُسيمات». البروفيسور جورج زويج- George Zweig من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، وموراي جيل مان- Murray Gell-Mann من سيرن توصلا إلى نفس النتيجة. ماذا لو كانت كل هذه الجُسيمات المختلفة مصنوعة بالفعل من كُتل بناء أصغر غير معروفة، بنفس الطريقة التي تتكون بها العناصر المائة في الجدول الدوري من البروتونات والنيوترونات والإلكترونات؟ وصف زويغ لبِنات أو وحدات البناء هذه بـالآسات (بالإنجليزية: aces)، بينما اختار جيل مان المصطلح الذي ما زلنا نستخدمه اليوم: الكواركات.

نحن نعلم الآن أن هناك ستة أنواع مختلفة من الكواركات؛ أعلى، وأسفل، وساحر، وغريب، وعلوي، وسفلي. تحتوي هذه الجُسيمات أيضًا على نظائر من المادة المضادة مع شحنة معاكسة، والتي يمكن أن ترتبط معًا وفقًا لقواعد بسيطة تعتمد على التناظر. الجُسيم المصنوع من الكوارك والكوارك المضاد يُسمى الميزون (بالإنجليزيَّة: meson) . بينما ثلاثة كواركات مرتبطة ببعضها البعض تسمى الباريونات (بالإنجليزيَّة: baryons). وتعتبر البروتونات والنيوترونات المألوفة التي تشكل النواة الذرية أمثلة على الباريونات.

وصف مخطط التصنيف هذا بشكل جميل حديقة الجُسيمات في الستينيات. ومع ذلك، حتى في ورقته الأصلية، أدرك جيل مان أن مجموعات أخرى من الكواركات قد تكون ممكنة. على سبيل المثال، قد يلتصق اثنان من الكواركات واثنان من الكواركات المضادة معًا ليشكلوا رباعية الكواركات، في حين أن أربعة الكواركات وكوارك مضاد ستصنع خماسية الكواركات.

 

الجُسيمات الغريبة

في عام 2003، عندما أبلغت تجربة Belle في مختبر KEK في اليابان عن ملاحظة ميزون جديد يسمى (3872)X ، والذي أظهر خصائصَ غريبة مختلفة تمامًا عن الميزونات العادية.

 

1 cernphysicis
كاشف LHCb. المصدر: M. Brice, J. Ordan/CERN), CC BY-NC

 

في السنوات التالية، اكتُشف العديد من الجُسيمات الغريبة الجديدة، وبدأ الفيزيائيون يدركون أن معظم هذه الجُسيمات لا يمكن تفسيرها بنجاح إلا إذا كانت عبارة عن أربعة جزيئات مكونة من أربعة كواركات بدلًا من اثنين. ثم في عام 2015، اكتشفت تجربة LHCb في سيرن أول جُسيمات خماسية مكونة من خمسة كواركات.

تحتوي جميع الكواركات الرباعية والخماسية التي اكتُشفت حتى الآن على كواركين ساحرين، ثقيلين نسبيًا، واثنين أو ثلاثة كواركات خفيفة  أعلى، أو أسفل، أو غريب. هذا التكوين المُعين هو بالفعل الأسهل لاكتشافه في التجارب.

لكن أحدث التيتراكوارك (أي رباعيات الكواركات) الذي اكتشفته تجربة LHCb، والذي أطلق عليه اسم (6900)X ، يتكون من أربعة كواركات ساحرة. أنتج التيتراكوارك الجديد في تصادم بروتون عالي الطاقة في المصادم الهادروني الكبير، وقد لوحظ من خلال انحلاله في أزواج من الجُسيمات المعروفة جيدًا تسمى mesons J/psi، كل منها مصنوع من كوارك ساحر (بالإنجليزيَّة: charm quark)، وكوارك مضاد ساحر (بالإنجليزيَّة: charm antiquark). وهذا يجعلها مثيرة للاهتمام بشكل خاص لأنها لا تتكون فقط من الكواركات الثقيلة، ولكن أيضًا أربعة كواركات من نفس النوع، مما يجعلها عينة فريدة لاختبار فهمنا حول كيفية ارتباط الكواركات معًا.

في الوقت الحالي، هناك نموذجان مختلفان يمكن أن يفسرا كيف تترابط الكواركات معًا: يمكن أن يكونا مرتبطان بقوة، مما يخلق ما نشير إليه على أنه مركبٌ رباعي، أو يمكن أن تكون الكواركات مرتبة لترتيب اثنين ميزون، عالقان معًا بشكل فضفاض في ‘جزيء’.

تتكون الجُزيئات العادية من ذرات مرتبطة ببعضها البعض بالقوة الكهرومغناطيسية التي تعمل بين النواة الموجبة الشحنة والإلكترونات ذات الشحنة السالبة. لكن الكواركات في الميزون أو الباريون ترتبط عبر قوة مختلفة، «القوة القوية». ومن المدهش حقًا أن الذرات والكواركات، التي تتبع قواعد مختلفة تمامًا، يمكن أن تُشكل أجسامًا معقدة جدًا.

يبدو الجُسيم الجديد أكثر اتساقًا مع كونه مركب رباعي بدلًا من جزيء يتكون من اثنين ميزون، وهو أفضل تفسير للاكتشافات السابقة. هذا ما يجعلها غير عادية، لأنها ستسمح للفيزيائيين بدراسة آلية الربط الجديدة بالتفصيل. كما يعني أيضًا وجود مركبات رباعيّة مدمجة ثقيلة أخرى.

 

نافذة على الكون الصغير

تخضع القوة القوية التي تعمل بين الكواركات لقواعد معقدة للغاية، في الواقع، إن الطريقة الوحيدة لحساب آثارها هي استخدام التقريب وأجهزة الكمبيوتر الخارقة.

ستساعد الطبيعة الفريدة لـ(6900)X  على فهم كيفية تحسين دقة هذه التقريبات، وبهذا سنتمكن في المستقبل من وصف آليات أخرى أكثر تعقيدًا في الفيزياء ليست في متناولنا اليوم.

منذ اكتشاف (3872)X، ازدهرت دراسة الجُسيمات الغريبة، حيث عمل المئات من علماء الفيزياء النظرية والتجريبية معًا لإلقاء بعض الضوء على هذا المجال الجديد المثير. إن اكتشاف التيتراكوارك الجديد يمثل قفزة هائلة إلى الأمام، وهو مؤشر على أنه لا يزال هناك العديد من الجُسيمات الغريبة الجديدة هناك، في انتظارِ شخصٍ ما للكشف عنها.

 

 

شارك المقال:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي