الأشرار هم الأفضل. قد لا نحبّهم في حياتنا، ولكنّهم غالبًا ما يكونون أفضل جزءٍ في الأدب؛ بسبب قوّتهم الواضحة، ورفضهم للأعراف الاجتماعية، وأكثر الأسباب أهميّةً هو قدرتهم على خلق القصص. ففي النهاية، إن كان الكل طيّبًا وصادقًا وخيّرًا طوال الوقت، فعلى الأرجح لن يكون للأدب وجودٌ أصلًا.
ولذلك، فيما يلي بضعٌ من أشرار الأدب العالمي المفضّلين لديّ. ولكن ماذا تعني بالضّبط كلمة “أفضل” بالنسبة للأشرار (والشّريرات)؟ قد تعني عددًا من الأشياء هنا: معظمهم في الواقع مُرعب، أو مُقنِع، أو معظمهم محبوكٌ بعناية، أو محبوبٌ سرًا من القرّاء بالرّغم من معرفتهم أنّه من المفترض أن يشجّعوا الأخيار. ببساطة هذا يعتمد على الشرير. أعُدُّ هؤلاء أشرارًا جديرين بالذكر، إنْ وضح ذلك الأمور.
هذه القائمة ليست شاملةً بالطّبع، وأنت مدعوٌّ أيضًا لترشّح لنا قائمتك الخاصة من فاعلي الإثم المفضّلين لديك في قسم التعليقات. بالمناسبة، من منكم يظنُّ أنَّ الكتب العظيمة يمكن حرق أحداثها، البعض منها قد يكون بالأسفل. على كل حال، معظم الأخسّاء لا يظهرون أنفسهم إلا بعد بضع ِصفحات.
عبقريّة ميتسوكو (وعبقريّة هذه الرواية) تكمن في أنّك حتّى في نهاية الرّواية لن تدري إلى أيّ مدًى يجب أنْ تستحقرها، فهي مناورةٌ من الطّراز الأوّل، أستاذةٌ ليس فقط بالتلاعب بالحقيقة، لدرجة أنّها قادرة على إغراء كل من في طريقها (ليس سونوكو فقط ولكن أيضًا زوجها)، بل وجعلهم معجبين بذلك أيضًا، ومن ضمنهم القارئ بالطبع. في النهاية، سونوكو ماتزال مخلصة لها وتعدُّ عدم سماح ميتسوكو لها بالموت بجانبها هي مأساة حياتها.
لأنَّ أسوأ شرير -صدّق أو لا تصدّق- بداخلك. غفوت مرّة وعندما استيقظت كانت هويّتك الشّريرة في مكانك ولست أنت؟ لقد سمعناها من قبل وسمعتها أيضًا (بافي).
بالطّبع أيضًا زان شرير هذه الرواية. ولكن عندما نرى الصّورة الكبرى، فالشّرير الحقيقي، السّبب في انهيار كل شيء، وابتداء الناس في تعميد هريراتهم ودفعهم في عربات الأطفال هو المرض العالمي الذي أردى برجال الأرض وجعلهم عقماء.
شرّير من شدّة شرّه (بمساعدة ستيفن سبيلبيرج) ولَّد موجة هلعٍ من القروش بين المَصيفين. وحقيقةً بينشلي الذي كتب أيضًا النّص السنيمائي للفيلم فَزَعًا من استجابة الجمهور لعمله أصبح محافظًا لحقوق القروش لاحقًا في حياته.
يأخذ ويأخذ ويأخذ، هذا الطفل هو الأسوأ.
عقلٌ إجراميٌّ عبقريٌّ-“نابليون الجريمة” كما وصفه هولمز- الإنسان الوحيد الذي تسبَّب للمحقق الاستشاري الجيّد بمشاكل حقيقيّة (عدا نفسه). لكن بعد عدّة تعديلات، نعتبر موريرتي هو عدوُ هولمز الرئيس، فقام دويل بابتكاره فقط كوسيلةٍ لقتل البطل، وغير ذلك، فهو غير بارز في السّلسلة. فأصبح موريرتي هذا أكبر من موريرتي ذاك.
بروفيسور موريرتي، “المشكلة الأخيرة”، سير أرثر كونان دويل. مدبّرة المنزل مخلصةٌ جدًا لسيّدتها السّابقة المُتوفاة، مصممةً أنْ تُبقي ذكراها حيّة بإجبار زوجة مديرها الجديد بالقفز من النافذة لتلقى حتفها، هذه طريقة واحدة لإحياء ذكرها، -أعتقد-.
يمكنك أن تزعم أن هاري هو من يفسد دوريان، وجايمس الذي يلاحقه ويحاول قتله، ولكن أساس مشاكل هذا السّاعي وراء متعته؛ هو هوسه بنفسه. أحيانًا أفكّر ماذا سيحدث إنْ كُتبت هذه الرواية اليوم، وكان دوريان نجم تواصل إجتماعي..
أشرار قلائلٌ بشعون كليًّا وبشكلٍ عدائيٍّ مثلما كان يوريا هيب (حتى الاسم يحمل قدرًا من البشاعة، لم يترك ديكنز شيء لما بين السّطور). عندما نلقاه في البداية يُوصف بأنّه “جثَّة”، “بالكاد ليس لديه حاجبان، ولا رموش، وعينان بنيتان مائلتان للحُمرة، بدون حماية من الشّمس وبلا مأوى، فكنت أتسائل كيف وأين ينام؟ عالي الكتفين وعظميّ، ملتحفًا بالأسود، وخصلة من الأبيض في صورة وشاح، مزرَّر للعنق، ويده ضامرة هيكليّة طويلة”. ويعتقد بعض دارسي ديكينز أنّ شخصيّة هيب مبنيّة على هانز كريستيان أندرسن، وفي هذه الحالة تُعتبر إهانةً كبيرةً له إلّا إذا كان يحبُّ موسيقى الميتال.
بالنّسبة لكونها: “المرأة الأكثر شرًّا في كلّ الخليقة”، إنّها في مهمةٍ لقتل وتعذيب أكبر عددٍ ممكنٍ من الأطفال، ودائمًا ما تتمحور اجتمعاتها على القتل. كما أنّها عبقريّة جدًا، تقتل الأطفال بتحويلهم إلى حيوانات يريد أهاليهم إبادتهم.
كاثي إيمز قلبها باردٌ كالثّلج -معتلّة عقليًّا، وطفلةٌ كانت تحاكي المشاعر كي تستطيع العيش- وسرعان ما تعلّمت سهولة التّلاعب وتدمير الحيوات، وقتل الأخرين فقط لتسلية نفسها. على ما يبدو كل هذا متاح لها؛ بسبب جمالها المميّز. في النّهاية، تحظى بشعورٍ وحيدٍ ؛وهو تأنيب الضّمير. وتقتل نفسها في وقتها.
هذا صحيح، لقد قلتها! غارقٌ في شفقةٍ على ذاته! متجهّم ومزعج! يرتدي ملابس غجريّة ليثير جنون جاين! يحجز زوجته الأولى في العليّة! يظنّ أنّه يستطيع الزّواج من فتاةٍ لطيفة كجاين! وباستمرار يشكِّكها في سلامتها العقليّة! أيًّا كان.
قامت أتوود بإعادة سرد قصّة الأخوة الخيالية: “العريس اللِّص”. فاتنةٌ شريرةٌ تدعى زينياه تسرق أزواج ثلاث نساء -وربّما أكثر-، (روز)، و(كاريس)، و(توني) يستغللنَ آلامهنّ وكراهيتهنّ ليشكّلن صداقة، ويكشفن الأكاذيب التي عرضتها عليهنّ زينياه لكلٍ منهنّ. ولكن، أنا لن أستطيع أن أقولها أحسن من لوري موور، في مراجعته للرواية عام 1993:
“بشكل غريب، وبرغم شرّها الغامض، زينياه هي من تحرّك أحداث هذا الكتاب، هي سيّئة بشكلٍ لا يصدق ومستحيل. إنّها شخصيّة مسرحيّة، ومؤامرةٌ بحتة، إنّها ريتشارد الثالث بشعرٍ مُستعار، إنّها إياجو بتنورةٍ قصيرة. إنّها تتلاعب وتستغلّ بغرورٍ ندوبَ طفولة أصدقائها (ندوبٌ تُركت من أُمّ مُقصّرة، وعمٍّ مؤذٍ، وأبٍّ غائب). تتعلّق بالحميميّة وتزحف نحو الحيوات المريحة ومن ثمّ تبدأ في تحريك فأسها. تحشد كل مكرها وفنّ الإغواء الخادع والتملُّق، واستطاعت أنّ تستخدم كل هذه الطّرق على الرّجال، ووجهتها نحو النّساء أيضًا. إنّها مرض المناعة الذاتيّ، إنّها فيروس متحوّرٌ انتهازيّ (الرّواية تحكي اقترانها بالإيدز، السالمونيلا والثآليل). إنّها أكلة للرجال مسعورة. تفكّر روز في أنّ “النّساء لا تريد أن تُأكل كلّ الرّجال بواسطة آكلات الرّجال، بل أنّهنّ يُردن أن يتبقى البعض ليأكلهن”.
متهكّمة، متلاعبة، ذكيّة وجميلة بحسٍّ فنيّ، واستطاعةٍ لفعل أيّ شيء. إنّك لم تقابل محتالًا مكرّسًا مثلها. في النّهاية تحكم عليها الرّواية بشدة، لكنني دائمًا ما أحببتها.
أوه هنري، هنري المكتئب، العبقريّ، المتعب. البعض في الموقع الأدبي “لت هاب” يجادل أن جوليان هو الشّرير الحقيقيّ لرواية القتل الصرفيّة لدونا تارت، ولكنني أعطي هنري مكانةً أكبر من هذا. شرّه يكمن في حرصه، بروده وفي حفاظه على نفسه مهما كلّف الأمر. إنّه مرعبٌ؛ لأن كلنا نعرفه، أو نعرف شخصًا قد يرتدي معطفه الطويل بكلّ سهولة في ليلة شتوية.
أليس رائعًا؟ يمكننا صنع دينوصورات! لا يوجد أيّ مشاكلٍ متوقّعة من هذا. نستطيع تولّي الأمر تمامًا.
ها هي رواية أخرى بها أكثر من مرشّحٍ لمنصب أعظم شرير؟ هل هم الأبوان بينوسكي اللّذان سمَّما أنفسهما وأطفالهما عن قصد ليشهروا عرض المسوخ الخاصّ بهم؟ أم هي ماري ليك، نوعًا ما مليونيرة عصريّة، نسخة من ملكة بياض الثّلج الشّريرة. من يدفع للنّساء الجميلات مقابل تشويه أنفسهنّ؟ أعتقد أنّه أرتورو فتى الأكوا، النّرجسيّ المقلوب الذي يكبر ليصبح قائدًا لطائفة، ويشجّع أتباعه على نزع أجزاء أجسادهم ببطء بحثًا عن “النّقاء”. (كل ما سبق)
صحيح أنّ الوحش هو القاتل في رواية شيلي الكلاسيكية -وأيضًا، كما تعلمون، وحش- لكن الدّكتور فرانكشتاين هو الذي قرّر أن يلعب دور إله ويبني مخلوقًا على صورته دون التّفكير في التّداعيات المحتملة! تعامله شيلي كشخصيّة مأساويّة، لكن هذا يجعله شريرًا أكثر إثارة للاهتمام.
جعله أنتوني هوبكنز أيقونة، بالطّبع، لكن من جعله عبقريًا ومرعبًا -قاتل متسلسل، طبيبٌ نفسيّ، آكل لحوم البشر –هو توماس هاريس. “ليس لديهم اسم لكينونته”. أيضًا، لديه ستةُ أصابع -رغم أنّهم في يده اليسرى، لذلك لا يمكن أن يكون هو من قتل السّيد مونتويا. ومع ذلك، فإنّه يضعه في رفقةٍ نادرة.
هل تعتقد أنّ الحوت هو الشرير؟ الحوت ليس الشّرير بل إنّه المصاب بجنون العظمة على دفّة القيادة.
الشّريرة المفضّلة لكلّ رجل ادّعى أنّ زوجته جعلته يفعل ذلك. لكنّني وجدت دائمًا ليدي ماكبث أكثر إثارةً للاهتمام من ماكبث نفسه -إنّها العقل المدبّر وراء العمليّة، ناهيك عن الطّموح. مشهدُ المشي أثناء النّوم هو أحدُ أفضل وأشهرِ مسرحيّات شكسبير. حتى هذا يجعلني أرتجف:
“اختفِ أيّتها البقعة الملعونة! أقول لك اختفِ!. السّاعة تدقّ الواحدة.. الثانية.. قد حان الوقت إذن.. الجحيم مظلمٌ.. عارٌ عليك يا سيدي. عارٌ عليك أن تكون جنديًا وتخاف، نخاف من أن يُعرف سرُّنا وما من أحد يملك أن يسائلنا؟ ولكن، كيف كان بوسعنا أن نخمّن أنّ بالرجل العجوز مثل هذا القدر الغزير من الدم؟”.
قد يكون القرويون المراوغون هم الذين يخدعون عالمة الاشتقاق المسكينة للوقوع في حفرة الرِّمال، لكنّ الرّمال نفسها هي الخصم الرئيس في هذه الرّواية الرّفيعة والرّائعة. الرّمال التي تستمرّ في القدوم، ويجب جرفها مرّة أخرى. الرّمال التي تهدّد باستمرار بابتلاع كل شيء: أولاً: الرّجل، ثم المرأة، ثم القرية. على الرّغم من افتراض المرء أنّ القرويين سيحلّون محلّه قبل حدوث ذلك. الرّمل.
في رواية الرّعب المفضّلة لدى الجميع عن أمريكا في الخمسينيات من القرن الماضي، ينتقل البوهيميان فرانك وأبريل ويلر محلّ سكنهما إلى “الضواحي”، ويجداها خانقة للغاية. لكنّها ليست الضّواحي بالضّبط، ولكن عدم قدرة ويلر على فهم بعضهم البعض، وخوفهم، ويأسهم الزّاحف، المتراكم، هي قوى الدّمار هنا.
قال ييتس في مقابلة عام 1972:
“تمّت قراءة الكتاب على نطاقٍ واسعٍ باعتباره روايةً ضد الضواحي، وهذا خيّب أملي”.
ربّما اعتقد آل ويلر أنّ الضّواحي هي المسئولة عن كلّ مشاكلهم، لكنّني قصدت أن أكون ضمنيًّا في النّص أن ذلك كان وهمهم، مشكلتهم، وليس مشكلتي.. قصدته أكثر كإدانةٍ للحياة الأمريكية في الخمسينيات. لأنّه خلال الخمسينيات كان هناك شهوةٌ عامة للامتثال في جميع أنحاء هذا البلد، ليس فقط في الضواحي -نوع من التشبّث الأعمى واليائس بالسّلامة والأمن بأيّ ثمن-، كما تجلّى سياسيًا في إدارة أيزنهاور وجو مكارثي مطاردة السّاحرات. على أي حال، انزعج عدد كبير من الأمريكيين بشدّة من كل ذلك -شعروا بأنّه خيانة صريحة لأفضل روح ثوريّة لدينا وأشجعها- وكانت تلك هي الرّوح التي حاولت تجسيدها في شخصيّة أبريل ويلر. قصدت العنوان للإشارة إلى أنّ الطّريق الثوري لعام 1776 قد وصل إلى حدّ كبيرٍ مثل طريقٍ مسدودٍ في الخمسينيات.
لا يمكن للآباء أن يزدادوا سوءًا عن ديفيد ميلروز: قاسٍ ووحشيٌّ متعجرف، رجلٌ استمتع بإذلال زوجته، واغتصب ابنه الصّغير، يهلك كل المقربين منه معطيهم حياةً مؤلمة. يمكنك أيضًا أن تجادل بأنّ الأرستقراطية البريطانيّة هي الشّرير في كتب باتريك ميلروز، لكن ديفيد هو بالتأكيد أسوأ (وإن كان أقلّ شمولًا).
هذا هو الشّرير الذي لا يمكنك إلّا أن تشجّعه -أعني نوعًا ما-. تشعر بألمه وهو يحاول التّسلُّل إلى حياة الرّجل الذي يعجبه (وربّما يحبه)، حيث يتمُّ التّرحيب به أولاً ثم يتمّ إبعاده. أقلّ من ذلك عندما يقتل حبيبته ويسرق هويته -ولكن بطريقة ما، بينما تقرأ ، تجد نفسك تحبس أنفاسك في كل زاوية، على أمل أن يهرب مرة أخرى.
بالنّسبة لمالكي العبيد، روفوس ليس الأسوأ (قد يكون والده في هذه المرتبة) لكنّه ليس الأفضل أيضًا. إنّه أنانيٌّ وجاهل، و(مثل معظم الرّجال في ذلك الوقت) عنصريّ وحشيّ كاره للمرأة، ولا يمانع فكرة اغتصاب النّساء ويمارسها طالما أنّهن يتظاهرنَ بأن ذلك يحلو لهنّ. في الواقع، حقيقة أنه يعتقد أنّه أفضل من والده تجعله في الواقع أسوأ. بعد قول هذا، قد يكون الخصم الحقيقي في هذه الرّواية هو في الواقع القوّة المجهولة وغير المبررة التي تستمر في نقل دانا من حياتها الجيدة في كاليفورنيا عام 1976 إلى مزرعة العبيد في ماريلاند عام 1815. فما هذا؟
ممرّضة كبيرةٌ تحكم المرضى في جناحِ اللّجوء بقبضةٍ من حديد. إنّها مدمنةٌ على النّظام والسّلطة، ويمكن أن تكون قاسيةً في الأمر. يأتي ماكميرفي، بطلنا، الذي يريد تقويضها. في الواقع، قام بتقويضها عدّة مرات -ولكن عندما يتمادى، تقوم بعمل عمليّة له في المخّ. النّهاية! أعلم أن راتشد من المُفترض أن تكون شرّيرة، ومن المفترض أن فوزها أمرٌ محبط، لكن لا يسعني إلّا أن أُعجب بحقيقة أنّه بعد أن خنقها رجلٌ قريبٌ من الموت ومزّق قميصها في محاولةٍ للإذلال (لأنّه لا أحد لديه ثدي يمكن أن يكون لديه قوة، كما ترى!)، ببساطة لقد وضعته في مكانه.
من هو حقًا الشرير في أحدث روايات رايتشيل كوشنر؟ لا يمكنها أن تكون رومي. تقضي عقوبةً بالسّجن المؤبّد لقتلها رجلًا كان يطاردها. لا يمكن أن يكون الرّجل نفسه، الذي لم يفهم تمامًا ما كان يفعله. لا يمكن أن يكون أي من الأسرى ولا أي من الحراس على وجه الخصوص. كما أنّه ليس كتابًا بلا شرير، لأن الشعور النّابض بالظلم عظيم جدًا. إنّه كل شيء، كل جانب، من نظام السّجون الأمريكي -المقصود به أن يلحق بك وينزفك ويبقيك ويعيدك- هذا هو الشّرير الحقيقي في هذه الرواية (وغالبًا في الحياة الواقعية).
بالطبع، أوبراين هو الذي يقوم بمعظم الأعمال القذرة -لكن الأخ الأكبر (سواءً كان شخصًا حقيقيًا أو مفهومًا غامضًا مخترعًا) هو الذي يشرف على الشّر.
إنّه مصرفيّ استثماريّ ضحلٌ ونرجسيّ وجشع، وأيضًا عنصريّ، وكاره للنّساء، ومعاد للسامية، وكاره للمثليّين، وأيضًا ساديّ وقاتل وأكل لحوم البشر، ومحبّ هيوي لويس. إنّه أيضًا مثيرٌ للشّفقة بشكلٍ غريب. لا يمكن أن يصبح أسوأ من ذلك كشخص -ولكن كشخصية، فهو مسلٍ إلى ما لا نهاية.
إنه خوسيه إجناسيو ساينز دي لا بارا، الأكثر تعطشًا للدّماء، لكن الجنرال (الكون) الذي لم يذكر اسمه هو الشّرير الأكثر إقناعًا في هذه الرواية: طاغية طويل العمر يتمتع بسيطرة سحريّة على السّكان، وحتّى المناظر الطبيعيّة التي تفتح أزهارها مبكرًا، لأنه سئم الظلام وأعلن أن الوقت قد تغير؛ الذي يبيع البحر للأمريكيين. إنّه غير سعيد. يعتبر نفسه إلهًا. لحسن الحظً، نقضي الرواية بأكملها تقريبًا داخل دماغه الملتوي..
عبقريّة هوم العجوز هي كم هو مقنع -هذا على الرّغم من الشيء المروّع الذي يقضي الرواية بأكملها يفعله (خطف فتاة صغيرة قَتَل والدتها، وقيادتها في جميع أنحاء البلاد وإقناعها بعمل أفعال جنسية، وجلد نفسها وتهنئ نفسك بنفس القدر)، فأنت مفتونٌ به، نصف مقتنع، حتى بخطبه القديمة العظيمة عن إيروس وقوة اللّغة. في النهاية، بالطبع، لا يكفي أي قدر من أسلوبِ النثر الفاخر لتجعلك تنسى أنّه قاتل وأسوأ من ذلك، ولكن بالنّسبة لهذا القارئ، من دواعي السّرور أن تصل إلى هناك.
كتب وايتهيد أن ريدجواي الذي يصطاد العبيد “كان طوله ستة أقدام ونصف وله وجه مربّع وعنق سميك لمطرقة. لقد حافظ على سلوكٍ هادئ في جميع الأوقات، لكنّه خلقَ جوًا مهددًا، مثل رأس الرّعد الذي يبدو بعيدًا ولكنّه فجأةً يصبح في السّماء بعنفٍ شديد”. إنّه أكثر إمتاعًا وذكاءً من شخصٍ غشيمٍ بسيط -ويرجع ذلك جزئيًا إلى هذا الصاحب الخاص به- مما يجعله أكثر رعبًا كشخصية. توم هاردي هو الأفضل في التكيّف.
استمع: آني ويلكس من المعجبين. إنّها معجبة كبيرة. تحب روايات بول شيلدون عن بؤس تشاستين، وقد شعرت بالحزن عندما اكتشفت -بعد إنقاذ شيلدون من حطام سيارة- أنّه قتل شخصيتها المحبوبة. بعد ذلك، لا تسير الأمور على ما يرام بالنسبة لبول؛ لأنه -كما اتضح-، آني هي بالفعل قاتلةٌ متسلسلةٌ محنّكة ومفيدة جدًا (اقرأ: قاتلة) بأدواتٍ منزليّة.
إن الحكومة التي سيطرت على أمريكا في عالم ديستوبيا أتوود الكلاسيكي هي حكومة ثيوقراطية أصوليّة قام قادتها بإلغاء الحدود بين الكنيسة والدّولة -والأسوأ من ذلك، قاموا بليّ المبادئ الدينيّة والسّلطة السّياسية في محاولةٍ لإخضاع جميع النّساء تمامًا، ومحو هوياتهن والسّماح لهن بالوجود فقط بقدر ما قد يكنّ مفيدات للدولة. إنّه أمرٌ سيء للغاية، وهو بالضبط ما يقلقني في بلدٍ يتمتّع فيه الأصوليّون بأيّ قوّة سياسيّة.
من الصّعب جدًا القتال عندما يكون الشّيء الذي تقاتله هو الأرض نفسها، والتي تعاقب أولئك الذين يمشون عليها ب”مواسم” طويلةٍ تدوم لسنواتٍ من تغيّر مناخيّ درادراماتيكيّ وقاتل. آه، الأرض الشّريرة!
أسوأ شرير هو أكثر من يعرفك -الشّخص الذي قد تحبّه-. الدّافع الأكثر رعبًا هو عدم وجود واحد- ما أسماه كوليردج “الخبيثة غير الدّافعة لياجو” الشّرير الأكثر إثارةً للاهتمام هو الشّخص الذي لديه خطوط أكثر من البطل الفخريّ. إنّه شرّير رائع، محتال خطير، أثارت شخصيّته (وفتن) النّقاد لعدّة قرون.
ربما تكون الشخصيّة الأكثر رعبًا في الأدب الحديث (أو أي أدبً آخر؟)، نائب جلانتون يبلغ ارتفاعه أكثر من ستة أقدام وبلا شعر تمامًا. والأهم من ذلك، على الرّغم من حقيقة أنّه قد يكون عبقريًا ، إلّا أنه يمارس عنفًا لا معنى له ولا يرحم أينما ذهب. يقتل الرّجل (ويقترح اغتصاب) الأطفال ويرمي الجراء إلى هلاكهم. قد يكون في الواقع الشيطان -أو ببساطة الشّر نفسه-. إنّه لا ينام أبدًا، القاضي. إنّه يرقص ويرقص. يقول إنه لن يموت أبدًا.
تستند هذه الرواية بأكملها إلى فكرة واحدة: أنّ الأم المحبّة قد تقتل ابنتها الصّغيرة لإنقاذها من الحياة كعبدة. بالتأكيد، تجار الرّقيق سيئون (والمعلم مخيف بشكل خاص). بالتأكيد، يمكنك تقديم حجّة مفادها أنّ روح الانتقام وجود الحبيب مدمر، مما يؤدي إلى مزيد من الانقسام في عائلة ممزقة بالفعل. لكنها ليست سوى أعراض، في هذه الرّواية الأمريكيّة العظيمة، للخطيئة الأمريكية العظمى.
المرتبة الأولى الواجبة لفاعلي الإثم في الأدب: الشيطان نفسه. على الرّغم من تصوّرات الشّيطان، إلّا أن تصور دانتي أقل من مخيف -لأسباب ليس أقلّها أنه يجب أن يعاني أيضًا من كل آلام الجحيم وإهاناته، ويُعذَب ويُعذِب، ويبكي من عينيه السّت، وهو يقضم يهوذا الإسخريوطي.