جائحات وأوبئة غيرت مجرى التاريخ البشري

Michel_Serre-Peste-Cours_Belsunce-1-1
|||||||||

يُعرَّف الوباء (epidemic) على أنه مرضٌ ينتشر في نطاقٍ جغرافيٍّ محدد، بينما تُعرَّفُ الجائحة (pandemic) على أنها مرضٌ يتعدَّى انتشارُه الحدودَ الجغرافية والدولية. وتُعد الكوليرا والطاعون والجدري والأنفلونزا من أكثر الأمراض وحشيةً وقتلًا في تاريخ البشرية، فمثلاً الجدري فقط أدَّى إلى مقتل نحو 300 : 500 مليون شخص عبر التاريخ.
في السطور التالية نسرد أكثر الجائحات والأوبئة تغييرًا لمجرى التاريخ وتأثيرًا على حياة البشر عبر فتراتٍ تاريخيةٍ مختلفة.

الطاعون الأنطوني (عام 165م)

يُعرف باسم الطاعون الأنطوني أو طاعون جالين. وباءٌ قديم أصاب مناطق آسيا الصغرى ومصر واليونان وإيطاليا، ويُعتقد أنه كان الجدري أو الحصبة على الرغم أن السبب الحقيقي لظهوره ما زال مجهولًا. انتقل هذا الطاعون إلى أوروبا من قبل الجنود الرومان العائدين من بلاد ما وراء النهرين عام 165م، وتسببوا بنشر المرض بين الرومان، مما أدَّى إلى وفاة نحو 5 ملايين شخص وتدمير الجيش الروماني.

تمثال لمصاب بالطاعون الأنطوني

طاعون جستنيان ( 541- 542م)

شهدت فترة الإمبراطور البيزنطي جستنيان ظهورَ الطاعون الذي نُسب إليه، وتسبَّب في قتل نحو نصف سكان أوروبا في تلك الفترة أو ما يصل إلى 25 مليون شخص، ورغم المبالغة في التقديرات، إلا أنها تدل على مدى ما أسفر عنه ذلك الطاعون الجستنياني، حتى إنه أدَّى إلى تدمير عاصمة الدولة البيزنطية القسطنطينية التي قُدِّرَ عددُ ضحاياها يوميًّا بنحو 5000 شخص، وأدَّى في النهاية إلى وفاة نحو 40% من سكانها. ظهر هذا الطاعون في بدايته في مصر، ثم انتقل عبر فلسطين إلى باقي أرجاء الإمبراطورية البيزنطية، ثم عبر البحر المتوسط نحو أوروبا وتسبَّب في تغيير مسار الإمبراطورية السياسي والاقتصادي، وكان أشهر أعراضه هو النخر في أطراف الجسم.

طاعون جستنينان

الجذام (القرن 11 م)

على الرغم من وجوده قبل تلك الفترة، إلَّا أن الجذام نما كمرضٍ بشكلٍ كبير في أوروبا في العصور الوسطى، مما أدَّى إلى بناء مستشفيات كاملة لاستيعاب العدد الكبير من المرضى، يُسبِّب هذ المرض بطيء النمو تشوهات وتقرحات في الجسم، حتى اعتقد الكثيرون في تلك الفترة أنه بمثابة عقاب إلهي إلى المصاب، وما زال هذا المرض يصيب الآلاف من سكان الأرض، ويمكن أن يكون قاتلاً إذا لم يُعالج.

أعرااض مرض الجذام

طاعون الموت الأسود ( 1346- 1353م)

اجتاح هذا الطاعون المُسمَّى بطاعون دبلي أوروبا وأفريقيا وآسيا بين عامي 1346 و1353م، وخلف وراءه نحو 75 : 200 مليون قتيل، أي ما يقارب ثلث سكان العالم في تلك الفترة تقريبًا، وفقدت أوروبا وحدها بسبب هذا الطاعون ما يقارب الـ60% من سكانها، ويُعتقد أنه ظهر في بداية الأمر في آسيا ثم انتشر عبر القارات بسبب الفئران والبراغيث التي عاشت على متن السفن التجارية في الموانئ الكبرى في القارات الثلاثة.
تبدأ أعراض هذا الطاعون بتورمٍ في الغدد الليمفاوية إما في الفخذ أو الإبط أو الرقبة، وبعد نحو 10 أيام يُتوفَّى المصاب. هذا وقد امتلئت بعض مدن أوروبا بالجثث المتعفنة نتيجة عدم وجود مأوى لهم. وتسبب هذا الطاعون بتغيير في ميزان القوى السياسية والاقتصادية في العالم أجمع، حتى أن بعض الدول أعلنت الهدنة في صراعها المسلح لمواجهة هذا الوباء. وفي بريطانيا، انهار النظام الإقطاعي عندما غيَّر الوباءُ الشكلَ الاقتصادي والديموغرافي للبلد. وقد أدَّى عدم فهم سبب هذ الوباء إلى قيام بعض السكان الأوروبيين المسيحيين باتهام اليهود بأنهم سمَّموا آبارَ المياه، مما أدَّى إلى مقتل الآلاف من اليهود أثناء فترة انتشر الطاعون وبعدها.

صورة رمزية لطاعون الموت الأسود

الكوليرا (1817م)

شهد العالم سبع مراحل من انتشار جائحة الكوليرا على مدى نحو 150 عام، وقد ظهرت أول مراحل هذه الجائحة في روسيا عام 1817م، وتسبب في وفاة نحو مليون شخص، وكان السبب الرئيس لانتشاره هو اختلاط مياه الشرب والطعام بالبراز وفضلات البشر. وقد انتقلت هذه الجائحة من آسيا إلى أوروبا عبر الجنود البريطانيين المقيمين في الهند، ثم انتقلع من بريطانيا إلى إسبانيا وأفريقيا وأندونيسيا والصين واليابان وألمانيا وأمريكا. ورغم اكتشاف لقاحٍ في عام 1885م، إلَّا أنَّ جائحة الكوليرا استمرت بعدها في الظهور.

ضحايا الكوليرا في أوروبا

وباء الأنفلونزا في أوروبا وهونج كونج ( 1918، 1968م)

سُجِّلَ وباءُ الأنفلونزا العظمى باعتباره الوباء الأكثر تدميرًا في التاريخ. فقد خلف عددًا من القتلى ما بين 20 مليونًا و40 مليونًا، خاصةً في وباء الأنفلونزا العظيم في عام 1918م، وقد انتشر هذا الوباء في فتراتٍ مختلفة وبأشكالٍ متنوعة وأماكن متباينة، فمثلًا يُشار إلى أنفلونزا هونج كونج أنها وباءٌ من الفئة الثانية (b) من سلالة H3N2، وهو فرع وراثي من سلالة H2N2 وأبلِغَ عن أوَّلِ حالةٍ منه في هونج كونج في 13 يوليو 1968م في مدينة هونج كونج، وخلال 17 يومًا فقط تفشَّى المرض في سنغافورة وفييتنام، وخلال ثلاثة أشهر امتد إلى الفلبين والهند وأستراليا وأوروبا والولايات االمتحدة، وكان معدل الوفيات منه عند ظهوره نحو 0,5% من المصابين، إلا أنه يؤدي حتى الآن إلى وفاة تقريبًا مليون شخص، وقد شهدت مدينة هونج كونج وفاة نحو 15% سكانها في تلك الفترة من تفشي الوباء.

وباء الأنفلونزا عام 1918م

جائحة فيروس نقص المناعة ( الإيدز ) (1976م)

تم التعرف على هذا الفيروس لأول مرة في جمهورية الكونغو الديموقراطية في عام 1976م، ومع الوقت أثبت هذا الفيروس أنه جائحةٌ عالمية تسبَّبَت في مقتل ما يزيد على 36 مليون شخص منذ عام 1981م، وحاليًا يوجد ما بين 31 : 35 مليون شخص حامل لهذا الفيروس، وغالبيتهم يعيش في أفريقيا والصحرء الكبرى بنسبة إصابة تبلغ 5% من سكان هذه المناطق.
ومع تزايد الوعي به وتطوير بعض العلاجات الجديدة التي تتحكم في أعراض المرض إلى حدٍّ ما، استطاع العديد من المصابين أن يندمجوا في العمل والإنتاج بشكلٍ طبيعي.
وبين عامي 2005 : 2012م انخفضت نسبة الوفيات السنوية الناجمة عن فيروس نقص المناعة من 2.2 مليون إلى 1.6 مليون.

رمز الإصابة بمرض الإيدز

إعداد: عمر بكر
تدقيق وتحرير: محمد الجوهري

المصادر:

1

2

3

4

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي