كان الأمر يعد ضربًا من الجنون أصاب مجموعة من المرضى البؤساء مثيري الشفقة حتى منتصف القرن السادس عشر، عندما قدّم الجراح الفرنسي الشهير أمبراوزر باريه Ambroise Paré التوصيف الأول للأعراض التي تصيب نسبة كبيرة ممن يفقدون أحد أو بعض أطرافهم حيث قال باريه في مقال له يرجع إلى عام (1551): «حتى عند مرور عدة أشهر بعد العملية، فإن المريض الذي فقد ساقه كان يشكو ألمًا شديدًا فيها، حيث كان يظن أنه مازال يمتلك ساقًا كاملة حتى الآن!»
وكان ذلك قبل أن يقوم الطبيب الإسكتلندي ويليام بورفيلد William Porefield في بداية القرن الثامن عشر بتدوين تجربته الخاصة بعد أن فقد إحدى ساقيه وتحدّث بوضوح عن (وهم الأطراف) وعن أنه بمضيّ الوقت أصبح الإحساس بالإشارات المرسلة إلى القدم المفقودة معتادًا كانعكاسات الألوان على الأشياء المحيطة. وقبل أن يضع أخيرًا الطبيب والكاتب الأمريكي سيلاس ميتشل Silas Weir Mitchell المصطلح الطبي المستعمل حتى الآن “Phantom Limb” في بداية القرن العشرين.
◄التفسير العلمي:
حتى مطلع القرن الحالي، كان التفسير السائد لوهم الأطراف هو استثّارة أو تورّم النهايات العصبية الممزقة أثناء عملية البتر والمعروفة بالتورّم العصبي أو “neuromas”. فكثير من النهايات العصبية الممزقة عند البتر تنتهي أو تتخلف في الجزء المتبقي من العضو المستأصل، ويمكن أن يحدث التهاب لهذه النهايات وتبدأ بإرسال إشارات استغاثة جنونية إلى المخ، وحيث أن الدماغ لا يجد هذه الإشارات منطقية لعدم وجود مهدد أو مؤثر خارجي تدركه الحواس المختلفة؛ فإنه يعتبرها -بشكل تلقائي- شكوى من العضو فتترجم كألم ويقوم المخ بإسقاطه (حسب قانون الإسقاط) إلى العضو المفقود، حيث أن كل جزء من جسم الإنسان مُمَثّل بمنطقة في الدماغ تستقبل منها الأحاسيس، بحيث لا تختلط الإشارات من المناطق المختلفة وتسمى (الخريطة التوبوغرافية لتمثيل الجسم).
ومن المؤسف أن جميع التجارب العلاجية المبنية على الفرضية السابقة كانت مخيبة للآمال بشكل كبير، وفي بعض الحالات اضطر الأطباء إلى إجراء عمليات بتر مرة أخرى لاستئصال جزء إضافي من الجذع المتبقي من العضو، لمجرد تسكين الألم لبعض الوقت لحين احتقان النهايات العصبية مرة أخرى لتستمر دائرة المعاناة المفرغة، ولكن على العكس فقد زادت معاناة هؤلاء المرضى حتى أن بعضهم تعرض لألم مضاعف جراء التورم الأول ثم التورم الثاني الناتج عن الجذع المتبقى عن البتر الآخر. وفى بعض الحالات؛ اضطر الأطباء لقطع الأعصاب أثناء دخولها إلى الحبل الشوكي أو حتى إزالة جزء من منطقة المهاد في المخ المسؤولة عن استقبال إشارات الألم من هذه المناطق، وفي أواخر ثمانينات القرن المنصرم هاجم رونالد ميلزاك الاعتقاد السائد عن النهايات العصبية واعتبر أن الموضوع أكثر تعقيدًا يدور في شبكة متصلة من التشابكات العصبية.
أما حاليًا فتقتصر فروض العلماء في اتجاهات معينة على اعتقاد أنها المسبب لهذه الظاهرة منها: أنه بعد عملية البتر؛ تمر المناطق العصبية الحسية في المخ وخاصة المنطقة الحسية الأولية (312) والتي تمر بتغيرات اضطرابية نتيجة اضطراب وتقطع الإشارات الحسية التي تصلها عن المعتاد، وثانيًا؛ وجود صراع واقعي ما بين الإشارات التي يتلقاها المخ من المنطقة المتأثرة بالبتر وما بين البيانات التي تضخها الحواس كالعين والتي تؤكد عدم وجود هذا العضو المبتور، وأخيرًا؛ وجود الذاكرة الداخلية المخزنة في الجذع المتبقي عن وضع العضو في الأساس وما تسببه من اضطراب.
◄العلاج:
حتى الآن لم يتم الإعلان عن علاج حقيقي للتغلب على الظاهرة إلا أنه يتم التعامل مع الأعراض المصاحبة للظاهرة للتغلب على الآلام الناتجة لحين يعتاد الدماغ على غياب هذا العضو المبتور، فيبدأ تلقائيًا بتجاهل الإشارات القادمة منه.
فبدايةً؛ يتلقى المريض المسكنات وأدوية مضادة للاكتئاب، ويمكن إثارة بعض جذور الأعصاب داخل النخاع الشوكي، أو من خلال التدليك والعلاج بالشحنات الكهربائية تحت الجلد مما ينتج عنه استبدال الألم ببعض التنميل الخفيف. وفي تقنية أخرى تسمى (صندوق المرايا) والذي يقوم بعكس صورة الطرف السليم على الطرف المبتور بحيث يتمكن المريض عقليًا من استخدام العضو المبتور واستبدال وضع مؤلم بوضع آخر أكثر أريحية.*(مقطع فيديو في التعليقات)
يُذكر أن هذه الظاهرة لا تصيب الأطراف المبتورة فقط، بل يمكن أن تتواجد أيضًا عند إصابة العين أو فقأها، وعند إزالة الثدي فى حالة الإصابة بالسرطان كذلك.
هل سبق لك وسقطت إحدى أسنانك أو ضروسك؟ بالتأكيد -ولكن ربما لم تنتبه حينها- ولكن إذا تكررت فمن المحتمل جدًا أنك ستشعر بهذا الضرس أو السن المفقود يدغدغك كما لو أنه مثبت تمامًا في موضعه!
————-
إعداد وترجمة: إبراهيم محمود جهاد
مراجعة لغوية: Matalgah Hamzeh
مراجعة علمية: Ahmed Abd Elkareem
تصميم: Wael Yassir
المصادر:
*فيديو مهم: