إدمان الطعام

قد يكون وقع الكلمة غريبًا، أو ربما يظن البعض أنَّنا نتحدث بشكلٍ بلاغي عن إدمان مجازي، إلَّا أنَّ دراسات حديثة أثبتت أنَّ الكلمة حقيقية تمامًا.

تناول المأكولات السريعة يسبب تغيُّرات كبيرة في الدماغ قد تكون مشابهة إلى حد مخيف تلك التغييرات التي تنتج من إدمان المخدرات، هذه الرسالة ليست مرسلة من الخصور العاكفة على الامتلاء بشراهة، وإنَّما مرسلة أيضًا من مختبرات جونسون وكيني، فى معهد سكريبس(The Johnson and Kenny labs at the Scripps Institute).

إدمان الطعام والمخدرات:

فكرة أنَّ السمنة يسببها نمط قهري في تناول الطعام، وأنَّه يمكن أن يكون هناك تشابه بين هذا النمط القهري وبين نمط إدمان المخدرات ليست جديدة بالكليَّة، في الواقع الدكتورة فولكو (Dr. Volkow) من المعهد القومي الباحث في شؤون تعاطي المخدرات (NIDA) بدأت تعمل على جعل هذا البحث هو هدفها في هذه الجمعية، عند توليها زعامة مملكة أبحاث الإدمان تلك.

في الواقع، وعند التفكير في ذلك، فإنَّ الفكرة منطقية إلى حدٍ كبير، فدمنوا المخدرات يستمرون في التعاطي بكميات متزايدة، على الرغم من رغبتهم في التوقف -عند نقطة ما- عندما يواجهون التبعات السلبية للإدمان، وفقدان مقومات الحياة الأخرى، مثل الأسرة، والعمل، وما إلى ذلك.

الأفراد البدناء أيضًا متشابهون هنا معهم بنسبة كبيرة جدًا، تناول المزيد والمزيد من الطعام بالرغم من رغبتهم في تطبيق نظام غذائي صحي، إضافةً بالطبع للسخرية المعتادة من أشكالهم، وانخفاض تقديرهم لذواتهم، وبالطبع انخفاض مستوى أداءهم العام بسبب الكسل والخمول المصاحب للبدانة بشكل عام.

ولذلك فإنَّ البحث الذي أجراه جونسون وكيني قد درس إن كان التعرض لهذا النوع من الأطعمة عالية الدهون والسعرات، التي تُغرق سوق المأكولات السريعة، هي المسؤولة عن خلق مدمني الطعام، في طريقة مشابهة لإدمان العقاقير، مما يغير الدماغ، الأمر الذي من شأنِه جعل التوقف أمرًا أكثر صعوبةً.

دوبامين، مكافآت، ووجبات سريعة!

في دراسة على ثلاث مجموعات من الفئران، قُدِّم لأحد المجموعات طعام الحمية الذي يقدم لهم في المختبرات بشكل طبيعى، وأمَّا المجموعتين الأخرتين فقد قدَّم لهم ذلك الطعام الذي يقدم في أسوأ أنواع حفلات أعياد الميلاد، على سبيل المثال: لحم الخنزير المقدد والسجق والجبن، وكعكة الجبنة والشوكولاته، يمكنك أن تتخيل حجم الحفلة التي أقيمت في أقفاص هاتين المجموعتين.

سُمح لأحد المجموعتين الذين قٌدِّم إليهم الطعام عالي السعرات بمدى غير محدود من الطعام، أي أنَّ بإمكانهم الأكل طوال اليوم بدون قيود، وأمَّا المجموعة الأخرى فقد سُمِح لها بالحصول على ذلك الطعام لمدة ساعة واحدة في اليوم.

وكانت خلاصة تلك التجربة، أنَّ مجموعة الفئران التي أُتيح لها الطعام عالي السعرات، على مدار اليوم بلا قيود، قد طورت عادات قهرية في تناول الطعام أو ما يمكن تسميته بنمط قهري في الأكل، -ذاك النمط الذي تحدثنا عنه في البداية- وهو الذي أدى إلى ما يقرب من ضعف الزيادة في الوزن التي حدثت للمجموعتين الأخرتين، والقدرة على استمرارهم في الأكل حتى بالرغم من ظهور إشارات للعقاب (الإشارات المذكورة هنا هو ضوء تم تدريب الفئران على أنَّه مرادف للصدمات).

عند الدراسة بشكلٍ أكثر عمقًا، وجد الباحثون أنَّ أدمغة هذه الفئران عانت من انخفاض كبير في كثافة نوع معين من مستقبلات الدوبامين (D2) في جزء الدماغ المعروف باسم الجسم المخطط(striatum) -معروف أيضًا باسم الجسم المخطط الحديث أو النواة المخططية-، هذا الانخفاض الحاد يعتبر عاملًا مشتركًا بين الأشخاص البدينين وبين مدمني المخدرات، ويُعتقد أنَّ هذا النوع من المستقبلات مهم جدًا لتنظيم النبضات سواءً على المستوى الجسدي أو غير ذلك، وبالتالي فإنَّه من المنطقي أن فقدان هذا النوع من المستقبلات المسؤول عن هذه الوظيفة من شأنه أن يتسبب في تناول للطعام لا يمكن السيطرة عليه، أو تعاطي للمخدرات.

 إذًا، هل إدمان الطعام هو ذاته إدمان المخدرات؟!

في الواقع هذا البحث لا يذكر أنَّ الأكل بشكلٍ قهري أو السمنة هما ذاتهما إدمان المخدرات، هي فقط تقترح وجود إشارات قوية حول تشابه آليات الإدمان في كلاهما، الأمر الأهم من ذلك أنَّه يكشف العملية المشتركة التي تنتج عن الإفراط في التعرض للثواب، والذي هو الطعام في حالتنا تلك.

وهذا يخبرنا أنَّه من المرجح أن تكون هناك مسارات مشتركة لاضطرابات الإدمان المختلفة، وفي حالة انتهاء أي شخص إلى إدمان المخدرات أو الطعام بسبب تلك العملية، فإنَّ هذا يطرح سؤالًا سيظل مفتوحًا هو هل سنرى شيئًا من هذا القبيل مع إدمان الجنس قريبًا!.

ترجمة وتصميم: Mohannad M. Abd ElFattah

تدقيق لُغَوي: أمنية أحمد عبد العليم

تحرير: يُمنى أكرم

المصادر: https://goo.gl/Ur6I2M

#الباحثون_المصريون