كشف علماء فلك عن دفقات متكررة من إشارات الراديو القادمة من الفضاء السحيق. تلك الإشارات قصيرة الأجل تُعرف باسم «الرشقات الراديوية السريعة-(Fast radio bursts (FRBs» وبالرغم من أننا استمعنا إليها من قبل، إلا أنه يُعتقد دوما أنها حدث شاذ قادم من أماكن عشوائية.
لكن وللمرة الأولى على الإطلاق يلتقط الباحثون إشارات متكررة، منبثقة من مصدر مجهول خارج مجرتنا.
تم التقاط عشرة دفقات من نفس الاتجاه في مايو ويونيو من العام الماضي، وعندما أعاد فلكيون النظر مرة أخرى في البيانات، وجدوا FRBs منذ عام 2012 مصدرها هو نفس المكان والاتجاه، مما تسبب في تصدر مقترح حدوث شيء ما في ذلك الاتجاه بشكل منتظم منتجا تلك الإشارات المتناهية في القصر والشدة.
أعلم ما يجول بخاطرك الآن –ولا ألومك عليه- ولكن لنتكلم بدقة أكثر فهناك العديد من التفسيرات الممكنة لتلك الدفقات الغريبة بعيدا عن كونها صادرة عن فضائيين.
فمنذ اكتشاف الـ FRBs للمرة الأولى في 2007، لم ينجح علماء الفلك في بحثهم عن أي إشارة آتية من نفس البقعة مرتين والتي قد تساعدهم على تحديد ماهية المسبب لحدوثها.
ولكن في نوفمبر الماضي، «قام باول شولتس-Paul Scholz» من جامعة «McGill» بكندا بالبحث في البيانات القديمة الملتقطة عبر تليسكوب «Arecibo» لموجات الراديو في بورتو ريكو، وقام بتسليط الضوء على بعض الأشكال الغير اعتيادية وهي: 6 FRBs تم استقبالها ولا تفصل بين الواحدة والأخرى أكثر من 10 دقائق فقط، و4 آخرون بفواصل زمنية أكبر، استُقبلت جميعها من نفس الموقع!
يقول «باول شولتس-Paul Scholz»: «علمت على الفور أن ذلك الاكتشاف سيكون شديد الأهمية في دراسة الـ FRBs.»
لا يمتلك الباحثون بيانات كافية لتحديد موقع تلك الدفقات بالضبط، لكن وبالرغم من ذلك، كان الفريق على قدر من التأكد بأنها من خارج مجرتنا، اعتمادا على كمية البلازما التي تتسبب الدفقات في تعليقها عند دخولها. هي طريقة قياس معقدة قليلا، ولكن وبشكل أساسي فإن الـ 10 دفقات المكتشفة حديثا وتلك المكتشفة في 2012، جميعهم لديهم ثلاثة أضعاف الحد الأقصى الممكن لمقياس تعلق البلازما والذي يمكن توقعه من مصدر داخل مجرة الدرب اللبني (درب التبانة).
نقطة المنشأ نفسها تجعل من تكرار دفقات الراديو أمر فريد –فالـ 16 FRBs المكتشفين جميعا كان مصدرهم من داخل مجرتنا- ولكن ليست تلك هي الفوارق الوحيدة.
فتقول «لورا سبيتلر-Laura Spitler» الباحثة في معهد ماكس بلانك لعلم الفلك الراديوي في ألمانيا: «تلك الدفقات لا تتكرر فحسب، بل إن سطوعها وطيفها يختلف أيضا عن تلك الـ FRBs الأخرى.»
يقودنا هذا لمقترح يقول بأن تلك الدفقات المتكررة قد تكون في حقيقة الأمر نوعا جديدا من الـ FRB والتي لم نرها من قبل.
فتوقيت هذا الكشف هو مصادفة عجيبة بشكل ما لأننا ومنذ أسبوع واحد فقط ظننا أننا قد اقتربنا من فهم الـ FRBs.
فقد قرر العلماء تحديد موقع إحدى الدفقات بدقة للمرة الأولى اعتمادا على عمر المجرة القادمة منها، فاقترحوا أن تلك الدفقات لا تأتي من نشاط نجمي مبكر ولكن من حدث انفجاري -مثل اصطدام نجمين نيوترونيين- والمحتمل ألا يتكرر.
ولكن هذا الكشف الحديث يقترح أن العكس هو الصحيح!
يقترح علماء هذا الكشف أن التفسير الأكثر معقولية لتلك الـ FRBs هو مجيئهم من جسم غريب مثل نجم نيوتريني يدور بقوة كافية لبعث تلك النبضات شديدة السطوع. تلك النجوم قد لا تنتمي حتى لمجرة ما!
الخطوة القادمة هي التحديد الدقيق لمكان مجيء تلك الإشارات الغامضة ليتمكن الفلكيون من تكوين فكرة أدق عن نوع النشاط الحادث هناك والمسبب للظاهرة.
يقول الباحث «جيسون هيسلز-Jason Hessels» من جامعة أمستردام: «بمجرد تحديد منشأ تلك الدفقات في السماء، سنتمكن من مقارنة ملاحظات التليسكوبات البصرية وتليسكوبات آشعة إكس لرؤية ما إذا كان المصدر هو مجرة ما هناك أم لا! فإيجاد المجرة المصدر هو أمر شديد الأهمية لفهم خصائص تلك الدفقات.»
بالطبع مجرد وجود منشأ مختلف لتلك الدفقات الفريدة لا يعني خطأ الفرضية الموضوعة الأسبوع الماضي، ولكنه يعني أننا لدينا نوع جديد من الـ FRBs، يشبه كثيرا منشأ قصتها الذي يمكن تحديده من خلالها. وهو يوم رائع دوما للعلم عندما نجد غموض جديد يمكن كشف الستار عنه. فلا يسعنا الانتظار عن كشف المزيد.
تقديم: Abdallah Taha
المصدر من هنا
الورقة البحثية المنشورة بـ Nature من هنا