اضطراب العاطفة الموسمي – Seasonal Affective Disorder

اضطراب_العاطفة_الموسمي

بينما نودِّع الخريف مع سقوط آخر أوراق الشجر المُتبقية بألوانها الجميلة، وتلك البرودة التي تغزو الأجواء، والشمس التي تغرب مبكرًا كل يوم عن اليوم الذي يسبقه، هناك العديد ممن يستعدّون للاستمتاع بالمشروبات الساخنة والمعاطف الدافئة ومنظر هطول الأمطار، وغيرها من مظاهر الشتاء التي تبدو مُبهجة وبديعة بالنسبة لهم ..
على النقيض، فهناك آخرون يغمرهم شعور غير مُبَرر بالكآبة والحُزن في ظل تلك الأجواء من السنة، وكأنهم حرفيًا يختنقون في عالم عديم الألوان! هذه الحالة من التأثير النفسي السلبي لتغيُّر مواسم الطقس يمُر بها الكثيرون: الشعور بتعب زائد، الغضب بسهولة، أو حتى الشعور بالاكتئاب خلال أيام الشتاء الطويلة الموحِشة، المعاناة من صعوبة في النوم ليلًا، الاستيقاظ بصعوبة في النهار.. ولكنهم يعودون إلى حالتهم الطبيعية مع بداية فصل الربيع.

معظم الناس يعزون تلك المشاعر السابقة إلى الضغط الواقع عليهم مع بداية العام الدراسي، ولكن عندما تكون هذه المشاعر في صورة كثيفة أو حادة، فإنها تكون مجموعة من الأعراض لحالة طبية حقيقية تُسمّى: «اضطراب العاطفة الموسمي –  Seasonal Affective Disorder».

ما هو اضطراب العاطفة الموسمي تحديدًا؟

هو نوع من الاكتئاب الذي يتبع تغيُّر مواسم الطقس، وأكثر الأنواع شيوعًا هو الذي يبدأ مع نهاية فصل الخريف وأوائل فصل الشتاء، ويُشار إليه باسم «اكتئاب الشتاء»، ويعود الشخص إلى حالته النفسية الطبيعية بعد انتهاء تلك الفترة وقدوم الربيع.
الطبيبة الخبيرة «كيلي روهان – Kelly Rohan» تصف هذا الاضطراب بأنه: «نمط موسمي مُنتظِم من نوبات الاكتئاب الكبرى».
يُذكَر أن هناك نوع آخر من اضطراب العاطفة الموسمي يحدث في شهور الصيف الحارة يُعرف أيضًا بـ”اكتئاب الصيف”، ولكنه غير شائع وأقل انتشارًا بكثير من النوع الأول حيث يُمثِّل 10% فقط من المصابين.

الوعي بوجود تلك الحالة النفسية كان موجودًا لأكثر من 150 عامًا، ولكن تعريفها كـ «اضطراب» لم يحدث إلا في أوائل 1980، وأصبح تشخيص اضطراب العاطفة الموسمي هو «اضطراب اكتئابي أساسي – Major Depressive Disorder» بنمط موسمي مُتكرر.

وُجِد أن نسبة 60% إلى 90% من المُصابين باضطراب العاطفة الموسمي هم من النساء، و أن الفئة العمرية 15 – 55 سنة لديهم قابلية أعلى للإصابة بهذا الاضطراب، مع تناقص عام لحدة الأعراض بزيادة العُمر.

أهم الأعراض:

يتميَّز هذا الاضطراب بالعديد من الأعراض المعروفة للاكتئاب، مع الفارق الأهم وهو أن تلك الأعراض تتكرر بصورة دورية في نفس الوقت من السنة، تختفي مع قدوم الربيع وتميل إلى الظهور مُجددًا في آواخر الخريف التالي.
الأعراض هي:
–  الشعوربالحُزن، التوتُّر، واليأس.
– فُقدان الاهتمام في الأنشطة المُعتادة، حتى تلك التي كانت محبوبة من قِبَل الشخص.
– الانسحاب من الأنشطة الاجتماعية.
– التشتت وعدم القدرة على التركيز.
– عدم القدرة على التعامل مع الضغط.
–  يكون عادةً مصحوب بالإفراط في تناول الطعام وزيادة الوزن، والرغبة الشديدة في الأطعمة التي تحتوي على نسبة عالية من الكربوهيدرات.
– من أهم الأعراض أيضًا هي ظهور مشاكل في النوم؛ غالبًا ما تأتي في صورة زيادة النوم، لتجد نفسك قد أمضيت أغلب يومك نائمًا أو مُصابًا بالإرهاق الشديد، وفي حالات أخرى أقل تأتي هذه المشاكل في صورة أرق وقلة عدد ساعات النوم.
«الغضب» هو أحد الأعراض المميزة؛ إذ أنه ليس عَرَض اكتئابي تقليدي أو مُعتاد، بعض الناس المُصابون بهذا الاضطراب تظهر استجابتهم في صورة غضب وتهيُّج زائد تجاه من يحبونهم، وهذا الأمر أكثر شيوعًا بين الرجال بشكل خاص.

أسباب الحدوث:
على الرغم أن الخُبراء مازالوا مُتحيرين بشأن الأسباب الفعلية المُباشرة وراء هذا الاضطراب، إلا أن هناك أدلة قوية على أن الأمر مرتبط بكمية ضوء النهار، وأن هؤلاء المصابين حساسون تجاه زيادة أو نقصان هذه الكمية.
ففي شهور الشتاء، يستقبل الجسم قدرًا أقل من الأشعة الضوئية، الأمر الذي قد يحفِّز حدوث الشعور بالاكتئاب، ويُعزى السبب في ذلك تحديدًا إلى التغيُّر المُفاجئ في إيقاع الساعة البيولوجية لأجسام هؤلاء الأشخاص.

هناك أيضًا أدلة أخرى تشير إلى الارتباط بين اضطراب العاطفة الموسمي وهرمون «الميلاتونين Melatonin»، وهو هرمون يُفرَز من الغُدة الصنوبرية في المخ ويلعب دورًا مهمة في عملية النوم، حيث يساعد على وقوعك في النوم وأن تبقى كذلك حتى الصباح. الغدة الصنوبرية تتلقى المعلومات من خلال العينين وتُنظِّم إفراز الميلاتونين استجابةً لتلك المعلومات، حيثُ تقوم بضبط وتنظيم إيقاع الساعة البيولوجية الخاصة بالجسم عن طريق إفراز نسب أعلى أو أقل من هرمون الميلاتونين طبقًا لكمية الضوء التي تتلقاها العين.
في الشتاء، تكون الأيام أقصر وتزداد عدد ساعات الظلام، وهذا يؤدي إلى زيادة الكميات المُفرَزة من الميلاتونين في الجسم، عند بعض الناس يُسبّب ذلك زيادة النوم وقلة الطاقة، وظهور أعراض الاكتئاب كنتيجة، وبالتالي الاصابة بالاضطراب.

كمُعظم الحالات المُشابهة المُرتبطة بالصحة العقلية، يبدو أيضًا أن العامل الجيني واحد من الأسباب المُتعلِّقة باضطراب العاطفة الموسمي، على الرغم أن الخبراء لم يتمكنوا بعد من اكتشاف آلية مُحددة لذلك. إذا كانت عائلتك تملك تاريخًا مرضيًا للاكتئاب أو المرض العقلي، فهذا يجعلك أكثر عرضة للإصابة بالاضطراب.

التشخيص والعلاج:

يتطلَّب الأمر أكثر من المرور باكتئاب شتاء واحد ليتم تشخيص الفرد كمُصابًا باضطراب العاطفة الموسمي، بل هناك معايير يجب توفُّرها:
– أن يكون ظهور الأعراض واختفائها قد حدث خلال آخر سنتين متتابعتين.
– أن يكون عدد نوبات الاكتئاب الموسمية يفوق عدد نوبات الاكتئاب الغير موسمية في فترة عمر الشخص.

*إليك بعد الإرشادات التي قد تُساعدك على التعامل مع هذا الاضطراب:

– قُم بقضاء وقت أكبر خارج المنزل وتنزَّه تحت أشعة الشمس، هذه واحدة من الطرق الفعّالة ضد المزاج الاكتئابي المُرتبط بشهور الشتاء.

– قُم بوضع جدول زمني للنوم، ولا تذهب إلى السرير مُبكرًا جدًا.

– المُصابون باضطراب العاطفة الموسمي يعانون من رغبتهم الزائدة في الحلوى و المواد الكربوهيدراتية، لذا ضع في اعتبارك أن تأكل كمية مُناسبة من البروتين في غذائك اليومي لتُحافظ على التوازن.

– احرص على تنظيم نشاطات اجتماعية منتظمة مع العائلة والأصدقاء خارج المنزل.

بالطبع، تختلف حِدَّة أعراض الاضطراب (بسيطة/متوسطة/شديدة) باختلاف الحالات، إذا كانت تغييراتك المزاجية في تلك الفترة تُسبب تدهور بليغ في حياتك ولم تفلح معها الاستراتيجيات السابقة المُعتمِدة على الذات، فاستشارة طبيب نفسي مُختَص هو الحل الأمثل؛ حالة اضطراب العاطفة الموسمي في صورتها الحادة هي حالة جادة من الاكتئاب الذي يجب التعامُل معه بجدِّية مماثلة، فهو ليس شيء تخاف أو تخجل منه. ببعض المجهود اكتئاب الشتاء يُمكن هزيمته.

يُعتقَد أن «العلاج السلوكي المعرفي – Cognitive Behavioral Therapy» من أكثر أنواع العلاج فعالية في هذه الحالة، وهو نوع من العلاج النفسي الذي يٌعالج المشاكل ويُعزز السعادة عن طريق القيام بتعديل المشاعر، السلوكيات، والأفكار، ويُشجِّع المرضى على تحدي التشويه الإدراكي الحاصل لديهم والتغلُّب على الأنماط السلوكية المُدمِّرة.

يستخدم الأطباء العلاج الدوائي كذلك في التعامل مع الاضطراب، مثل مضادات الاكتئاب، وبعض الأدوية المُحددة التي تُزيد مستوى «السيروتونين  serotonin» في الدماغ، وهو هرمون مُرتبِط بالسعادة وتحسين الحالة المزاجية.


المصادر:

https://goo.gl/eIAIzF

https://goo.gl/QGDUmq

https://goo.gl/f3gSRi

https://goo.gl/EMsL0R

https://goo.gl/Wgorgc

https://goo.gl/ZlnJ2A

https://goo.gl/31n7W2

 

إعداد: يُمنى أكرم
مراجعة علمية: ماريا عبد المسيح
مراجعة لغوية:
Israa Adel  

تحرير: ندى المليجي

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي