اكتئاب ما بعد الولادة

fig-01-09-2019_22-42-19
اكتئاب مابعد الولادة|اكتئاب مابعد الولادة

على الرّغم من أنّ تجربة إنجاب طفل قد تكون من أكثر الأمور إبهاجاً؛ إذ تتطلع العديد من الأمهات إلى اللحظة التي يولد فيها طفلها، إلا أنّ الحرمان من النوم وظهور العديد من المسؤوليات الجديدة قد يُشعر الأمهات بمزيج من المشاعر القوية؛ فيختلّ الشعور بين السعادة والإرهاق والتغييرات المزاجية المُصاحبة لفترة ما بعد الولادة.

تعاني غالبية النساء من أعراض اكتئابٍ مُباشرةً بعد الولادة، ويحدث ذلك نتيجة للتغيرات المُفاجئة في الهرمونات إلى جانب التوتر والُعزلة والحرمان من النوم والإرهاق الجسديّ. قد تشعرين أنّكِ أصبحت عاطفية أكثر، وقد تنغمر عيناكِ بالدموع نتيجة للهشاشة العاطفية المُصاحبة. يبدأ ذلك الشعور بعد الولادة بيومين أو أكثر، ويبلغ ذروته خلال أسبوع، ثم يختفي بالتدريج بعد أسبوع أو اثنين.

لكن من الضروريّ التفريق بين «اكتئاب مابعد الولادة – Postpartum Depression» و«سوداوية الأمومة – Baby Blues»، فالأخير طبيعيّ تماماً ويتلاشى خلال أسبوعين، ويصيب في الغالب 50-80% من النساء، وتشمل الأعراض: التغيرات المزاجية والقلق المُستمر والأرق والبُكاء وفقدان التركيز والشهية.

في حال استمرار تلك الأعراض لمدةٍ تزيد عن أسبوعين يُسمى ذلك باكتئاب ما بعد الولادة، وهي مُشكلة أكثر حدة وطويلة الأمد وتستدعي العلاج والمُساعدة، ولا يُعتبر ذلك ضعفاً في الشخصية أو عيباً.

وفقاً للجمعية الأمريكية للصحة النفسيّة، إنّ واحدة من كل سبع سيدات تُعاني من اكتئاب ما بعد الولادة، وقد تختلف الأعراض، لكنّها تشمل فُقدان المُتعة بالأنشطة السابقة ونوبات القلق والشعور بالذنب والوحدة والتهيّج وتقلبات المزاج المُستمرة لأكثر من أسبوعين، وتتداخل مع قدرتك على العناية بنفسك وطفلك والتعامل مع المهام اليومية الأخرى.


كان الجميع سُعداء بوصول الأمير ويليام، وكان الأمر بمثابة ارتياحٍ كبير بعد فترة حمل صعبة، وكنتُ بحالة جيدة لبعض الوقت حتى أُصبت باكتئاب ما بعد الولادة الذي لم يُناقشه أحد معي من قبل، وكان ذلك وقتاً صعباً؛ لأنني لم أستطع النهوض من السرير، ولم أشعر أنّ باستطاعة الآخرين تفهّم ذلك أو استيعابه.
تلقيتُ علاجاً كبيراً، وتعلّمتُ أنني بحاجة للوقت والمكان المُناسبين للتكيّف مع المهام والأدوار الجديدة، وكنت بحاجة إلى تحلّي الناس حولي بالصبر ومنحي المساحة اللازمة للقيام بذلك. [2]

الأميرة ديانا، نوفمبر عام 1995م لقناة الـBBC.

أعراض وعلامات اكتئاب ما بعد الولادة

-تقلب المزاج الشديد، والشعور بالإكتئاب.
-البُكاء المُفرط.
-صعوبة التواصل مع طفلك.
-الانسحاب من الأنشطة الاجتماعية، والميل للعُزلة.
-فقدان الشهية، أو تناول الطعام أكثر من المُعتاد.
-الأرق وفقدان القدرة على النوم، أو النوم الكثير بخلاف المُعتاد.
-التعب والإرهاق الشديد.
-عدم الاستمتاع بالأنشطة السابقة التي كانت تجلب لك السعادة.
-التهيّج والغضب الشديد.
-الشعور بأنكِ أمّ غير جيدة أو غير قادرة على تحمل مسؤولية الطفل.
-الشعور المُستمر بالذنب، ولوم الذات.
-تراودك أفكار لإيذاء طفلك أو نفسك.
-تراودك أفكار مُتكررة للانتحار أو الموت. [1]

الأسباب

لا يوجد سبب معروف لاكتئاب ما بعد الولادة، لكن العديد من العوامل النفسيّة والجسديّة قد تلعب دوراً في ذلك:

  • التغيرات الفيزيائية: قد يُساهم الانخفاض الحاد في هرمونات الاستروجين والبروجستيرون إلى جانب انخفاض هرمون الغًدة الدرقيّة في الشعور بالخمول والتعب والاكتئاب.
  • التغيّرات النفسيّة: من الممكن للحرمان من النوم أن يتسبب بصعوبة التعامل مع المهام اليومية البسيطة، القلق من قدرتك على رعاية المولود الجديد، الشعور بأنك أصبحت أقل جاذبية، الشعور بفقدان التحكم بحياتك أو التخلي عن طموحاتك لأجل المولود. أي من تلك الأفكار يُمكن أن يُساهم في اكتئاب ما بعد الولادة بشكلٍ أو بآخر. [3]

عوامل قد تزيد من نسبة إصابتك باكتئاب ما بعد الولادة

يُمكن لأيّ أم جديدة أن تُعاني من اكتئاب ما بعد الولادة، لكن يُمكن أن يحدث ذلك بعد ولادة أيّ طفل، وليس بالضروري بعد الطفل الأول فقط، وتزداد فرصتك بالإصابة في حال:

-كان لديك تاريخ من الاكتئاب في فترة الحمل أو في غيرها.
-كان لديك اضطراب ثنائي القطب.
-وجود فرد من الأسرة يُعاني من الاكتئاب أو أيّة اضطرابات مزاجيّة أخرى.
-الأحداث الكبيرة خلال فترة الحمل، مثل فقدان الوظيفة أو مُضاعفات الحمل.
-يُعاني أحد أطفالك السابقين من المشاكل الصحيّة أو الاحتياجات الخاصة.
-في حال ولادة توءمين أو أكثر.
-المشاكل المالية أو الزوجيّة، أو عدم توفر الدعم الكافي ممن هُم حولك.
-كان الحمل غير مُخطط له أو غير مرغوب به أو سابقاً لأوانه. [1،4]

مضاعفات اكتئاب ما بعد الولادة

للأمُهات: قد يستمر اكتئاب ما بعد الولادة لعدة أشهر أو أكثر، ويتحول أحياناً إلى اضطراب الاكتئاب المُزمن.

للآباء: يمُكن أن يتعرض الآباء إلى ازدياد خطر الإصابة بالاكتئاب.

للأطفال: من المُرجح أن يُعاني الأطفال من مشاكل عاطفيّة وسلوكيّة مثل صعوبات النوم والأكل أو البكاء المُفرط أو التأخر في تطوّر الكلام.

علاج اكتئاب ما بعد الولادة

تختلف مُدة العلاج والتعافي من شخصٍ لآخر، ويتوقف هذا على حدة المرض والاحتياجات الفردية. وفي حالة وجود نقص في إفراز هرمون الغدة الدرقيّة أو مرضٍ آخر، يجب علاجه أولاً لتحقيق الاستجابة المطلوبة.

لا يستدعي علاج سوداويّة الأمومة القلق، إذ تتلاشى الأعراض من تلقاء نفسها خلال أسبوعين، لكن أثناء ذلك الوقت احرصي على الحصول على القدر الكافي من الراحة، واقبلي المُساعدة من الأهل والأصدقاء، وحاولي التواصل مع الأمهات الجدد وتعلم كيفية التعامل مع حديثي الولادة، والأهم من ذلك احرصي على توفير الوقت للاهتمام بنفسك.

أما اكتئاب ما بعد الولادة فيحتاج إلى العلاج النفسيّ مع طبيبٍ مُختص عن طريق:

  • العلاج النفسيّ: قد يساعدك التحدث عن مخاوفك مع طبيب نفسيّ أو أخصائي الصحة النفسيّة. يُمكنك من خلال العلاج إيجاد طرق أفضل للتعامل مع مشاعرك، وحل المُشكلات، ووضع أهداف واقعيّة، والاستجابة للتغيرات بطريقة أكثر فاعلية.
  • مُضادات الاكتئاب: قد يوصي طبيبك بالطرق الدوائية إذا لزم الأمر، لكن عليكِ الانتباه خلال فترة الرضاعة واستشارة الطبيب للحد من الآثار الجانبيّة التي قد تُصيب طفلك.

من المُهم طلب المُساعدة، والشروع في العلاج المُبكر والمتواصل لتجنّب النكس واضطراب الاكتئاب المُزمن. [3]

طرق غير علاجيّة قد تُساهم في الشفاء

  • نمط الحياة الصحيّ: ويشمل الأنشطة البدنيّة كالمشي يومياً والحصول على الراحة الكافية وتناول الأطعمة الصحيّة.
  • الحد من التوقعات: لا تضغطي على نفسك للقيام بكل شيء، تجنبي مُقارنة نفسك بالآخرين والتفكير بشكل الأسرة المثالية، لاتجهدي نفسك بالأعمال المنزلية الإضافية.
  • احصلي على القليل من الوقت لنفسك: قد يعني ذلك الطلب من الأهل أو المُربيّة الاهتمام بالطفل لساعاتٍ قليلة تستطيعين فيها القيام ببعض النشاطات الخاصة أو الهوايات أو الخروج مع الأصدقاء.
  • تجنب العُزلة: تحدثي مع أهلك وأصدقائك عن شعورك ومخاوفك، اسألي الأمهات الأخريات عن تجاربهن.
  • لا تخجلي من طلب المُساعدة: في حالة الإرهاق البدني أو رغبتك بالحصول على قسطٍ من النوم أو الراحة، لا تترددي في طلب المُساعدة من الشريك أو الأهل أو الأصدقاء، يُمكنك أيضاً سؤالهم عن أساليب الرعاية المثلى للاهتمام بالطفل وتهدئته. [4]

المصادر
المصدر الأول
المصدر الثاني
المصدر الثالث
المصدر الرابع

إعداد: سارة عبد الله.
مراجعة علمية: بسمة التهامي.
تدقيق لغوي: رؤى زيات/بسمة التهامي.
تحرير: هدير جابر.

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي