الإستروجينات البيئية، محاكاة لهرمون الإستروجين ومزيد من الخلل!

Estrogen-Dominant-Breast-Cancer

|||

منذ الحرب العالمية الثانية، تعرضت الأجيال المتوالية لأعداد متزايدة وكميات كبيرة من المواد الكيميائية التي تُحاكي تأثير هرمون الإستروجين البشري. ينتج عن التعرض لهذه المواد عديد من العواقب السلبية، بما في ذلك العقم، وانخفاض عدد الحيوانات المنوية، وخلل وظائف القلب، واضطرابات هرمونية عديدة، والتي يمكن توارثها عبر الأجيال.

ولكن ماهي (الإستروجينات البيئية-Environmental Estrogens)؟

تعرف الإستروجينات البيئية أو (زينو إستروجينز-Xenoestrogens) على أنها مواد كيميائية تتواجد في البيئة، وتتمثل في كلًا من الملوثات الصناعية والمركبات الطبيعية. تحاكي هذه المواد هرمون الإستروجين، وربما تكون سامة لصحة الإنسان.

من المعروف أن المركبات البيئية التي تحاكي الإستروجين يمكن أن تكون ضارة جدًا؛ لأنها قد تؤثر على وظيفة الغدد التناسلية، وكذلك وظائف القلب.

اضطراب وظائف القلب الناجم عن التعرض للإستروجينات البيئية

في دراسة حديثة في عام 2017 م، استطاع فريق بحثي في جامعة «ألاباما برمنجهام» ربط تأثير هرمون الإستروجين بوظائف القلب، حيث استخدم الباحثون سمك الزرد الذي يعيش في المياه العذبة، والذي يعد نموذج مثالي لدراسة القلب والأوعية الدموية بشكل مُحاكي لوظيفته في جسم الإنسان.

في تلك التجربة، استهدف الدكتور (دانيال جوريليك-Daniel Gorelick) عمل طفرات في أربع مستقبِلات مختلفة تتواجد داخل أو على سطح الخلايا، والتي تتمثل وظيفتها في الارتباط والاستجابة لهرمون الإستروجين. تُعد هذه الطفرات اتجاه عملي يُساعد في كشف آلية جديدة لعمل هرمون الإستروجين وارتباط ذلك بعلم وظائف الأعضاء.

اكتشف جوريليك وزملاؤه وظيفة جديدة لمستقبلات هرمون الإستروجين المرتبطة ب بالبروتينG ، والمعروفة باسم “G protein-coupled estrogen receptor, or GPER” في خلايا محددة في دماغ سمك الزرد. تحديدًا، تتمثل وظيفة هذه المستقبلات في تنظيم معدل ضربات القلب في أجنة سمك الزرد. الجدير بالذكر أن مستقبلات ال GPER كانت تعمل بشكل مستقل، دون إشراك مستقبلات هرمون الإستروجين الأخرى الموجودة في الخلايا، مثل مستقبلات هرمون الإستروجين ألفا وبيتا. ولقد أظهرت التجارب أن هرمون الإستروجين لا يعمل مباشرة على خلايا عضلة القلب، ولكن عن طريق الارتباط بمستقبلات GPER في خلايا الغدة النخامية في الدماغ، وحثها على زيادة إنتاج هرمون الغدة الدرقية “T3″، والذي بدوره يزيد من معدل ضربات قلب الجنين إلى مستويات طبيعية. على عكس ذلك، انخفضت معدلات ضربات القلب لدى الأجنة التي تحمل طفرات في مستقبلات الإستروجين عن المستوى الطبيعي. من هنا، يمكننا أن نستنج وجود ارتباط وثيق بين هرمون الإستروجين و هرمون الغدة الدرقية، مما يوجه أنظارنا إلى أن وجود أي خلل في مستويات الإستروجين بالنقص (نتيجة الطفرات التي تم استحثاثها في مستقبلات الإستروجين) أو الزيادة (نتيجة للتعرض للإستروجينات البيئية) قد يغير إشارات الغدة الدرقية وبالتالي وظيفة القلب.

أمثلة للإستروجينات البيئية

مادة «Bis(2-ethylhexyl) phthalate «DEHP، تدخل في صناعة المواد البلاستيكية، والعطور، ومستحضرات التجميل، ويمكنها محاكاة عمل هرمون (الإستراديول-Estradiol) (شكل 1)، أحد الهرمونات الإستروجينية بالجسم. وبالتالي، يمكن لمادة DEHP الارتباط بمستقبلات الإستراديول GPER و تعديل مستويات هرمونT3، مما يؤثر بشكل غير مباشر على معدل ضربات القلب. بالإضافة إلى ذلك، ربط الباحثون المواد التي تحتوي على (الفيثالات-phthalate) بالربو، واضطراب نقص الانتباه، وفرط النشاط، وسرطان الثدي، والسمنة، والسكري من النوع الثاني، وانخفاض معدل الذكاء، واضطرابات التوحد، وتغيير خصوبة الذكور.

شكل (1): التركيب الكيميائي لهرمون Estradiol.

أيضًا مادة «PFOS» «perfluorooctanesulphonic acid»، تُستخدم في صناعات مختلفة كالمنسوجات، ومواد التنظيف، والدهانات، والسجاد، والورق، وغيرها (شكل2). تماثل هذه المادة أيضًا عمل مادة DEHP، مسببة خلل هرموني يؤثر على صحة الإنسان. هذه المادة غير نشطة كيميائيًا في حد ذاتها، ولكنها بطيئة التحلل وتبقى لفترة طويلة سواء في البيئة أو جسم الإنسان، ويمكن أن تنتقل من الأم إلى الجنين في فترتي الحمل والرضاعة. قد تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على الأعضاء التناسلية ووظائفها، وكذلك توازن النظام الهرموني للغدة الدرقية، وأيضًا الدهون، وعملية الاتصال بين الخلايا، مما يؤثر على صحة الإنسان بشكل عام.

ولذا تُنوِه المنظمات العالمية الآن إلى أهمية الانتباه إلى وجود هذه المادة في الأدوات التي يستخدمها الإنسان يوميًا، وكذلك أهمية وضع خطط لتقنين استخدامها في الصناعات المختلفة والحث على دراستها ودراسة تأثيراتها على صحة الإنسان وتوازن البيئة بشكل أعمق.  هل علمت لماذا يُستبعد استخدام مواد مثل الفيثالات في زجاجات الرضاعة للأطفال، خاصة bisphenol A) ) BPA، ويُوصى دائمًا باستخدام البلاستيك الذي يحمل الرقم 5 فيما يتعلق بالطعام والشراب، والذي صنع من مادة «Polypropelene» بشكل أساسي. في حالة المواد البلاستيكية التي تُصنع من مواد الفيثالات والتي تحمل الرقم 1، يجب أن يتم مراعاة استخدامها بشكل آمن، وتحفظ بعيدًا عن التعرض لعوامل مثل الحرارة والتجمد الذي يساعد على تحلل الفيثالات ومن ثم استهلاكها مع الأطعمة والمشروبات، مما يؤثر بالسلب على صحة الإنسان ويُخل بالنظام الهرموني.

شكل (2): التركيب الكيميائي لمادة perfluorooctanesulphonic acid.

الإستروجينات البيئية ومشاكل الخصوبة لدى الرجال

في الآونة الأخيرة، قام الفريق الذي يرأسه هاجاي ليفين من جامعة هاداسا بالقدس، بمراجعة أكثر من 2500 مقالة، حيث تم استبعاد البحوث التي أجريت على الرجال الذين يعانون من مشاكل في الخصوبة أو انخفاض في إنتاج الحيوانات المنوية لأسباب معروفة. كشفت الإحصائيات التي أجراها على الدراسات من الدول الصناعية (أمريكا الشمالية وأوروبا واستراليا ونيوزيلندا) انخفاضًا ملحوظًا في أعداد الحيوانات المنوية التي ينتجها الرجل، وذلك بنسبة 52% على مدى الجيل ونصف الجيل الماضيين، مقارنة بالرجال في أمريكا الجنوبية وأفريقيا وآسيا. تم ربط ذلك بالتعرض للملوثات البيئية التي تُخل بوظائف الغدد الصماء. اشتملت الإحصائيات على ما يقرب من 200 دراسة فردية تشمل حوالي 43 ألف حالة على مدى 38 عام (ما بين 1973-2011م). في حين أن هذه الدراسات الفردية لا تُشير إلي عامل مؤثر بحد ذاته، إلا أنها أشارت إلى أن خفض إنتاج الحيوانات المنوية قد يحدث على المدى القصير، نتيجة اضطرابات الغدد الصماء، والتي تتأثر بشكل كبير بالملوثات البيئية كالإستروجينات البيئية.

أما بالنسبة للأسباب المحتملة لهذا الانخفاض الحاد، أوضح الباحثون أن عدد الحيوانات المنوية كان مرتبطًا بشكل معقول مع العديد من العوامل البيئية ونمط الحياة في التأثيرات، سواء قبل الولادة أو في البالغين. على وجه الخصوص، قد يؤدي اضطراب الغدد الصماء من التعرض للمواد الكيميائية أو تدخين الأمهات أثناء تكوين وتطور الأعضاء التناسلية للأجنة الذكور قبل الولادة، في حين أن التغييرات في نمط الحياة والتعرض للمبيدات قد تلعب دورًا في حياة البالغين.

في دراسة أخرى عن تاثير الإستروجينات البيئية في الفئران على مدى 3 أجيال، ظهرت الآثار المتعلقة بانخفاض الخصوبة في الذكور بشكل أكبر في الأجيال التالية (الجيل الثاني والثالث)، واحتمالية انعدام إنتاج الحيوانات المنوية في بعض فئران الجيل الثالث.

كل هذه الدراسات وغيرها من الدراسات الحديثة تؤكد على ارتباط التلوث البيئي نتيجة للحروب والصناعات المختلفة بانتشار المواد التي تحاكي عمل هرمون الإستروجين في جسم الإنسان والكائنات الحية الأخرى. وبالتالي يجب علينا تقليل التعرض لها باستخدام الأدوات والمواد التي لم تمر بمراحل تصنيعية عديدة، بالأخص المواد التي يمكن استنشاقها، أو امتصاصها عن طريق الجلد كمواد التجميل والعطور، أو حتي احتكاكها بالأطعمة المختلفة مثل علب الطعام وزجاجات المياه غير المناسبة صحيًا.

إعداد: هبة عبد الناصر عبد الوهاب

مراجعة: أميرة إسماعيل

 المصادر:

 

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي