الاقتصاد ببساطة: التنمية المستدامة

fig-21-09-2019_00-14-17

||

يعتبر مصطلح التنمية المستدامة من أكثر المصطلحات المطروحة على الساحة الآن، حيث أن العالم يسير بلا ريب على طريق غير مستدام، لذا سنلقي الضوء على التنمية المستدامة وتطبيقاتها وأهدافها.

مفهوم التنمية المستدامة[1] 

تم تعريف التنمية المستدامة بأنها التنمية التي تُلبّي احتياجات الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتهم الخاصة، أي هي التغيير الشامل والتطوير للفرد والمجتمع في جميع المجالات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية، مما يجعل من المعرفة مكوّنًا أساسيًا في جميع خطط التطوير، كما أنها لا تؤدي مع مرور الزمن إلى تناقص رأس المال البشري والطبيعي والبيئي سواءً على الصعيد المحلّي أو العالمي.

مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة[2]

يعتبر هذا المؤتمر بمثابة رؤيةٍ طموحةٍ لاستدامة كوكبنا في المستقبل، حيث تبنّت الدول الأعضاء بالأمم المتحدة في قمةٍ أممية تاريخية عُقدت في سبتمبر عام 2015 خطة 2030 -أي خلال السنوات الخمس عشرة المقبلة- لتحقيق 17 هدفًا للتنمية المستدامة، وقد أُطلقت خطة 2030 في مستهلّ يناير من عام 2016. تتطلب هذه الخطّة العمل الدؤوب؛ فيجب أن تُكوّن حملة عالمية يتبناها قادة العالم ورجال الأعمال والمجتمع لتحقيق الأهداف السبعة عشر، ولتنطلق الفكرة إلى المجتمع بحيث تتشارك المنظمات المحلية والإقليمية وجمعيات المجتمع المدني والأهلي ومؤسساته لتعميم ثقافة التنمية المستدامة، وتوعية مختلف مكونات المجتمع على أهميتها وتبادل الخبرات وتوظيف جميع الإمكانيات لتحقيق مستقبل مستدام.

أهداف التنمية المستدامة[3]

1– القضاء على الفقر بكل أشكاله:

إن الفقر أكثر من مجرد الافتقار إلى الدخل والموارد لضمان مصدر رزق مستدام، حيث أن مظاهره تشمل الجوع وسوء التغذية، وضآلة إمكانية الحصول على التعليم وغيرها من الخدمات الأساسية، والتمييز الاجتماعي، والاستبعاد من المجتمع، علاوة على عدم المشاركة في اتخاذ القرارات، ولم يزل عُشر سكان العالم (أي بنسبة 10% منهم، أو 700 مليون شخص) يعيشون في فقر مدقع على أقل من دولارين يوميًا. يمكن تحقيق التنمية المستدامة ومكافحة الفقر من خلال خلق فرص عمل مناسبة تُشجع على التكافؤ ومكافحة البطالة وتمكين المرأة وإقامة المشروعات التنموية.

2– القضاء على الجوع:

تتعرض التربة والمياه العذبة والمحيطات والغابات والتنوع البيولوجي للتدهور السريع، ويشكل تغير المناخ ضغطًا إضافيًا على الموارد التي نعتمد عليها، مما يزيد من المخاطر المرتبطة بالكوارث مثل الجفاف والفيضانات. ولم يعد لدى الكثير من الريفيين -رجالًا ونساءً- القدرة على تغطية نفقاتهم على أراضيهم، مما يجبرهم على الهجرة إلى المدن بحثًا عن الفرص. وقد عانى 821 مليونًا من نقص التغذية في عام 2017. لقد آن الأوان لإعادة التفكير في كيفية تطوير غذائنا وطرق استهلاكه، وتطوير النظم الزراعية لتحقيق نظم مستدامة وتنافسية لترفع من الإنتاجية الزراعية وتساعد في القضاء على التحديات الموجودة بالقطاع الزراعي، كما يعتبر الاقتصاد الأخضر أحد طرق تحقيق التنمية المستدامة.

3- الصحة الجيدة والرفاهية:

يسعى هذا الهدف إلى تحقيق أنماط عيش صحية لجميع الأفراد بمختلف أعمارهم وتحقيق الرفاهية لهم، وذلك من خلال تحقيق مجموعة من الأهداف الفرعية وهي: وضع نهاية لوفيات المواليد والأطفال دون سن الخامسة والتي يمكن تفاديها، ووضع نهاية لأوبئة الإيدز والسل والملاريا ومكافحة الالتهاب الكبدي الوبائي والأمراض المنقولة بالمياه والأمراض المعدية الأخرى بحلول عام 2030، وخَفض عدد الوفيات والإصابات الناجمة عن حوادث المرور إلى النصف، بالإضافة إلى تحقيق التغطية الصحية الشاملة من خلال الحصول علي خدمات الرعاية الصحية الأساسية الجيدة وإمكانية حصول الجميع على الأدوية واللقاحات الجيدة والفعالة بتكلفة ميسورة.

4التعليم الجيد:

عن طريق تعميم التعليم الأساسي وبرامج محو الأمية والاهتمام بالتعليم المهني، وتوفير تكاليف التعليم لغير القادرين وتقليل أعداد المتسربين من التعليم وخاصة الفتيات، والاهتمام بتطوير المادة العلمية والقائمين على العملية التعليمية، وبناء المدارس وتحسين توصيل خدمات المياه والكهرباء إليها، وتقديم المنح الدراسية وبرامج التوجيه المهني بحيث يتم تخريج طالبٍ يتناسب مع احتياجات سوق العمل.

5– المساواة بين الجنسين:

يسعى هذا الهدف إلى تحقيق المساواة بين الجنسين من خلال تحقيق التكافؤ بين الذكور والإناث في الحصول على التعليم والرعاية الصحية والعمل اللائق، ومنع العنف ضد المرأة سواءً الجسدي أو الجنسي، ووضع قوانين لحماية المرأة من العنف المنزلي، والقضاء على زواج القاصرات، والمشاركة في اتخاذ القرارت السياسة والاقتصادية والاجتماعية.

6– المياه النظيفة والنظافة الصحية:

من خلال الاهتمام بإتاحة المياه النظيفة للجميع والتي تعتبر من ضروريات الحياة، حيث تؤثر ندرة المياه وسوء نوعيتها وضعف تجهيزات مرافق الصرف الصحي تأثيرًا سلبيًا على الأمن الغذائي والخيارات المعيشية والفرص التعليمية للأسر الفقيرة في جميع أنحاء العالم. كما يهتم هذا الهدف بتحسين نوعية المياه (عن طريق الحدّ من تلوثها ووقف إلقاء النفايات والمواد الكيميائية الخطرة بها) وزيادة كفاءة استخدام المياه في جميع القطاعات وتنفيذ الإدارة المتكاملة للموارد المائية.

7– طاقة نظيفة وأسعار معقولة:

إن الطاقة هي العنصر الأساسي في كل تحدٍ وفي كل فرصة يواجهها العالم اليوم، سواءً تَمثّل ذلك في توفير الوظائف أو توطيد الأمن أو التصدي لتغير المناخ أو إنتاج الغذاء أو زيادة الدخل، فالحصول على الطاقة مسألة ضرورية للجميع، لذا من الضروري التركيز على إتاحة الحصول على الطاقة أمام الجميع وبأسعار مناسبة، وزيادة كفاءة استخدامها في جميع القطاعات، وزيادة استخدام الطاقة المتجددة، ودمج الطاقة المتجددة في الاستخدامات النهائية في المباني والمواصلات والعمليات الصناعية.

8– العمل اللائق والنمو الاقتصادي:

لا يزال نحو نصف سكان العالم يعيشون على ما يعادل قرابة دولارين يوميًا. استمرار انعدام فرص العمل اللائق، وعدم كفاية الاستثمارات، وقلة الاستهلاك يفضي إلى مجتمع متدنٍّ لعدم مشاركة جميع أفراده في العملية الإنتاجية وتحقيق التنمية الاقتصادية. لذا يسعى هذا الهدف إلى تحقيق مستويات أعلى من الإنتاجية الاقتصادية من خلال التنويع، والارتقاء بمستوى التكنولوجيا، والابتكار من خلال التركيز على القطاعات المتسمة بالقيمة المضافة العالية والقطاعات الكثيفة العمالة.

9– الصناعة والابتكار والهياكل الأساسية:

الاستثمار في الهياكل الأساسية مثل النقل، ونظم الري، والطاقة، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات هو ضرورة لتحقيق التنمية المستدامة من خلال الاهتمام بإقامة بنية تحتية قوية ومستدامة قادرة على الصمود. يسعى هذا الهدف أيضًا إلى تعزيز حصة الصناعة في الناتج المحلي، وزيادة أعداد المشاريع الصغيرة وتيسير القروض لها، مع الاهتمام بالبحث العلمي والابتكار في جميع المجالات بهدف تمكين المجتمعات في بلدان عديدة.

10– الحد من أوجه عدم المساواة:

يوجد إجماع متزايد على أن النمو الاقتصادي غير كافٍ لتقليل الفقر إلا إذا كان شاملًا وفعالًا في الأبعاد الثلاثة للتنمية المستدامة، وهي البعد الاقتصادي والبعد الاجتماعي والبعد البيئي. وللتقليل من غياب المساواة ينبغي أن تكون السياسات العامة لكل دولة مهتمة بحقوق واحتياجات الفئات المحرومة والمهمشة، وتعزيز الدمج السياسي والاقتصادي والاجتماعي لجميع فئات المجتمع بغض النظر عن السن أو النوع أو الدين أو الإعاقة أو الوضع الاقتصادي.

11– مدن ومجتمعات محلية مستدامة:

تعتبر المدن مراكز للأفكار والثقافة والعلوم والإنتاج والتجارة والتنمية الاجتماعية وغيرها من الأنشطة البشرية. لذا فمن الضروري وجود تخطيط وإدارة فعالة للمدن خاصة في ضوء الزيادة السكانية، وذلك من خلال حصول جميع الأفراد على مساكن وخدمات أساسية ملائمة وآمنة وميسورة التكلفة، ورفع مستوى الأحياء الفقيرة، وتحسين سلامة الطرق، وتوسيع نطاق النقل العام ورفع كفاءته مع الاهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن، وتقليل التلوث البيئي داخل المدن، مع الاهتمام بزيادة المساحات الخضراء.

12- الاستهلاك والإنتاج المسؤولان:

تستهدف أنماط الاستهلاك والإنتاج المستدامة “إنتاج المزيد بشكل أفضل وتكلفة أقل” على تشجيع تحقيق الكفاءة في استخدام الموارد والطاقة، واستدامة الهياكل الأساسية بما لا يضر بالبيئة ويعود بالنفع على الجميع. ويساعد تطبيق أنماط الاستهلاك والإنتاج المستدامة على إنجاز خطط التنمية الشاملة، وخفض التكلفة الاقتصادية والبيئية والاجتماعية مستقبلًا، وتوطيد القدرة التنافسية الاقتصادية، وخفض حدة الفقر.

13– العمل المناخي:

نجد أن التغير المناخي نتج عن زيادة الأنشطة البشرية وزيادة معدل استخدام الآلات التي أدت إلى زيادة انبعاث الغازات الدفيئة التي تتسبب في تآكل طبقة الأوزون وذوبان طبقات الجليد بالقطبين الشمالي والجنوبي وارتفاع منسوب البحار والمحيطات وحدوث الفيضانات والأعاصير، بالإضافة إلى انخفاض معدلات هطول الأمطار، مما يقلل من المجاري المائية والبحيرات والمياه الجوفية واختلاف إنتاج محاصيل الحبوب بشكل كبير بسبب التباين السنوي لهطول الأمطار، مما يؤثر على عملية التنمية واستخدام الموارد والحد من الفقر.

14– الحفاظ على الحياة تحت الماء:

من خلال منع التلوث البحري بجميع أنواعه، وإدارة النظم الإيكولوجية البحرية والساحلية على نحو مستدام، وتنظيم الصيد وإنهاء الصيد الجائر والصيد غير القانوني وخصوصًا للأنواع النادرة، بالإضافة إلى زيادة وتطوير المعرفة والبحث العلمي ونقل التكنولوجيا المتطورة فيما يتعلق بالمجال البحري بهدف الحفاظ على الثروة السمكية.

15- الحفاظ على الحياة في البر:

تغطي الغابات مساحة 30% من سطح الأرض، علاوة على أنها توفر الأمن الغذائي والمأوى، فإنها عنصر مهم من عناصر مكافحة تغير المناخ وحماية التنوع الإيكولوجي، ومع ذلك يُفقد سنويًا 13 مليون هكتار من الغابات، مما يشكل تحديًا أمام التنمية المستدامة، لذا يسعى هذا الهدف إلى تعزيز الإدارة المستدامة لجميع الغابات ومنع إزالتها، ومكافحة التصحر وترميم التربة والأراضي المتدهورة، والحفاظ على التنوع البيولوجي، وفرض عقوبات صارمة على الصيد غير المشروع للأنواع المحمية من النباتات والحيوانات ومنع الاتجار بها.

16- السلام والعدل والمؤسسات القوية:

أكدت الأمم المتحدة على أهمية إدراج الحرية والسلام والأمن واحترام حقوق الإنسان في إطار التنمية الجديد، مؤكِّدين أن ثمة حاجة إلى المجتمعات التي يسود فيها العدل والديمقراطية بغرض إنجاز التنمية المستدامة، فيجب أن يكون لكل شخص صوت وحقوق رسمية في الاتصال بالحكومات والتعبير الحرّ عن رأيه، والحد من جميع أشكال العنف وإساءة المعاملة والاتجار بالبشر، وتعزيز السياسات والقوانين غير التميزية للوصول إلى مجتمع قوي.

17– عقد الشراكات لتحقيق الأهداف:

يتطلب تحقيق التنمية المستدامة وجود شراكة حقيقية بين الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني، تُبنى هذه الشراكات على قواعدَ وقِيَمٍ ورؤيةٍ وأهدافٍ مشتركةٍ تضع مصلحة الأفراد أولًا. بالإضافة إلى وجود شراكة عالمية بين الدول المتقدمة والدول النامية للمساعدة في تحقيق التنمية ونقل التكنولوجيا المتطورة.

دور المكتبات العامة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة[4]

تعتبر المكتبات دعامة ضرورية لتحقيق التنمية المستدامة لجهودها في محو الأمية ووصول المعرفة والمعلومات ودعم البحث العلمي والتدريب والخدمات الثقافية، وبالتالي يجب إبراز الدور المحوريّ الذي يمكن أن تلعبه المكتبات العامة في تحقيق استدامة المعرفة ودعم التعليم الذاتي، وتوفير فرص للأفراد المبدعين وتحفيز الإبداع وتشجيع الوعي بالتراث وتذوق مختلف الفنون، وبذلك تتحقق استدامة التطور والرقي المجتمعي.

دور وسائل الإعلام في التنمية المستدامة

تلعب وسائل الإعلام دورًا جوهريًا في التنمية المستدامة، حيث أن لها تأثيرًا قويًا على الكثير من جوانب الحياة الاجتماعية كالتعليم والسياسة، وبالتالي أصبحت وسائل الإعلام قادرة على تعزيز قدرات الأفراد من خلال تزويدهم بالمعلومات بطرق أكثر قبولًا لديهم، ومن المهم استغلال الإعلام بشكلٍ صحيحٍ لمعالجة القضايا الاجتماعية أو الحد منها، كالحد من العنف أو القضاء على أشكال التمييز -كالعنصرية- بين أفراد المجتمع، وتسهيل عملية الحوار بشأن قضايا الساعة، كما أن وسائل الإعلام تتمتع بقدرات هائلة على تدريب وتنمية وتثقيف المجتمعات العمرانية، وتمكن من استغلال العناصر البشرية الاستغلال الأمثل، وبالتالي تعمل كمحور لنشر المعرفة والتعليم. تعتبر أيضًا المسارح والمراكز الثقافية من أنجح الوسائل التي يمكن استخدامها في مجال تطوير وتنمية المجتمعات، حيث تقدم فنًّا هادفًا للمجتمع، أو تجيب على كافة الاستفسارات المتعلقة بجوانبه المختلفة، وبالتالي تحقق أهداف التنمية المستدامة.

إعداد: إسراء حسني 

مراجعة علميّة: شيرين صبيح

تدقيق لغوي: هاجر زكريا

تحرير: هدير جابر

المصادر:

[1]https://www.un.org/sustainabledevelopment/development-agenda/

[2]https://www.un.org/en/sections/what-we-do/promote-sustainable-development/index.html

[3] https://www.un.org/sustainabledevelopment/sustainable-development-goals/

[4] https://www.slideshare.net/hassenalaya/ss-103391432

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي